هزليات السياسة الأسدية (3)
ضحك أبو الجود وقال: يمكنْ أنا أكترْ واحدْ تْعَرَّضْ للتمييزْ العنصري بهالدنيا. شلونْ ما تحركتْ بلاقي الظروفْ عَمْ تشتغلْ ضدي. كل الناس بيقروا الجرايد وبيتفرجوا ع التلفزيونْ حتى يتسلوا، أو يتابعوا الأخبارْ ويعرفوا أيشْ صايرْ في البَلَدْ، أو منشانْ يسمعوا غناءْ وطَرَبْ ويقولوا آآآآآه ويهزوا رؤوسهم يمين وشمال.. إلا أنا، ما بقرا جريدة ولا بتفرجْ عَ التلفزيونْ غيرْ لما بتكونْ أختكمْ أم الجودْ محاصرتْني وعَمْ تبهدلني، وعم بتذكّرْني بأني فقيرْ ومنحوسْ وعديمْ الحيلة، وعديمْ النفعْ. ولما بتبهدلني أختكمْ أم الجودْ أنا بْرَكّزْ عالأخبارْ المنشورة في الجريدة، أو عَ البرنامجْ التلفزيوني اللي عم ينعرضْ قدامي، الهدفْ من التركيزْ إني ما إفهمْ شي من كلامْها، وليش بدي أفهمه؟ أصلاً أنا حافظْ كلامْها كله عَ الغايبْ، بتقلي: إنته ما فيك نخوة ووجدانْ وناموسْ، الظاهرْ ما بتعرفْ إنه أسطوانة الغاز فاضية؟ وما صارْ عندك علمْ إنه الأسطوحْ عَمّ ينشّ وينقطْ مياهْ وسخة فوقْ روسْ الولادْ؟ ما شفت بنتنا الزغيرة كيفْ مرضانة وحرارتها أربعينْ ولازمْ ناخدها عالطبيبْ أو نشتري لها دَوَا من الصيدلية؟.. ويكون في علمك يا آدمي يا محترم، إنه تنكة الزيتْ فضيتْ، والولادْ عم يدهنوا الخبزْ بالمَيّ لأنه ما في زيتْ، وكمانْ ما في عندنا رزّ، ولا برغلْ، ولا بندورة، ولا خيارْ، ولا فجلْ، ولا كَنْدُورْ..
قال أبو جهاد: ما شا الله على ذاكرتك يا أبو الجودْ. ما بتنقّصْ من البهدلة اللي بتاكلها كلمة واحدة، حافظها ع الغايبْ.
قال أبو الجود: أينا ذاكرة إنته التاني؟ أصلاً أنا ذاكرتي ضعيفة، ولما كنتْ في المدرسة ما تجاوزتْ الصفّ الرابعْ لأني كنت إحفظْ الدرسْ في البيت، ولبينما أوصلْ ع المدرسة بكونْ نسيتُه بالكاملْ. بدكمْ الصراحة يا شبابْ؟ الزلمة الطفرانْ بيحفظْ خطاباتْ البهدلة تبعْ زوجتُه متلْ لما كنا نحفظْ خطاباتْ أعضاءْ القيادتينْ القومية والقطرية والجبهة الوطنية التقدمية في المناسباتْ القومية، وبالأخص في ذكرى الحركة التصحيحية. (وضحك أبو الجود بطريقة تنطوي على زعرنة.. وأضاف)، كانوا الرفاق الخطباءْ يلبسوا بدلات رسمية، وكلّ واحدْ منهم بتلاقيه مْدَنْدِلْ كرافتُه لتحت زنارُه، وبينصَفُّوا وَرَا بعضهم البعضْ بالدورْ متلْ سياراتْ نقلْ الركابْ البيضا (السرافيس) اللي بتنقل الركابْ بين إدلب والمعرة، وبيستنوا عَرّيْفْ الحَفْلْ لحتى يصيحْ أسماءْهم بالتسلسلْ، متلْ لما كانْ الأستاذْ عبد الحميدْ يوزّعْ علينا الجلاءاتْ بآخر السنة، وبمجردْ ما يجي دورْ الواحدْ منهم ويوقف قدامْ الميكروفون بينترْ الورقة من جيبه وبيبلشْ يصيحْ بالمقلوب (أيها الإخوة المواطنون، أيها الرفاق، أيها الشجعان الأشاوس، نحتفل في هذا اليوم المجيد بمناسبة..). مع أنه ما في أي داعي الواحدْ يشيل ورقة. قسماً بالله أنا اللي تاركْ المدرسة من الصف الرابعْ، واللي ذاكرتي ما في أضعفْ منها، حفظتْ تلاتْ أرباعْ الخطاباتْ اللي بتنقالْ في المناسبات القومية، عَ الغايبْ.
قال أبو جهاد: معك حق. التكرارْ بيعلم الحمارْ!
قال أبو الجود: والله العظيمْ صحْ. أنا لولا التكرارْ كيفْ بدي إحفظْ هالحكي اللي تلاتْ ارباعُه بروليتاريّة وإمبرياليّة وديماغوجيّة وأحفاد خالد وأحفاد طارق وأحفاد صلاح الدين الأيوبي وما بعرف أحفاد مين كمان؟
قال كمال: إذا بتسمحوا لي بتعليق. برأيي إنه كل شي بيحفظُه الإنسان في حياته ممكنْ ينفعه في المستقبلْ، إلا الخطابات تبع الحركة التصحيحية، من دونْ يمينْ إذا بتنقعها وبتخلي الكلبْ يشربْ من المَيّْ تبعها بتصيرْ التعواية تَبَعُه سخيفة ومملة.
قال أبو زاهر: بصراحة؟ في تشابُه بين الخطاباتْ والتعواية!
قال أبو الجود: عم يقول الأستاذ كمال إنه اللي بيحفظ خطابات الحركة التصحيحية ما بيستفيد منها شي. طيب أيش رأيك إذا بقلك أنا استفدتْ منها؟!
امتلأت وجوهنا بالدهشة، وقلنا بصوت واحد: استفدت من الخطابات؟ شلون؟
قال: ضابط الأمن اللي حكيت لكم عنه من مدة، اللي كنتْ أنا إشتغلْ عنده بصفة سائق، بتتذكروه؟
قال أبو ابراهيم: كيف ما منتذكره؟ اللي كنت تسرقْ لُه من غَلّة السيارة.
قال أبو الجود: نعمْ. في مرة من كترْ ما سرقتْ انقهرْ، وعَصَّبْ، وما رضي يستدعيني لعندُه بشكل عادي.. بعتْ لي دورية اعتقلتْني وجابتْني لعنده متلْ المجرمينْ. لما دخلتْ لقيته قاعد ورا مكتبه وعم يكتبْ، متلْ حسني البوراظان لما يقول (إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا يجب أن نعرف ماذا في البرازيل).. كان بوقتها في احتفال بالحركة التصحيحية، وكانت الشغلة معصلجة معه.. ولما شافني وقف عن الكتابة وقال لي: جيت يا نصاب يا حرامي؟ والله لَسَوّدْ عيشتَكْ. قلت له: تسود عيشتي وأنا أبعث بتحياتي لقائد المسيرة بطل التشرينين تشرين التصحيح وتشرين التحرير؟.. وصرتْ قول الخطابات اللي حفظانْها متل كَرْجْ المي.. فاندهش وقال لي وَقّفْ ولاكْ وَقّفْ.. بشويش.. نقلني اللي قلتُه كلمة كلمة.. وصرتْ أنقله وهوي يكتب لحتى عَبَّا صفحتينْ أو تلاتة من هالعلاك المصدي اللي ما إله طعمة.. وبعدما خلص قال لي:
- اسماع ولاك حيوان، بشرفي العسكري لولا إنكْ حفظانْ هالحكي الكَيّسْ بحقّ السيد الرئيس كنت بدي إسلخ جلدك. يا الله انقلع من هون!