محاسب الشركة صار دكتوراً
ارتاب الثنائي الكوميدي (قاسم وزوجته فريدة) بكثرة الأدوية التي قرر طبيب البلدة أن يتناولها العم قاسم لمعالجة المرض الذي توصل إليه بالتشخيص وهو "بداية تضخم في غدة البروستات". وبعد أن مازحت فريدة زوجَها "قاسم" بقولها إن الدكتور أكثَرَ له من الأدوية لقناعته بأنه سوف يتوكل على الله تعالى ويولي الأدبار (أي: يموت)، عادا، كلاهما إلى الجد.
قالت فريدة: أنا رأيي أن نعيد العلب والقناني والحناجير والسيرنجات إلى الكيس، ونحملها ونسافر إلى مدينة إدلب، فنحقق بذلك عدة أهداف، أولها أن تُرَاجِعَ طبيباً مختصاً فيعاينك ونُطلعه على هذه الأدوية، وهو يقرر إن كانت نافعة أو ضارة، وثانيها، أن نزور أختي مريم وأسرتها ونمضي أوقاتاً طيبة معهم، وثالثها نتفرج على إدلب ونشم هواءها النظيف العليل.. يعني خلينا نعتبر هذه السفرة "تغيير جَوّ" حبيبي قاسم.
بلا تردد، وافق العم قاسم على فكرة فريدة.. وكانت العادة أن يوافق الواحد منهما على مقترح الآخر، من باب الدَيْن والوفاء.. فذات مرة اقترح قاسم على فريدة أن يأتيها بغداء جاهز هو عبارة عن شقف لحم مشوية وكباب، مع بندورة مشوية وبيواظ وسلطة. وهي رفضت، فاستغرب قاسم رفضها، وسألها عن السبب، فقالت:
- أنا زعلانة منك، لأنك، قبل ثلاث سنوات، كنت أنا مشغولة وطلبت منك مراقبة طنجرة الفاصولية وإطفاء البوتاجاز قبل أن تحترق، ولكنك تشاغلت، فانحرقت الفاصولية، وأنت أقدمتَ على حرقها رغم معرفتك بأني أحب الفاصولية.
ووقتها ضحك قاسم وقال لها: خلاص، التوبة، والله طول عمري ما عاد أحرق لك طنجرة فاصولية يا حبيبة القلب!
وصلا إدلب في الليل. دخلا بيت السيدة مريم وزوجها "ناظم". ابتسم قاسم حينما هب عديلُه ناظم لاستقباله، وأخذه بالأحضان. كان قاسم يقول لفريدة، كلما جاءت سيرة زوج أختها ناظم، إن هذا الرجل، عندما يزوره أحدٌ ما، يشبه الأرض المتشققة التي ينزل عليها المطر بعد طول احتباس.
الحقيقة أن "ناظم" رجل مُبتلى بحب الكلام، ولعل من سوء حظه أن زوجته، السيدة مريم، تعاني من نقص في السمع، وفي الوقت نفسه لا تحب الأخذ والرد، وبمجرد ما يباشر بالكلام تتركه وتمشي. لذلك سُرَّ بقدوم قاسم وفريدة إذ رأى في قدومهما فرصة نادرة للتنفيس عن الكلام المحتبس في صدره.. وما هي إلا لحظات، وسلامات، وقبلات بين الأختين، وبين فريدة وأولاد أختها.. حتى تمكن ناظم من فتح ثغرة في الجو. قال لقاسم: أيش هذا الكيس اللي معك؟
قال قاسم: هذا دواء للبروستات. وصفه لي طبيب البلدة.
صفر ناظم صفرة طويلة وقال: يا ساتر. لأيش كل هاد؟!
وأمسك أول علبة وقال: هذا يخفض الضغط، ويساعد المرء على التبول بسهولة، ولكن، لو أنك تعرف أعراضَه الجانبية لرميته على طول يدك، فهو يسبب تشكل الغازات. وهذا يرمم الغدة، ولكنه يرفع الضغط، ويسبب عجزاً جنسياً.. (ويضحك) وأنت، يا عديلي، من دون شي وضعك تعبان. وهذا يسبب الإمساك، وهذه الإبر تقتل الخلايا السليمة والخلايا المصابة.. وهذا يرفع السكر، وذلك يخفض السكر..
في آخر الليل، حينما أوى الثنائي الكوميدي قاسم وفريدة إلى الغرفة المخصصة لإقامتهما، بدا قاسم مهموماً. قالت له فريدة: أيش بك حبيبي قاسم؟ بأيش تفكر؟
قال: عم أفكر بزوج أختك ناظم. الدنيا ظلمته كتير لما خلته يتوظف محاسب في معمل الغَزْل. فريدة؟ أيش رأيك نبيع بيتنا في البلد ونعطي ثمنه لناظم؟
قالت وهي تتصنع الدهشة: وليش بقى يا تسلم لقلبي؟
قال: منشان نفتح له عيادة! من دون يمين هاد إذا بيشتغل دكتور حتى تلاقي الناس مسلوقة سَلْق ومبطوحة في الشوارع بَطْح.
ضحكت فريدة وقالت: هوي بطبيعة الحال عم يشتغل دكتور.. ولكن من دون عيادة. على حسب ما حكت لي أختي أنه دائماً بيعاين رفقاته بالمعمل وبيعطيهم دوا.
قال: يا سلام. دخلك رفقاته عم يستفيدوا على وصفاته؟
قالت: عم يستفيدوا كتير. لحد هلق ما مات منهم، على يده، غير تلاتة!..