من وحي الألم السوري: النملة والبسطار

13 أكتوبر 2022
+ الخط -

هي: لو امتلكت مصباح علاء الدين، ولديك أمنية واحدة، فماذا ستكون؟.. ببراءة الطفولة أجاب: أن أمتلك القدرة على التحول إلى "نملة" كلما أردت.

سألته: لماذا؟.. أجاب: لكي أستطيع أن أتسلل من بين الشقوق، وأذهب إلى حيث أشاء، لأعرف ماذا يحدث خلف الأبواب المغلقة.

الآن بعد 30 عاماً، يتذكر هذا الحوار الطفولي، الذي دار بينه وبين صديقته. ماذا لو استطاع فعلاً أن يتحول إلى "نملة".. الآن؟ وقبل أن يسهب بالتفكير في الاحتمالات والأماكن التي يستطيع أن يذهب إليها، وماذا يستطيع أن يفعل!.. سمع صوت خطوات تتسارع على درج البناء. وبعدها بلحظات طرق عنيف على الباب، صرخ رجل من الخارج: "افتح مخابرات"!.

لم يلاحظوه طبعاً، فحجمه الصغير "الجديد" جعله غير مرئي بالنسبة لهم

في هذه اللحظة عرف أن مصيره أصبح في أحد الأقبية، يتعرض للتعذيب المستمر، وربما الموت، كما حدث مع معظم أصدقائه، بتهم مفبركة ومعدة مسبقاً، تبدأ بإيهان عزيمة الأمة، والتخابر مع دول أجنبية، ولا تنتهي بالتآمر على الوطن، وإثارة النعرات الطائفية، والمشاركة في المظاهرات الإرهابية.

أغلق عينيه بشدة، كما كان يفعل في طفولته، تذكر صديقته، وتمنى أن يتحول إلى "نملة"، عله يستطيع أن يهرب عبر شقوق الجدران من اعتقال يقود إلى الموت، هذه المرة تحقق حلم طفولته.. وتحول إلى "نملة".

وفيما كان عناصر المخابرات يكسرون الباب ويصرخون "أين أنت؟"، كان يدب فرحاً، معتقداً أنه استطاع الفرار منهم، توجه إلى أحد الشقوق، ولكن فرق السرعة بين حركة الإنسان وحركة الـ"نملة" لم يكن ضمن حساباته.

عندها أدرك أن الأمر ليس بالسهولة التي توقعها، حاول الهرب، أسرع، ناور، ولكن "بساطير" عناصر المخابرات لاحقته في أنحاء المنزل دون قصد!

لم يلاحظوه طبعاً، فحجمه الصغير "الجديد" جعله غير مرئي بالنسبة لهم، ولكن بنفس الوقت جعله بطيئاً مقارنة بسرعتهم.

أراد الوصول إلى أحد الشقوق، وربما إلى الباب أو الشباك، أو حتى لأحد الزوايا، ولكن "بسطار" من "بساطير" المخابرات أطبق عليه في إحدى الزوايا، حاول المناورة، ولكن ذلك "البسطار" تحرك بعفوية باتجاه ودهسه!

...

*البسطار: كلمة سورية تعني البوط العسكري

غيث حمور
غيث حمور
خريج كلية الإعلام. عمل في عدة وسائل إعلامية، منها صحيفة "الحياة"، وموقع "العرب اليوم" وصحيفة "القنديل".