مع فلسطين... ومع مقاومتها أيضًا

31 اغسطس 2024
+ الخط -

ليس هناك شيء اسمه أن نكونَ مع فلسطين بدون أن نكون مع مقاومتها. ولا معنى أصلاً لهذه الكينونة، فأن تكون "مع"؛ فهذا يعني بالضرورة أنّك "ضد"، وهنا يُطرح السؤال: أنتَ مع من، وضدّ من؟

في الحالةِ الفلسطينيّة؛ نحن مع فلسطين ومع الفلسطينيين، نحن معها ومعهم ضدّ الإرهاب، وضدّ القتل، وضدّ التجويع، والترويع، والتهجير، ضدّ الهدم، وضدّ الحصار، ضدّ الأسر، ضدّ مصادرة الأراضي والممتلكات وتدميرها، ضدّ الاعتداء على المقدّسات وعلى الأطفال والنساء والشيوخ... وكلّ هذه الأشياء التي نتخذ موقف التضاد منها؛ هل حدثت من دون فاعل؟ هل جاءت هكذا من تلقاء نفسها؟

الفاعلُ معلومٌ ومعروف، وهذا يعني بالضرورة أيضاً؛ أنّ الوقوف ضدّ فعلٍ همجيٍ، وحشيٍ، فاشيٍ، ساديٍ، يعني الوقوف ضدّ فاعله المعروف مسبقاً، ويعني ضرورة مقاومته وردعه. والمقاومة لغةً، ليست عبارة منفردة لا ترتبط بغيرها من العبارات، وإنّما ترتبطُ حكماً، بفعل التعدّي أو الاعتداء أو الضغط أو التجاوز أو الجور، وكذلك عبارة الردع، وهذه هي الحالُ في الواقعِ كما هي في اللغة، فلولا الاعتداء الذي جسّده الاحتلال، ما كان الردع ولا كانت المقاومة، فإذا كانت المقاومة فعلاً طبيعياً يجسّد ردّ فعلٍ لدفع التعدّي والظلم، فبأيّ وجهٍ يستقيم الوقوف مع المظلوم بدون الوقوف مع من يدفع عنه الظلم؟

وأن نتساءل بهذا الاستهجان؛ لا يعني أنّ الإجابة النموذجيّة ليست حاضرة. على العكس، الإجابة لا تكمن في تلك الحلول التي ردّدناها طيلة 76 عاماً، أي السلام وعدم اللجوء للعنف، الجهود الدبلوماسيّة، حل الدولتين، التمثيل الشرعي المزعوم للفلسطينيين... ماذا لو كان الطرف المقابل المحتل المعتدي يرفضُ بإجماعِ مكوّناته كلّ الجهود وكلّ الحلول؟ ماذا لو قرّر، وأقرّ إلزاميّة وواجب إفناء الشعب الرازحِ تحت الاحتلال بكلّ من فيه حتى أولئك الذين ينسّقون معه ويرفضون النهجَ المقاوم على قِلَّتهم؟

لولا الاعتداء الذي جسّده الاحتلال، ما كان الردع ولا كانت المقاومة

ماذا لو أنَّ الاحتلال يرفض الطرف الهامشي في المعادلة الفلسطينيّة، الذي ينصّب نفسه ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، يغضّ الطرف عن مظلماتِ شعبه، ويفكّك جهود شعبه وحلمه بالتحرير ويشارك بحصاره، وينسق مع العدو على طبقٍ من ذهب، يقدّم التنازلات تلو التنازلات تحقيقاً لأساطير العدو وأحلامه وأطماعه، وجُلّ ما يطرحه هو ما أسماه: المقاومة السلمية (الناعمة) التي تتلخصُ بكوفيّةٍ تلعنُ معتمريها، وهزّةِ كتف، ورصاصِ الأعراس وعبارةٍ بذيئة! أهكذا يُرفع الظُلم؟ أهكذا يُنصَفُ الفلسطينيون وتُنصفُ فلسطين؟

القضيّة الفلسطينية بالنسبة للفلسطينيين تعني مقاومة المحتل، ولن تقف بصفِّ الفلسطينيين، ولن تناصر مطالبهم العادلة، ما دُمتَ ترفضُ المقاومة، ولا تعترف بها، وتحاربها ما استطعت.

أن تكون مع فلسطين لا يعني أن تجتّر البكائيات على أوجاعها، ولا أن تستدعي الحلول التي وُئِدت قبل أن تولَد، ولا أن تُفصِّل للفلسطينيين واقعاً، هم أنفسهم يرفضونه ويقاومونه، ولا أن تتجاهل حقّهم في الدفاع عن أنفسهم، وحقّهم في الوجود والبقاء، ولا تمييع ولا تخوين جهودهم في مقاومةِ من يرى في وجودهم فناءً له.

أن تكون مع فلسطين يعني أن تكون مع مقاومتها، ونقطة على أوّل السطر.

محامية وكاتبة وناشطة سياسية ومدربة
مرام إبراهيم النابلسي
محامية وكاتبة وناشطة سياسية ومدرّبة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الحقوق ودرجة الماجستير في العلوم السياسية، ترأست عددًا من اللجان القانونية في عدّة مؤسّسات تُعنى بالشأن الفلسطيني، وعضو مؤسّس وعامل في أكثر من مؤسّسة وتحالف وطني.