ملف| غزّة لحظة عالمية كاشفة
إن تشابهت الحروب كلّها فيما تتركه من دمار وضحايا، فإنّها لا تتشابه في نتائجها وما تتركه في أحشاء التاريخ من آثار ودروس. ثمّة حروب لا ترقد في ذاكرة الأخير إلا كحدث "عادي"، وثمّة حروب تبقى الحدث (ألف ولام التعريف)، حتى بعد انقضاء قرون طويلة عليها. وإلى هذا النوع الأخير من الأحداث/ الحروب، نتوقع أن تحتل الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة، موقعها كحدث مؤسس في التاريخ كما في الحاضر الآن، حدث سيكون ما بعده غير ما قبله، ما يطرح علينا تحديات عملية وفكرية كثيرة، يتجلّى بعضها في محاولة فهم مآلات المستقبل، بنفس القدر الذي يطرحه علينا فهمه حاضراً، سواء في تشابكاته فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، أم في تشابكاته السياسية، أم في تداخلاته مع المحاولات الراهنة لخلق نظام عالمي جديد، أو بما يطرحه من أسئلة كثيفة تُسائل القيم والمنظومات الفكرية العالمية التي باتت موضع تشكيك أكثر من أي وقت مضى، وعلى رأس ذلك الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان والغرب كمفهوم، وحق تقرير المصير...
وعليه، واستناداً لما تفرضه علينا اللحظة الحالية بكلّ ثقلها، نطرح في ملفنا الجديد في مدونات "العربي الجديد"، عدداً من الأسئلة والمحاور التي تحاول تلمّس وفهم أبعاد هذا الحدث الكوني، وندعوكم للمشاركة في محاوره من دون الاكتفاء بها، إذ يمكن لأي أحد أن يضيف أي محور غاب عن أذهاننا لطرحه للنقاش، لأنه يستحيل على أحد الإحاطة بكلّ شيء، وهذا من طبيعة هذا النوع من الحروب والأحداث بطبيعة الحال.
(1): بماذا تختلف الحرب على قطاع غزّة اليوم، عن كافة الحروب السابقة التي خاضها الاحتلال الإسرائيلي ضد القطاع وأهله؟ ولماذا تحظى هذه الحرب باهتمام لافت، سواء على المستوى السياسي أو الفكري أو الشعبي، محلياً وعالمياً؟ هل يكمن الأمر في طبيعة القضية الفلسطينية العصية على الاختزال والمحو؟ أم بسبب الإبادة الجماعية التي تجري ضد الفلسطينيين؟ أم في مسلسل التهجير العلني والنكبة الثانية، وهذا كله يحدث على الهواء مباشرة؟ أم في تواطؤ القوى العالمية وانكشافها؟
(2): كيف تؤثر وستؤثر هذه الحرب على القوى الفلسطينية داخلا، سواء تلك التي لم تزل تقاوم بالبندقية أو تلك التي اختارت المقاومة السلمية أو تلك التي استسلمت للاحتلال وإرادته؟
(3): ثمّة حديث مكثّف عربياً حول طبيعة ونوعية المقاومة، لم يخل من إدانة لحركة حماس بسبب قيامها بعملية طوفان الأقصى. بعض هذا النقد موجّه للمقاومة المسلحة عموماً، وبعضه موجّه لما قامت به حركة حماس من اختطاف "للمدنيين الإسرائيليين"، وبعضه موجّه لبنية حركة حماس كتنظيم إسلامي مسلّح يرفع لواء مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ناهيك عن تحالفها مع دولة ثيوقراطية (إيران)، ما يطرح أسئلة كثيرة عن أي مقاومة نريد؟ المسلحة أم السلمية؟ وهل يسمح واقع الاحتلال الصهيوني وطبيعته بحرية الاختيار أساساً؟ وما هي الحدود التي على المقاومة المسلحة الالتزام بها؟ وهل ينطبق وصف المدنيين على من اختطفتهم حركة حماس مما يعرف بغلاف مستوطنات قطاع غزة، وهي المستوطنات التي بنيت على أرض فلسطينية وبشكل غير شرعي أساساً؟ وهل تؤثر إسلامية/ دينية المقاومة وارتباطاتها الإقليمية على شرعيتها وحقها في المقاومة وإلى أي حد؟
(4): ماذا عن المستقبل؟ أي حل يمكن أن يسود ليحل السلام؟ هل "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر" ما زال واقعياً ومشروعاً؟ هل ما زال لحل الدولتين أيّة إمكانية للتحقّق؟ أم أن الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، دولة ثنائية القومية كما يطرح بعضهم، هي الحل الوحيد، بعد إزالة الطابع العنصري الاستيطاني عن دولة الاحتلال لتصبح دولة لجميع مواطنيها، فلسطينيين وإسرائيليين، مسيحيين ويهوداً ومسلمين و..
(5): في الوقت الذي يسجل فيه الفلسطينيون أسمى آيات النضال والمقاومة والتشبّث بالأرض ما أمكن لهم، يبدو النظام العربي الرسمي، حتى ممن يؤيد المقاومة، متهالكاً وشائخاً وعاجزاً عن القيام بشيء يذكر، كما تبدو الشعوب العربية مغلولة اليد وضعيفة التأثير، ما يطرح أسئلة كثيرة عن مستقبل النظام العربي، بل وبنية هذا النظام، هل هو نظام مستقل حقاً؟ أم أنه مجرّد تابع وحارس لمصالح القوى الغربية الحاملة لواء شيطنة المقاومة واتهامها بالإرهاب؟ وكيف يمكن تفعيل رأي الشعوب وهي المقيّدة باستبداد مدعوم من تلك القوى الغربية أيضاً؟ بما يحيلنا إلى محاولة قراءة أو إيجاد أية صلة بين فشل الربيع العربي وما يحدث في فلسطين وقطاع غزة اليوم؟
(6): على المستوى العالمي، ثمّة لحظة مشرقة، تتجلّى بتوّسع التضامن مع القضية الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى، وهو ما تجلّى في المظاهرات والفعاليات التي شهدتها مدن وعواصم غربية كثيرة، ما يطرح أسئلة كثيرة عن إمكانية استثمار هذه اللحظة وتوسيعها لتغيير السياسات الغربية في ما يخص فلسطين، فضلاً عن فهم أسباب هذا التضامن وتوسّعه، والذي كسر السردية الإسرائيلية/ الغربية حول فلسطين لصالح سردية جديدة باتت تطرح نفسها عالمياً.
(7): تشكّل معاداة السامية واستغلال المحرقة النازية ضدّ اليهود في القرن الماضي، ورقة يرفعها الغرب والقوى الداعمة لإسرائيل بوجه المتضامنين مع القضية الفلسطينية. كيف يمكن نزع هذه الورقة؟ وهل هي مسألة غربية خالصة باعتبار أنّ الغرب هو مرتكب المحرقة أم أنّ لها آثاراً في ثقافتنا ومخيالنا؟ وهل هناك تفريق عربياً وإسلامياً بين اليهود كأصحاب ديانة توحيدية لهم منا كل الحق بالاحترام والقبول والوجود وبين الصهيونية الإسرائيلية التي تستغل اليهود لمصلحتها؟ وماذا عن اليهود الذين نأوا بأنفسهم عن الصهيونية ودولة إسرائيل؟ هل يمكن إيجاد آليات للتضامن والتشبيك معهم؟
(8): يُذكّر تهاطل الدعم الغربي على إسرائيل وتحرّك حاملات الطائرات وفتح مستودعات الأسلحة لها... بمشهد استعماري قديم، يعيد طرح السؤال المطروح سابقاً بصيغ شتى: هل إسرائيل صناعة غربية لتحقيق مصالح غربية صافية، وبالتالي فإن الحفاظ عليها مصلحة غربية، بما يعني أن اليهود يعاد استغلالهم اليوم مرّة أخرى من قبل الغرب في معركة المصالح هذه؟ أم أنّ إسرائيل "دولة" عرفت كيف تقيم وتنسج سياسة خارجية ناجحة لدفع الغرب نحو تأييدها والاستثمار فيها؟
(9): بين مواقف بعض الغرب من الحرب الروسية على أوكرانيا ومواقفه من الحرب ضد غزّة، بدت الازدواجية واضحة بين دعم حق أوكرانيا بالمقاومة ورفضها في الحالة الفلسطينية، ناهيك عن ازدواجية تطبيق حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو ما تجلّى في تقييد حق التظاهر لدعم الفلسطينيين في بعض الدول، الأمر الذي يطرح سؤالا يتعلّق بكون الديمقراطية وحقوق الإنسان مجرّد إيديولوجية يستخدمها الغرب وفق مصالحه، بما يطرح سؤالا آخر يتعلق بأثر ذلك على مفهومي حقوق الإنسان والديمقراطية عالميا، ومن وجهة نظر الجنوب العالمي؟
(10): أمام هول المأساة الفلسطينية، والصور القادمة عن غزة والتي نعجز عن النظر إليها في كثير من الأحيان، ثمّة حكايات ألم كثيرة كما حكايات صمود كثيرة، وثمّة من فقد أهله وأحباءه وكامل أفراد عائلته، وثمّة من لا يعرف إن كان أحباؤه على قيد الحياة أم لا. وكون الشهادة اليومية تغدو أحد أفضل السبل، ليس لتفريغ شحنة الألم والعجز التي نشعر بها جميعاً، بل لكونها وسيلة ضد المحتل أيضا كي نكتب سرديتنا التي يسعى الاحتلال إلى طمسها، فإنّ هذا الملف يشجع وبقوة على أن يكتب الفلسطينيون، سواء في الداخل أو الخارج، والعرب أيضاً، تجاربهم عمّا عايشوه خلال هذه الحرب التي لم تنته فصولها بعد.
شروط المشاركة في ملفات مدوّنات "العربي الجديد":
- أن يكون النص مراعياً لتقاليد الكتابة وصالحاً للنشر لغوياً ونحوياً، وسلاسة أفكاره، وأن يكون مخصّصاً لـ"العربي الجديد" وغير منشور أو مرسل لجهات أخرى بالوقت ذاته، وأن يتراوح بين 500 و800 كلمة.
- أن يتمحور حول واحدة من الأفكار المطروحة في الملف أو أكثر.
- يوضع النص ضمن ملف وورد ويرسل إلى العنوان التالي، على أن يكون بجانبه اسم الكاتب، ويعنون الملف من الخارج باسم ملف المدوّنات، وبعدها عنوان النص، وأن يرسل مع النصّ وبشكل مستقل صورة للكاتب، وتعريف عنه، مع روابط حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، لإنشاء مدونة له على صفحات "العربي الجديد" إن كان يراسل الصحيفة لأوّل مرة.
- النصوص المنشورة ملك للصحيفة، ويحق للكتّاب بعد نشرها على صفحات "العربي الجديد" نشرها في أماكن أخرى، بشرط الإشارة إلى مصدر نشرها الأول، أي "العربي الجديد".
- مراعاة شروط التدوين في "العربي الجديد" (انقر هنا للاطلاع).