من أين تبدأ صناعة المفكّر؟

07 نوفمبر 2022
+ الخط -

 

المتأمل والناظر في وطننا العربي والإسلامي، يجد أن المناخ والبيئة الموجودة سواء في المدارس أو الجامعات بعيدة كل البعد عن أن تُخرج مفكراً أو مبدعاَ يفيد بلده وأمته، نظراً لبعدها عن الواقع، كونها تُخرج طلابا يحفظوا أكثر مما يطبقون، فنجد التقليد والتكرار وعدم الإفادة أو الاستفادة من المخرجات التي تستطيع أن تنهض بأمتنا وبلادنا من كبوتها سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى السياسية، وهذا ما يريده أعداؤنا من خلال تدمير العقول المنتجة وتحويلها إلى عقول مستهلكة تردد ما يملى عليها.

إذا أردنا أن نشخص الإشكاليات التي تجعل المدارس والجامعات تتعثر في تخريج مفكرين ومبدعين في جميع المجالات، فإن الإشكالية الأولى ترجع إلى المنهج الذي يستقي منه الطلاب معارفهم ومعلوماتهم، حيث المنهج هو البوابة الأولى التي تصنع من الشخص مفكراً ومبدعاً نظراً لقوة المنهج وتلاؤمه مع الأمور الحياتية، فنجد الطفل يتعود على الحفظ والتلقين لا البحث والاستنتاج وإتقان المهارات اللازمة له في حياته، فيصير المنتج في النهاية طالبا لا يستطيع أن يواجه متطلبات الحياة ويعيش كما يعيش غيره في بحر هائج من المتلاطمات التي تأخذه من اليمين إلى اليسار لا هدف يرجوه ولا غاية يصل إليها.

المعلم هو القائد والمنير لكل دروب الحائرين، به يهتدى ويقتدى، به تستنير دروب الظالمين ويفتح على أيديه الله قلوب العباد والبلاد. المعلم يصنع أجيالاً ويهدم أجيالاً، يصنع أجيالاً بانتشالها من دروب التائهين في الحياة إلى الطريق الصحيح سواء في العلم أو الدين، ويهدم أجيالاً بجعلها تحفظ واقعه، لذلك المعلم هو الحجر الأساس لكل عملية تعليمية، إذا لم يأخذ حظه من التدريب واكتساب المهارات التي يستطيع من خلالها أن يغير واقع العملية التعليمية سواء في المدارس والجامعات فلن يحدث التقدم أو النهضة.

ثالث الإشكاليات في بلادنا العربية والإسلامية التي أخرت الأمة كثيرا عن دور التقدم والنهوض، وهي البيئة الموجودة سواء في الجامعات أو المدارس وإن كانت المدارس هي بالمقام الأول حيث منشأ الطالب، فينتهي من المرحلة الثانوية بدون إكسابه أي مهارات أو تنمية أي قدرات يستطيع بها أن يواكب التغيير في المرحلة الجامعية، فيتخبط الطالب من سنة إلى سنة بدون تغيير حقيقي في شخصيته أو تطور في كينونته، ويتخرج من الجامعة بدون أي معرفة أو مهارة.

المعلم هو الحجر الأساس لكل عملية تعليمية، إذا لم يأخذ حظه من التدريب واكتساب المهارات التي يستطيع من خلالها أن يغير واقع العملية التعليمية سواء في المدارس والجامعات فلن يحدث التقدم أو النهضة.

ديدن الأمم والدول المتقدمة التي عرفت من أين يأتي التقدم والنهضة وكيفية اعتلاء عروش القوة على مستوى العالم عن طريق العلم، أن تهتم بالعلم كمنهج متخصص يغير كل فترات زمنية قليلة بحيث يواكب العصر والزمن، لا أن يوضع منذ عشرات السنين كما في بلادنا ويظل بدون تغيير أو تبديل للأفضل، بل دائما التغيير للأسواء. كما اهتمت هذه الدول بالمعلم والمعلمين ليكونوا قادة المجتمع وسادته يقتدي بهم الجميع، ويكونوا منارة لكل شارد، فيهتم فيها بمراكز إعداد القادة، والبحث عن الكفاءات من الأستاذة الجامعيين ليخرجوا الجيل الذي سيقود منارة التغيير والتطوير والنهضة، على عكس بلادنا حيث يؤتى بالنماذج كما هي بدون عقول تطورها لتواكب واقع بلادنا فنخطئ في التطبيق ويظل الاسم كما هو شهادات تعطى بدون مهارات أو قدرات اكتسبها القائد أو المعلم ليغير واقع أمته وواقع بلاده.

أخيراً قد يكون التأخر والتخلف في مجتمعاتنا نتيجة البيئة السياسية الدكتاتورية التي جعلت من التعليم أداة ليضخ فيها التخلف والانحدار سواء العقلي أو الأخلاقي، ليظل المتحكم بأمره مستمراً في عرشه بدون معارضة، ويخرج شعب غير واع بأبسط حقوقه، فيستمر في التنكيل بالمعلمين والعلماء ويجعلهم في ذيل الأمم، يحاربون طواحين الهواء ليعيشوا حياة عادية. فانقلب الحال إلى غير حال وصارت الوظائف الخدمية أعلى شأنا وتأخرت الوظائف الأساسية، فساد الفساد وعم في البلاد الظلم والظلام، وصار العباد ينتقلون من تيه إلى تيه حتي يصيروا إلى الهاوية وحينها لا يعرفون كيف يخرجون ولا متى سيخرجون.

avata
avata
أحمد أمين

مفكّر ومؤرخ مصري

أحمد أمين