02 سبتمبر 2024
مؤانسات رمضانية (10) أبكي على اللي حظه قليل
قال كمال الطبنجي: الحكاية التي سأرويها لكم في هذه الليلة الرمضانية المباركة، تنتمي إلى كوميديا النخب الثقافية. ففي إحدى المدن الرئيسية جهة ثقافية نشيطة يرأسها أديب طيب وحباب ومربى في بيت أهله جيداً، واسمه، فرضاً "سلوم". هذا الإنسان مسالم إلى درجة أنه يخشى دائماً من وقوع ما يسمونه "المعارك الأدبية"، وبالأخص في الجهة التي يديرها.. فبرأيه قد تستخدم في مثل هذه المعارك، إذا وقعت لا قدر الله، عبارات يمكن أن تسيء لأحد المتعاركين، وبالأخص الضيف، أو مجموعة الضيوف القادمين من محافظة أخرى، وهذا بدوره يسيء إلى المدينة المضيفة، والهيئة التي يرأسها، وإليه شخصياً.
قلت: بالعكس يا أخي "أبو راضي"، فالمعارك الأدبية، إذا كانت بعيدة عن تصفية الحسابات الشخصية والمواقف الفردية، إنما تنشط الجو الإبداعي، ولا تنس أن كتاب "الأدب الجاهلي" لطه حسين، قد جعل الأدباء والنقاد والمفكرين والمشايخ في عصره يرجعون إلى كتب التراث ويقرؤونها لكي يردوا عليه ويدحضوا آراءه، فهل هذا شيء ضار؟
قال: أنا معك ولكننا نحكي عن السيد سلوم الذي ينطبق عليه المثل القائل "فساء البرغوث يُبطـل وضوءه!". ففي أحد المواسم الثقافية اتصلت به أديبة معروفة من محافظة أخرى، واقترحت عليه إحياء أمسية لها عنده، فقال متحمساً: على الرحب والسعة يا ست، تشرفيننا في كل وقت، فأنت تحضرين، يا مدام، ولا يحضر واجبك. "مثل شعبي"، ثم لماذا نكتفي بأمسية عادية؟ أنا أستطيع أن أقيم ندوة بمحاور عديدة نتناول فيها أدبك من كـل الزوايا، ونقدياً كرمى لخاطرك، فماذا تقولين؟
قلت: بجد هذا تكريم نادر.
قال: وهو من جهته وضع كلامه موضع التنفيذ، إذ استدعى الأدباء والنقاد الموجودين في المدينة، وعمل لهم مقدمة مقنعة، فوافقوا على المشاركة في الندوة المقترحة، وهو بدوره وزع عليهم الأعمال الأدبية المطبوعة لتلك الأديبة، على أن يشارك كل منهم بمحور نقدي مستقل وموسع.
لم يكن أولئك الأدباء والنقاد قد قرؤوا أعمال تلك الأديبة على نحو جاد قبل هذا، وحينما فعلوا ذلك لاحظوا أن هذه المرأة تكتب أي شيء يخطر ببالها، بغض النظر عن السوية الفنية، لا لشيء إلا لتحوز الشهرة والمجد، فقرروا بالتشاور فيما بينهم أن يعطوها حقها كاملاً، فيذكروا ما لها وما عليها من دون أيّ تطرُّف.
قلت: ما أحوج بلادنا إلى هذا النوع من النقد، ليس في الأدب وحسب، بل في كـل المجالات.
قال متابعاً سرد الحكاية: ولم يكن سلوم يعلم أن الشباب الذين وزع عليهم المحاور النقدية ينوون مواجهة الأديبة المذكورة بحقيقة هوسها بالنشر، وحبها الظهور، مما أدى، برأيهم، إلى وقوعها في مطبات فنيّة لا تُغْتفَر، تصل في بعض الأحايين إلى ارتكاب أخطاء لغوية، لا يجوز لأديبة مثلها أن تقع فيها مهما كلف الأمر.
أقول: سلوم علم بهذا متأخراً جداً، وبالتحديد قبل بدء الندوة بساعة واحدة، ولذلك فقد جمع الأدباء المشاركين في مكتبه، وأغلق النوافذ والستائر، وقال لهم بلهجة رهيبة:
- يا شباب الله يستر على حريمكم، استرونا، ودعوا هذه الأمسية تمر على سلامة، تذكروا وأنتم تلقون مداخلاتكم أن الأديبة فلانة أولاً ضيفة، وثانياً "حرمة"، والحريم خاطرهن رقيق كما تعلمون، وكــذلك (وهنا تهـدج صوته) لا تنسوا أن فلاناً الفلاني (وذكر اسم رجل مهم في الدولة) قريبها، وهذا الرجل يـده طايلة.. و..!
بقي الأدباء محافظين على صمتهم المطبق، راسمين على وجوههم ابتسامات خبيثة، فأضاف صاحبنا مغتاظاً:
- شو؟ شايفكم ساكتين! الظاهر ما رح تمضوها على خير؟ أعرف أنكم لن تمضوها على خير، لماذا؟ لأن حظي أنا قليل، قليل!.. "وانفلت بالبكاء".
(يعود تاريخ هذه الحكايات إلى ما قبل ربع قرن من الزمان)
قال: أنا معك ولكننا نحكي عن السيد سلوم الذي ينطبق عليه المثل القائل "فساء البرغوث يُبطـل وضوءه!". ففي أحد المواسم الثقافية اتصلت به أديبة معروفة من محافظة أخرى، واقترحت عليه إحياء أمسية لها عنده، فقال متحمساً: على الرحب والسعة يا ست، تشرفيننا في كل وقت، فأنت تحضرين، يا مدام، ولا يحضر واجبك. "مثل شعبي"، ثم لماذا نكتفي بأمسية عادية؟ أنا أستطيع أن أقيم ندوة بمحاور عديدة نتناول فيها أدبك من كـل الزوايا، ونقدياً كرمى لخاطرك، فماذا تقولين؟
قلت: بجد هذا تكريم نادر.
قال: وهو من جهته وضع كلامه موضع التنفيذ، إذ استدعى الأدباء والنقاد الموجودين في المدينة، وعمل لهم مقدمة مقنعة، فوافقوا على المشاركة في الندوة المقترحة، وهو بدوره وزع عليهم الأعمال الأدبية المطبوعة لتلك الأديبة، على أن يشارك كل منهم بمحور نقدي مستقل وموسع.
لم يكن أولئك الأدباء والنقاد قد قرؤوا أعمال تلك الأديبة على نحو جاد قبل هذا، وحينما فعلوا ذلك لاحظوا أن هذه المرأة تكتب أي شيء يخطر ببالها، بغض النظر عن السوية الفنية، لا لشيء إلا لتحوز الشهرة والمجد، فقرروا بالتشاور فيما بينهم أن يعطوها حقها كاملاً، فيذكروا ما لها وما عليها من دون أيّ تطرُّف.
قلت: ما أحوج بلادنا إلى هذا النوع من النقد، ليس في الأدب وحسب، بل في كـل المجالات.
قال متابعاً سرد الحكاية: ولم يكن سلوم يعلم أن الشباب الذين وزع عليهم المحاور النقدية ينوون مواجهة الأديبة المذكورة بحقيقة هوسها بالنشر، وحبها الظهور، مما أدى، برأيهم، إلى وقوعها في مطبات فنيّة لا تُغْتفَر، تصل في بعض الأحايين إلى ارتكاب أخطاء لغوية، لا يجوز لأديبة مثلها أن تقع فيها مهما كلف الأمر.
أقول: سلوم علم بهذا متأخراً جداً، وبالتحديد قبل بدء الندوة بساعة واحدة، ولذلك فقد جمع الأدباء المشاركين في مكتبه، وأغلق النوافذ والستائر، وقال لهم بلهجة رهيبة:
- يا شباب الله يستر على حريمكم، استرونا، ودعوا هذه الأمسية تمر على سلامة، تذكروا وأنتم تلقون مداخلاتكم أن الأديبة فلانة أولاً ضيفة، وثانياً "حرمة"، والحريم خاطرهن رقيق كما تعلمون، وكــذلك (وهنا تهـدج صوته) لا تنسوا أن فلاناً الفلاني (وذكر اسم رجل مهم في الدولة) قريبها، وهذا الرجل يـده طايلة.. و..!
بقي الأدباء محافظين على صمتهم المطبق، راسمين على وجوههم ابتسامات خبيثة، فأضاف صاحبنا مغتاظاً:
- شو؟ شايفكم ساكتين! الظاهر ما رح تمضوها على خير؟ أعرف أنكم لن تمضوها على خير، لماذا؟ لأن حظي أنا قليل، قليل!.. "وانفلت بالبكاء".
(يعود تاريخ هذه الحكايات إلى ما قبل ربع قرن من الزمان)