منحوس تحول إلى مصلح كهرباء

17 يوليو 2019
+ الخط -

حكيت لكم في تدوينة سابقة عن ابن بلدنا "أبو رامي" الذي وصل إلى مدينة الريحانية التركية متأخراً في سنة 2013، وعرفَ أننا نسهر في بيت واحد منا كل ليلة، فقرر أن ينضم إلينا.. أراد صديقنا الظريف "أبو الجود" أن يعطيه فكرة موجزة عن سهراتنا فقال: أول شي لازم يكون الأكل في السهرة متوفرْ، ونوعيتُه جيدة، ولا بأس إنه يقدم لنا صاحب البيتْ صينية كنافة بعد الأكل، أو ما يعادلها من قطايف وكرابيج وخلافُه.. والشاي ضرورية أكتر مما تتصورْ. وتاني شي أنا بحضر كل السهرات ومعفي من استضافتكم في بيتي. وتالت شي هون في بلاد اللجوء بتحسن تحكي بكل شي، بالسياسة وغير السياسة. ورابع شي إذا حكى أبو جهاد لا تشيلْ كلامُه من أرضُه، لأن أبو جهاد ما عنده هَمّ غير إنه يبهدلني، ويقلل قيمتي، وأشو ما أنا قلت بيحب هوي يقول للشباب إنه أبو الجود غلطان، أو عَلَّاك.

قال الأستاذ كمال: الحق عليك يا أبو الجودْ. إنته ذاكرتك غنية، ومليانة حكايات حلوة، وما بتقدم لنا إياها. 

 

قال أبو جهاد: الأستاذ كمال عم يحكي صح. أبو الجود في بعض الأحيان بيمضّي السهرة وهوي ساكت.. ومع أنه كذاب كبير، أوقات منحتاجُه بكذبة زغيرة، وما بيلَبّينا.

قال كمال: على ذكر الكذب، قريت في كتاب أبو حيان التوحيدي "الإمتاع والمؤانسة" حكاية عن رجلْ أحبْ إنه يْعَمّرْ حائطْ، فاستأجر معمارجي، والمعمارجي عَمَّرْ الحائط، ولما وصلوا لدفع الأجرة طلب المعمارجي أربعين دينار، مع أنُّه الاتفاق بيناتهم كان على عشرين دينار. ودَبّ بيناتهم الخلافْ، ولما صاحب الحائط احتج قال له المعمارجي: أنا مو من عامة الناس، أنا معمارجي ماهر، وعندي خبرة طويلة، صدقني عمرتْ لك حائط راح يبقى صامدْ في وجه الزمانْ مئة سنة! وقبل ما ينتهي من كلامُهْ وقع الحائط على الأرض، فضحك صاحب البيت وقال له: يا ريت الحائط صَمَدْ بس لوقتْ ما أدفع لك أجرتك!

قال أبو الجود: كان عندنا في البلدة واحد اسمه رشاد، وبعدما تزوج صار اسمه "أبو رشدي"، هوي شبيه بالمعمارجي اللي عم يحكي عليه الأستاذ كمال. 

سأله أبو محمد: كمان بيشتغل معمارجي؟

قال أبو الجود: هوي اشتغل بمهن كتيرة، ومنها مهنة المعمار. إذا بتحبوا بحكي لكم قصته من أولها.

قال أبو رامي: أكيد منحب. تفضل.

قال أبو الجود: لما كان السيد رشادْ أعزبْ كان ياخد خرجيتُه من والدتُه، ولما الناس يقولوا له "عيبْ عليك لازم إنته تشتغل وتصرف على والدتك" كان يرد عليهم: عن جد كلامكم صحيح، لاكن المشكلة إني ما بحب الشغل، ولا بحب الاستيقاظْ بكير.. وفوق كل هالكسل والتنبلة قرر رشاد يتزوج، والغريب في الأمر أنه كان عنا في البلدة أرملة جميلة رضيت تتزوجه، وبعد ما تزوجته بشهر قالت له: قومْ يا حبيبي رشاد، شهر العسل خلصْ، لازم بقى تطلع ع الشغل.

قال أبو إبراهيم: أكيد زوجته بتقصدْ شغل يدوي. حفر أساسات بيوت مثلاً، أو نقل بضاعة على الكتف، لأنه ما بيعرف أي مهنة.

قال أبو الجود: نحن فكرنا متل ما عَمْ يفكر أبو إبراهيم. بس هوي فاجأنا بأنُّه قَرَّرْ يشتغلْ في التمديدات الكهربائية، وطَبَعْ بطاقات دعائية كتب عليها (أبو رشدي للتمديدات الكهربائية).. وبالصدفة يا شباب كان الجرس تَبَعْ بيتي معطل. فقلت لحالي بستأجره وبعملْ لُه تنفيعة.، لأني أنا وهوي من نفس الفصيلة.

قال كمال ممازحاً: فصيلة الزواحف؟

قال أبو إبراهيم: فصيلة الأشنيات.   

وضحكنا كثيراً. ولكن أبو الجود لم يضحك، قال: لا والله يا شباب. نحن من فصيلة المناحيس اللي بيمسكوا الدهبْ بينقلبْ ترابْ. منشان هيك قلت لإبني محمود: ابعت لي "أبو رشدي" خليه يصلحْ لنا جرس الباب. وبلا طول سيرة أجا أبو رشدي وصلح الجرس، وأخد إجرته وراح. وبعدما راح أنا تندمت.

سأله أبو محمد: تندمت لأنك استأجرته؟

قال: لا. تندمت لأني عطيته الأجرة قبلما إتأكد إنه التصليح حصل بصورة صحيحة.

قال كمال: إذا ممكن تحكي لنا أيش اللي صار بالضبط؟

قال أبو الجود: صارْ، لما يجينا ضيف، بيضغطْ على زر الجرس الخارجي، وما بيسمع صوت الرنين، فبيعتقد أنه نحنا مو موجودين في البيت. بيرن مرة ومرتين وتلاتة، وما حدا بيفتح، وبوقتها بيتأكد إنه ما في حدا في البيت. والحقيقة إنه الجرس كان يرن بعد شي نص ساعة من وضع الإصبع على الزر، بشكل متواصل حتى إنه أنا ومرتي والولاد كنا نعتقد إنه في شي خطير، ونركض للباب ونفتح وما نلاقي حدا. وكنا ننزعج من استمرار الرنين ونحاول نوقفه، وكتير من الأحيان كنا نقطع الكهربا عن البيت بشكل كامل، ومع هيك يبقى الجرس عم يرن! 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...