ملف| التحركات العالمية المؤيدة لفلسطين.. أهميتها وكيفية تعزيزها (9)
عديد نصّار
تتجدّد التظاهرات والتحرّكات الشعبية العارمة المتضامنة مع فلسطين والشعب الفلسطيني في قطاع غزّة خصوصاً، في مختلف بلاد العالم، من اليابان الى كوريا الجنوبية إلى أوروبا وبريطانيا والأميركيتين، معبرةً عن رفض شعوب العالم للحرب الإبادية التي يشنّها جيش الاحتلال الصهيوني على قطاع غزّة المحاصر والمحروم من أبسط وسائل الحياة، بما اشتملت عليه من مجازر بحق المدنيين وتدمير للمنازل والمؤسسات، بما فيها الاستشفائية والمدارس ومراكز الإيواء والمراكز التابعة للمنظمات الدولية، ورافعة هتافات الإدانة لداعمي هذه الحرب ومن يقدّم الغطاء السياسي والإعلامي لها.
وإذ شهدنا بكلّ وضوح الاندفاعة غير المسبوقة لقوى النظام العالمي في التسابق لإبداء كلّ أشكال الدعم لدولة الاحتلال وجيشها في حرب الإبادة هذه على قطاع غزّة، إن في تأمين الدعم العسكري أو المادي أو السياسي والاعلامي، على وقع وقاحة التصريحات التي يُدلي بها كبار مسؤولي حكومة الاحتلال، بما يؤكد على طبيعة حربهم هذه وأهدافها الحقيقية في التخلّص من الشعب الفلسطيني في غزّة بالترحيل القسري أو بالإبادة الجماعية، والتي تؤكدها الوقائع الملموسة كلّ يوم، بل كلّ ساعة، ما يؤكد أنّ للنظام العالمي هذا مصلحة أكيدة في استمرار وتعزيز الاحتلال الصهيوني لفلسطين مهما بالغ في خرق القوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية والإنسانية وتجاوزها.
ومع التزام باقي أطراف النظام العالمي من حكومات ودول إقليمية الصمت في أحسن الأحوال حيال ما يجري، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على المقتلة الكبرى في غزّة لم تتخذ الدول العربية والإسلامية التي عقدت قمتها في الرياض بعد أسبوعين على بدء الحرب، أي إجراء عملي قُدّم لأهل القطاع حبّة دواء أو قنينة ماء، فإنّ المظاهرات والحراكات الشعبية، خصوصِا في الدول المؤثرة الداعمة لدولة الاحتلال، والرافضة تماما لهذا الدعم تصبح ذات أهمية بالغة، وإن اقتصرت مفاعيلها حتى الآن على إرغام بعض الدول الأوروبية على تعديل خطابها بعد أن فرضت عليها رفع الحظر عن مثل هذه المظاهرات، لكنها أيضًا فرضت تعديلات وزارية في بريطانيا، وربّما يحصل ذلك قريبا في فرنسا.
ليس للشعوب سوى أن تتضامن وتوّحد شبكات نضالها ومواجهتها لقوى النظام العالمي الداعم لإسرائيل
ما أودّ قوله هنا هو أنّه ليس علينا، نحن الفلسطينيين والعرب، الاكتفاء بمشاهدة صور المجازر والدمار، ومن ثم البكاء والندب، أو بنشر الشعارات والأدعية على صفحات التواصل الاجتماعي، بل علينا أن نعيَ أنّ قوى النظام العالمي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية التي قال رئيسها جو بايدن في اليوم الأول لهذه الحرب المسعورة: "لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعناها"، لا تتوانى في التعبير عن عمق المصالح بين الكيان الصهيوني والإمبرياليات العالمية. وأنّه ليس للشعوب سوى أن تتضامن وتوّحد شبكات نضالها ومواجهتها لقوى هذا النظام، وبالتالي لا بدّ أن نلاقي تلك المظاهرات الشعبية العارمة التي تغرق شوارع المدن في أوروبا وأميركا بشعارات وبرامج تتيح التواصل والتفاعل وتعزيز هذه التحرّكات وتدفعها للاستمرار ولمزيد من التنظيم والوعي، وبالتالي لمزيد من التأثير. ولنبحث في القضايا الإنسانية المشتركة بين شعوبنا بعيدًا عن الشعارات والتوّجهات الهوياتية الطائفية والإثنية والعرقية المنفرة، والتي لا تصب إلا في مصلحة القوى المعادية للشعوب، وعلى رأسها الاحتلال الصهيوني. فكيف يمكن مثلًا أن نرفع من مستوى التضامن مع الشعب الفلسطيني لدى يهود العالم، إن واجهناهم بهتاف "الموت لليهود"؟! وكيف نضمن استمرار التضامن الشعبي في الغرب إذا استخدمنا يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي شعارات معادية للغرب "الكافر"؟ هكذا بالاجمال... وقس على ذلك من تعابير مؤذية تزخر بها المنشورات والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.
لا شك أنّ تنظيم وتوجيه مثل هذا العمل ينبغي أن يكون مُناطًا بجهات سياسية أو على الأقل إعلامية وثقافية منظمة قادرة على التأثير بالتوّجهات الشعبية المحلية على المستوى العربي وقادرة على التواصل والتفاعل بشكل مثمر مع الناشطين والمناضلين الذين يطلقون كلّ هذه التحركات الرائعة في بلاد العالم.
ومهما كانت نتائج الحرب الصهيونية الإبادية على قطاع غزّة قاسية، ستبقى فلسطين وشعبها وغزّة في وجدان كلّ الشعوب التي سيظل يحدوها النضال من أجل الحرية والسلام لجميع البشر، بدءًا من فلسطين.