ملف "المرأة والعنف": لا نريد وروداً.. بل حقوقاً (11)

11 مارس 2023
+ الخط -

تحوّل اليوم العالمي لحقوق المرأة في بعض المجتمعات العربية، وضمنها المغرب، إلى مناسبة تجارية تنتعش فيها مبيعات الورود والشكولاتة، كما هو سائد في الغرب، لكن، هل إسقاط هذه العادة على دول العالم العربي يستقيم وواقع المرأة فيها؟ هذا هو السؤال المطروح.

إنّ يوماً من التهاني والاحتفاء بالمرأة لن يكفي حتماً لمحو 364 يوماً من العنف. نعم هو كذلك، ففي كلّ 11 دقيقة تقتل امرأة أو فتاة على يد أحد أفراد أسرتها في العالم، حسب تصريحات المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة غادة فتحي والي، فيما قد يكون الرقم أكبر، إذا أخذنا بالاعتبار العنف الممارس على النساء من طرف الغرباء والشركاء السابقين.

وتتعدّد أشكال العنف الممارس ضد النساء في العالم العربي بين العنف الجسدي والجنسي والنفسي والاقتصادي والقانوني أحياناً، حيث تدرج القوانين والدساتير التي تنطوي على ممارسات تمييزية ضد النساء ضمن هذا النوع من العنف، إضافة إلى العنف الرقمي الذي تفشّى خلال السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق، مع ما ينطوي عليه من تشهير وابتزاز وتحرّش وإساءة وانتهاك لحقوق الضحايا في الفضاء الرقمي.

وأمام هذا الوضع، لا يَسعُنا أن نحتفل والآلاف ممن يقرأن هذه السطور "قد" تجدهن حاملات لقصص عنف تختلف في زمانها ومكانها، لكنها متشابهة إلى حدّ كبير في تفاصيلها، بينما هناك أخريات يفضلن الكتمان والاختباء خلف جدران الصمت القاهر خوفاً من "الفضيحة".

لا يَسعُنا أن نسعَد وهناك معنَّفات تكالَبَت عليهن الظروف وانعدام القوانين الرادعة، لا يَسعُنا أن نفرح ومنّا المضطهدات اللواتي لا يملكن أجسادهن، لا يَسعُنا أن نقبل الورود والهدايا وفينا مسلوبات الرأي والتفكير، لا يسعنا أن نُخلِّد يوماً كهذا، ونحن اللواتي لم نكسب بعد معركة الحقوق المشروعة.

إذا تأملت في مغرب الـ2022 تطالعك صورة الطفلة "مريم"، ذات الـ14 ربيعاً، والتي توفيت إثر خضوعها لعملية إجهاض سرّي بسبب حملها الناجم عن اغتصاب وحشي، كما تطالعك قصص فتيات يعانين من الهدر المدرسي في القرى وهوامش المدن، وأخريات يتم تزويجهن دون السن القانونية بسبب الفقر وانعدام الوعي والهشاشة.

لا يسعنا أن نُخلِّد يوماً مثل يوم المرأة العالمي، ونحن اللواتي لم نكسب بعد معركة الحقوق المشروعة

أما إذا نظرت إلى تونس، فتجد أن أكثر من 3 آلاف تونسية على الأقل تعرضن للعنف منذ بداية سنة 2022، حسب ما جاء في التقرير الوطني حول مقاومة العنف ضد النساء، والذي أفاد بأنّ 70% من هؤلاء تعرّضن لاعتداءات جسدية أو معنوية أو اقتصادية من طرف أزواجهن.

أما في مصر، فقد كانت تكلفة الـ"لا" دامية، حيث قُتِلت نيرة أشرف وسلمى بهجت بشكل انتقامي من طرف "عشاق مرفوضين"، والأمر ذاته بالنسبة للأردنية إيمان أرشيد، التي توفيت متأثرة بإصابتها بخمس رصاصات وسط الحرم الجامعي، على يد شاب تلقت منه تهديدات سابقة بالقتل، وذلك كلّه في سنة واحدة.

ولا يختلف الأمر كثيراً في الجزائر، فقد تعرضت معلمة اللغة الفرنسية ريما عنان للحرق على يد جارها في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، فيما أطلقت حقوقيات صرخة "لا لقتل النساء" بعد مقتل تسع ضحايا في غضون أقل من ثلاثة أشهر.

أما في مجتمعات أخرى، فإنّ التحرّر من العنف يكاد يكون شبه مستحيل، وذلك بفعل الوصاية الممارسة على أجساد النساء وحياتهن ومستقبلهن وتعليمهن، وَوَئْد كلّ فرصة لتحرّرهن أو انعتاقهن.

إنّ التأمل في مجمل هذه الوقائع، يجعلنا نتساءل: لماذا نخلّد اليوم العالمي لحقوق المرأة في حين أنّ هذه الحقوق لا تزال تنتهك في الكثير من البلدان؟ ثم أليس في هذا الأمر خذلان للكثير من الضحايا اللواتي لم تقدّم لهن القوانين الحماية الكافية؟ ألم يُنهِ العنف حق "نيرة" و"إيمان" في الحياة؟ ألم تشوّه النيران مستقبل "ريما" كما شوّهت جسدها؟ ألم ينتهك تجريم الإجهاض في المغرب حق "مريم" في الخضوع لعملية "آمنة" تمكنها من مواصلة حياتها بأخف الأضرار التي لحقتها جراء الاغتصاب؟

إنّ مجرد التفكير في هذه الأسئلة يجعلنا نجزم بأنّ النساء في المجتمعات العربية لسن بحاجة إلى زهور أو ورود بلاستيكية في اليوم العالمي لحقوق المرأة، ولا هنّ في حاجة إلى تهنئات أو ملصقات "فيسبوكية"، بل هنّ أحوج ما يكون إلى من يعي حقوقهن الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومن يدعم مسيرتهن النضالية، ومن يؤمن بأن إنصافهن لن يجلب العار للبشرية!

سكينة نايت الرايس
سكينة نايت الرايس
صحفية مغربية، مهتمة بقضايا المرأة والهجرة وحقوق الإنسان. حاصلة على الماجستير في الصحافة والإعلام، وراكمت تجارب مهنية متنوعة بين الراديو والتلفزيون والصحافة الإلكترونية، عبر منابر إعلامية تنتمي للقطاعين الحكومي وغير الحكومي في المغرب. تعرّف عن نفسها بمقولة جلال الدين الرومي : "لا تحزن.. فأي شيء تفقده ستجده في هيئة أخرى".

مدونات أخرى