محاورة: الهويّة في الاختلاف أم الاختلاف في الهوية؟
(هذا النص هو الرابع والأخير من أربعة نصوص، تشكّل بمجموعها محاورة بين الكاتب والباحث ماهر مسعود والكاتب والمترجم شريف مبروكي، وتتمحور حول مسألة الهوية وإشكالاتها في العالم المعاصر. يمكن قراءة النص الأول على هذا الرابط، والثاني على هذا الرابط والثالث على هذا الرابط).
يحمل موضوع الهوية شجوناً خاصة وكبيرة هي شجون العصر نفسه، وذلك في جميع الثقافات، وإن كان في ثقافتنا يأخذ طابعاً حاداً ومضنياً بسبب الوضع الذي نعيشه والمرحلة التاريخية التي نمرُّ بها، فقد يغامر المرء بوصف هذا العصر "بعصر انفجار الهويات" وانفجار جميع المعاني والدلالات المرتبطة به، وفي هذا التشظّي والتنوّع الذي يثيره هذا الموضوع تتخالف المقاربات وتتعدّد أشكال الاجتهاد وطرائقه وأغراضه وتتداخل الحقول المعرفية، كلّ منها يدلي بدلوه ومن زاوية النظر المناسبة له، وبالعدّة المنهجية التي يستند إليها، وبالمفردات اللغوية والاصطلاحية التي يتوّفر عليها، علاوةً على الأسلوب الشخصي لكلِّ باحث، وهذا مسعى يغني البحث ولا يختزله في تعريف واحد هو أنّ "الهوية اختلاف"، فهذا التعريف هو من باب تحصيل الحاصل ولا يضيف شيئاً لمفهوم الهوية ولا يغني دلالتها، فهذا التعريف هو نفسه قد ورد لدى أرسطو الذي يمكن تلخيص تعريفه لمبدأ الهوية في أنّ "أ ليست ب"، وهي بذلك تقيم في اختلاف جوهري عن كلّ ما عداها، أو بحسب التعريف الديالكتيكي الهيغلي أنّ "أ ليست هي لا أ"، وكلّ ما فعله المتأخرون من حداثيين وما بعد حداثيين هو التنويع على هاتين الصيغتين بطرق مختلفة بحسب الرؤية وبحسب السياق وبحسب الغرض. ويمكن القول، بالإجمال، أنّ جميع هذه المقاربات لا تنفي بعضها بعضاً بل تثريه، تلقّحه وتخصبه بشيء من خارجه وتجعله يدرك نقص مقاربته، الناقصة ضرورةً إن ابتغت السداد المعرفي والرؤية الموضوعية، وهذا هو معنى الكثرة، أو "الجذمور" الذي يؤسّس المفاهيم في تعدّد أصولها ومنابتها.
وبمكنتي القول إنّني استفدتُ شخصياً من النقاش مع الأستاذ ماهر مسعود حول مفهوم الهوية وسوف آخذ بالكثير من النقاط التي أوردها وأحوّر من رؤيتي ومن طريقتي في تناول الموضوع، سيما أنّني اكتفيتُ في مقاربتي بالجانب النظري التجريدي وحده دون تشابك مع تعينات الهوية في الواقع، وذلك، مرمى آخر نسعى إليه، ولكنّه قد يتطلب أكثر من مقال، وهذا المدخل النظري ارتأيتُ أنّه أمرٌ لازب في البدء لتبيّن نجاعة المفهوم نظرياً إن هو رام تطبيقه على الواقع العياني. وكان يحدوني في ذلك أن ننتقل لاحقاً بالنقاش، إن أمكن الأمر، إلى إشكالية الهوية في الممارسات السوسيولوجية والسوسيوثقافية والسياسية والأنثروبولوجية والتحليلنفسية، سيما أنّ مقاربات هذه الممارسات أصبح لديها مدوّنة ضخمة وغنية تتجاوز المقاربة الفلسفية وإن كانت تستند إلى بعض معطياتها. فمن الناحية المفاهيمية الصرفة، يُستخدم مصطلح الهوية على نطاق واسع ولكن نادراً ما يتم تعريفه بدقّة وفق حدّ صارم ومتناهٍ. فهو مفهوم شامل ذو حدود غامضة، "فالهوية هي نوع من المنزل الافتراضي الذي من الضروري بالنسبة لنا أن نرجع إليه لشرح عدد معين من الأشياء، ولكن دون أن يكون له وجود حقيقي على الإطلاق"، كما يشير كلود ليفي شتراوس في ختام الندوة التي أجراها حول هذا الموضوع في محاضرة شهيرة في الكوليج دو فرانس (1979). فتصوّر الهوية يقع عند مفترق طرق واختصاصات وتداخلات فرعية عدّة.
تشير الهوية إلى الشعور بالوجود، وبالوحدة والتماسك لدى الشخص، وإلى ما يعرّفه على أنه كائن فريد، ومحدَّد، ومتميز، وفي النهاية إلى كائن خاص
ولكن، في الواقع، وبرغم التفكيك المفاهيمي الذي تعرّض له مفهوم الهوية، يحاول كلّ فرد، مهما كانت مشاربه وأصوله، تعريف نفسه على أنّه ذاتٌ محدّدة بناءً على عناصر ثابتة وأخرى متباينة، عناصر للذات نفسها، وعناصر للغير، أو كما يؤكّد كلود دوبار في كتابه "أزمة الهويات" (الترجمة العربية، 2008) بـ"الهويات للغير والهويات للذات"، فالذات تقوم دائماً على أنماط من المفاضلات والتعميمات، فهي "مماثلة الآخر ومماثلة مع الآخر"، فالأمر يتعلّق دوماً بسياق التعريف الذي تندرج فيه. فمن ناحية، ثمّة رغبات وتوّقعات وإسقاطات وانتظارات، ومن ناحية أخرى ثمّة المعايير والقواعد والمثل وأساليب التصنيف التي تنتجها كلّ بيئة لتعيين كلّ فرد من الأعضاء الذين يتكوّنون منها والاعتراف بهم. كتب خورخي لويس بورخيس: "إننا جميعاً نشبه صورة ما هو مصنوع منّا"، لتفسير الازدواجية بين ما يدفعنا ذاتياً "لنكون أنفسنا عينها"، وما يأتي من الآخرين في تكوين أنفسنا. الهُوية هي فكرة نفسية اجتماعية بارزة وأساسية لا مندوحة عنها مهما كانت درجة التشظّي التي تتعرّض لها. فالهوية تشير إلى الشعور بالوجود، وبالوحدة والتماسك لدى الشخص، وإلى ما يعرّفه على أنه كائن فريد، ومحدَّد، ومتميّز، وفي النهاية إلى كائن خاص. لكن هذه الهوية "لا يمكن أن تأتي إلا من الخارج، أي من المجتمع"، كما تقول فرانسواز هيريتيه في كتابها "عن الهوية"، وهذا يعني أنّ الفرد يُعيَّن بمجموعة من الصفات الاجتماعية والقانونية التي تمنحه مكانًا في سلسلة الأنساب، وفي النظام الاجتماعي، وفي مجمل السيرورات الاجتماعية التي يعيشها ويتقاطع معها. فهي تتكوّن من مجموعة الخصائص والصفات التي تجعل الأفراد أو المجموعة ينظرون إلى أنفسهم على أنّهم كيان محدّد، وأنّ الآخرين ينظرون إليهم على هذا النحو ويعترفون بهم، أو لا يعترفون بهم، على هذا النحو. ويجب فهم هذا التصوّر من خلال تمفصل العديد من السلطات والمرجعيات الاجتماعية، سواء كانت فردية أو جماعية، كما يقول ميشال كاسترا. ولكن هذا لا يعني أنّ الهوية هي مجرّد ميكانيزم اجتماعي أو ثقافي أو سيكولوجي يقيم فقط في فكرة الاختلاف الهووي ولا قوام له بذاته.
الإنسان لا يتحمل فراغ الهوية، هذه هي روح ما قلته في مقالي السابق. وفي الحقيقة كنتُ أوّد ألا أردّ بشكل سجالي على ردّ الأستاذ ماهر مسعود على ردّي عن مقال سابق له، بل كنت أودّ أن يُدفع النقاش إلى مستوى الجدل الحجاجي، وتصعد فيه الحجة إلى مستوى يليق باسمها، وليس التوّسل بمجموعة من الأمثلة والرؤى المختزلة سأذكر بعضها فقط، وليس كلّها بسبب ضيق المساحة ومحدودية الموضوع.
تميّز المثقف العربي عموماً بقدرة فائقة على التصنيف ووضع الأشخاص والأفكار والكلمات في خانات جاهزة
في مقاربة بعض المفاهيم الحسّاسة، يتميّز المثقف العربي عموماً، ولا أستثني نفسي، بقدرة فائقة على التصنيف ووضع الأشخاص والأفكار والكلمات في خانات جاهزة، وإن كان المرء يأمل أن يرتقي هذا التصنيف إلى تصنيف علمي نسقي كما تفعل البيولوجيا مثلاً، فالتصنيف علم دقيق إلا أنّه قد يصبح، حين يُمارس كيفما اتفق، إلى عائقٍ ذهنيٍ ومعرفيٍ بائن الخور يضع كلّ ما يقوله الآخر في خانات أو فئات جاهزة وبحسب مقولات مضادة جاهزة أيضاً، لا لشيء إلا للإطاحة به وبآرائه، وذلك بحثاً عن الصدى والاستقطاب، وبدافع وعي ذاتي موهوم بامتلاك الحقيقة وصوابية الخطاب الذي يصدر عنه.
في كتابه "مضخات الحدس وأدوات أخرى للتفكير" يقدّم لنا الفيلسوف الأميركي، دانيال دينيت ترياقاً نظرياً ونفسياً ضدّ الميل إلى تصوير الخصم بطريقة كاريكاتورية أو انتقاصية، متمثلاً في قائمة من القواعد التي صاغها قبل عقود خلت عالم النفس الاجتماعي أناتول رابوبورت، صاحب المبدأ الذائع الصيت في استراتيجية نظرية اللعب، المسمّى بمبدأ "العين بالعين". يلخص دينيت هذا الترياق أو كيف تكتب ردّا نقدياً ملائماً وناجحاً في أربع نقاط:
(1): يجب أن تحاول إعادة التعبير عن موقفك وغايتك بشكل واضح وحيوي وعادل كما لو أنّك تقول: "شكراً، أتمنّى لو أنّني فكرتُ في صياغة الأمر بهذه الطريقة".
(2): يجب عليك إدراج أي نقاط اتفاق مع محاورك (خاصة إذا لم تكن مسائل اتفاق عام أو واسع النطاق).
(3): يجب أن تذكر أي شيء تعلمته من خصمك.
(3): عندها فقط يُسمح لك أن تقول كلمة دحض أو انتقاد.
وهذا المبدأ الحجاجي لخّصه دونالد دافيدسون بـ "مبدأ الإحسان"، وهو مبدأ يقوم على فهم أطروحات الآخر ومقاصده بإضفاء الحدّ الأقصى من المعقولية عليها. والنظر إلى أنّ ثمّة في خطاب الآخر شيئاً مهماً يمكن أن نبني عليه ونوسّع نطاقه بدل الاكتفاء بمهمة دحضه مهما كان الثمن، وأنّ ثمة حجة ما، بغض النظر عن اتفاقنا مع مضمونها أو لا، يمكننا الردّ عليها بحجة مضادة دون وصفها بطريقة هزلية، وبأنّ خطابه له صوابية ما من الزاوية التي ينظر بها إلى الواقع، باعتبار أنّ الواقع لا متناهٍ، وكلّ ما يستطيع الباحث تقديمه هو مقاربة ذاتية، خاصة، وبالتالي جزئية للواقع وهذا هو التنسيب الحقيقي للأمور والرؤى والمقاربات ولا علاقة له بنظرية النسبي والمطلق في فيزياء أينشتاين التي يلجأ إليها كاتب المقال كمثال لدعم تصوّره لمسألة الاختلاف وهما أمران بعيدان عن بعضهما بعضاً البعد كلّه، وسأعود إلى هذا المثال.
ليس هناك فكر في ذاته منقطع عن إمكان قوله في لغة ما
يفتتح مسعود مقالته بالجملة التالية: "على الرغم من اللغة الفلسفية العالية لمقال الأستاذ شريف مبروكي، إلا أنّ الأفكار المطروحة فيه والمعاني التي أراد الدفاع عنها لم تكن فلسفية بما فيه الكفاية". تقول هذه الجملة شيئين، أولاً: إنّ اللغة منقطعة عن معانيها ودلالاتها وتسبح في فراغ سديمي، فهي فلسفية بينما معانيها ليست فلسفية، وهذا تناقض بائن، فالفلسفة هي عينها اللغة التي تكتب بها، والفكر عموماً لا يستطيع أن يكون دون لغة تعبّر عنه، فليس هناك فكر في ذاته منقطع عن إمكان قوله في لغة ما، هناك ثمّة فلسفات كتبت شعراً، وهناك أخرى كتبت شذراً ونيتشه أكبر مثال على ذلك. ثانياً، لا أحد يستطيع أن يقول إنّه يكتب في الفلسفة بما فيه "الكفاية"، لأنّ ذلك يعني أنّه أغلق الأمر المعرفي لأنّ ما يقوله "كافٍ" فلسفياً. ويمكن للمرء أن ينتظر من كاتب المقال أن يقول هو نفسه، بدلاً عن ذلك، شيئاً فلسفياً "كافياً" يكون لنا زاداً لا نهائياً يكفينا مؤونة الطريق الفلسفي. ثم يعتبر مسعود أنّ دفاعي عن مفهوم "الأزمة" المنسوب إلى الهوية أنّه "تقويم كلاسيكي"، فمفهوم "الهوية في طرح المبروكي إذاً أفلاطوني بالكامل، ومن هنا كلاسيكيته"، في الحقيقة أطمح أن أكون أفلاطونياً، أو كلاسيكياً، فهذا أمرٌ لا ينتقص مني ولا من الفلسفة، فالجميع الآن يعودون إلى أفلاطون، ومنهم الكثير من الحداثيين وما بعد الحداثيين، ومنهم آلان باديو، على سبيل المثال، وخصوصاً في كتابه الأخير "جمهورية أفلاطون" الصادر سنة 2016، حيث يعيد النظر في أهمية الحوارات السقراطية وبناء الشخوص المفهومية وسبل الفكر في تدبير المدينة إلخ، وآخرون، فأفلاطون يبقى مرجعاً أساسياً لا يمكن نسيانه أو تجاهله عندما نتكلم في الشأن الفلسفي وليس في السجال الخطابي، هذا إذا ما فهمنا أنّ الفلسفة نشاط "جذموري" كما يقول دولوز الفيلسوف العزيز على قلب مسعود، وعلى قلبي أيضاً. ثم يربط كاتب المقال آلياً بين الأفلاطونية والكلاسيكية ويعتبر الثانية نتيجة للأولى، وهذه مغالطة فالكلاسيكية هي أسلوب في الكتابة والفكر وليست مدرسة ونهجاً فلسفياً قائماً بذاته، فهي بحسب ماتيو كيسلر في مقاله الرائع عن كلاسيكية نيتشه: "الكلاسيكية هي الوضوح والبساطة شكلاً ومضموناً للتفكير الفلسفي في الوجود، إذ يصبح الشكل بعد ذلك هو المضمون بمعنى ما هو أساسي، ولا يمثل مجرد "شكل" أو تلبيس "لمضمون" سبقه موجود في استقلال تام عنه". ولكني لا أظن أن الأستاذ مسعود يقصد هذا المعنى الدقيق وإنّما يعني أنّ ما تكتبه وتقوله قديم، وهذا في الحقيقة تصنيف يقوم على مغالطة أخرى مشهورة هي "مغالطة التوسل بالحداثة"، حيث يدّعي المرء بشكل مبتسر وتعسفي أنّ فكرةً ما، أو حجّةً ما، هي صحيحة ومتفوقة، حصرياً لأنّها فقط جديدة وحديثة.
أحيانا، يدّعي المرء بشكل مبتسر وتعسفي أنّ فكرةً ما أو حجّةً ما هي صحيحة ومتفوقة، حصرياً لأنّها فقط جديدة وحديثة
هذه النزعة التصنيفية المتسرّعة قادت صاحب المقال منذ البدء إلى تضييق النقاش واختزاله حول مقولات تجاوزها الفكر النقدي منذ عهود، ألا وهي وسم خطاب الآخر "بالمثالية" وبنزعة سياسية "محافظة"، فلم يعد أحد يقول للآخر اليوم أنت "مثالي"، فكلّنا حين نكتب في الفلسفة نكون أقرب إلى المثالية ما دمنا نتعاطى مع المفاهيم والمجرّدات، ونتحدّث عن المعايير والقيم والرؤى والأفكار، فهي كائنات مثالية قابلة للتجسّد في ممارسات وغير قابلة بآن كما يذهب ماكس فيبر. ولكن هذا الانزلاق التصنيفي يتحوّل أحياناً إلى توجيه تهم من قبيل أنّ حجة الآخر تسوّغ الدكتاتورية أو تشرعنها! يقول مسعود حرفياً: "ومن هنا احتفال المبروكي بتعبير بول ريكور في وصف الهوية بأنّها "حضورٌ للغياب". (فكّر في تشابه أو تلاقي هذا الطرح بالعموم مع الصيغة التي تقوم عليها كل الديكتاتوريات، فلا تقوم الديكتاتورية ولا يخاطب الطُغاة في كل مكان إلا الحس العام و"روح الشعب" والهويات الجمعية لدى الناس والحشود، أولئك الناس الذين أول ما تقوم به أي ديكتاتورية هو تهميشهم والتعالي عليهم وعدم الاعتراف بأهليتهم لفهم السلطة أو لحكم أنفسهم)". وبدوري أتساءل عن معنى هذا الاستخلاص العنيف وغير المفهوم من مقدمة إلى نتيجة لا علاقة منطقية بينهما، إذ كيف يمكن لجملة "حضور للغياب" التي أوردها بول ريكور في تحليله لمسألة الذاكرة وعلاقتها بالهوية، أن تكون صيغة تؤدّي إلى الدكتاتورية؟ والمقال مليء بهذه القفزات من شيء إلى شيء دون روابط منطقية علاوةً على النبرة الهازئة في بداية الجملة "ومن هنا احتفال المبروكي"، وهذه الجملة مثل جمل أخرى عديدة تتوّسل هذا الضرب من اللغة القائم على مغالطة مشهورة أخرى، ألا وهي "مغالطة التوسل بالاستهزاء"، حيث يلجأ الكاتب إلى التقليل من شأن حجة الآخر بالاستهزاء منها.
ثمّة أشياء أخرى عديدة ينتابها الخور المنطقي والمغالطات من عدّة جهات في مقال مسعود، لن آتي عليها كلّها بسبب ضيق المجال، مثل الاستسهال في إدراج الأمثلة من حقول أخرى لا تتعلّق بموضوع النقاش، مثل مفهومي النسبي والمطلق عند آينشتاين، وهما مفهومان غريبان عن متن النقاش وغرضه، وذلك لدعم وجهة نظر عامة وذاتية كيفما كان وبأيّ ثمن، فمفهوم الهوية هو نسبي ومطلق بآن ولكن في إطار مختلف الاختلاف كلّه عن فيزياء أينشتاين، فالانتقال من التصوّرات الفيزيائية الدقيقة إلى سجالات الكتابة التنظيرية العامة هو انتقال تعسفي وغير معرفي.
لا يسعني، لكي أختتم، إلا أن أشيد بما قرأته للأستاذ ماهر مسعود في هذا المقال، وفي غيره، بما يمتاز به من حيوية فكرية وقدرة على إثارة المشكلات العويصة ومحاولة الغوص في أبعادها المختلفة.