ليكن درساً مفيداً يا قطر

21 يونيو 2017
+ الخط -
لا خوفَ على قطر والقطريين والمقيمين، من الجوع والعطش، بواقع ارتفاع الدخول وإنتاجها النفطي والغازي وصناعتها البتروكيماوية، هذا إن لم نأتِ على صادراتها، وما تملك من أصول ومنشآت بالخارج، أو ما لديها من مصارف وسيولة وصندوق سيادي بالداخل، إذ ببساطة، ستتهافت أكبر الدول الصناعية بالعالم، لإشباع السوق القطرية بما يحتاج، ومن هم في قطر، بكل مستلزماتهم.

وربما بالسوق الكويتية والعمانية المفتوحتين، أو ما بدر من أصدقاء الدوحة، إن من تركيا أو إيران والسودان، وغيرهم دول كثيرة، إنما يدلل على استحالة تجويع القطريين، لثنيهم عن مواقفهم أو قبولهم مرغمين، بشروط المحاصرين، إخوة الدم والجغرافيا والعروبة، بعد أن سدوا على قطر، المنفذ البري الوحيد "معبر سلوى" وحاصروها بحراً وجواً، في خطوة يقال فيها وحولها الكثير، نظراً لكونها سابقة، طاولت مصالح الشعب ولقمة عيشه.

ورأينا وقرأنا الكثير الكثير، عن قوَّة اقتصاد قطر، واستثماراتها بالخارج، وارتباط اقتصاديات كبرى، بإنتاجها الغازي والنفطي، ومتانة العلاقات الاقتصادية للدوحة، مع دول كثيرة، تأتت من المصالح المتبادلة حيناً، ومن نهج قطر الديمقراطي بقية الأحايين، والذي أعلنته الدوحة كحالة مخالفة لمحيطها، ما عرّى ربما بعض التعاطي الخليجي، وكان السبب الحقيقي لمحاصرتها، إذ لا جديد بما قيل حول حماس والإخوان المسلمين ومحطة "الجزيرة"، سوى زيارة الرئيس الأميركي وقممه بالرياض، وما أريد له أن يكون، من صواعق تفجّر تراكمات واختلافات، تعدَّت وجهات النظر، لتصل ربّما بواقع التصعيد، لنكون أو لا نكون.

قصارى القول: أليس من الغرابة على اقتصاد حجمه وقوته تنوف 170 مليار دولار، أن يُمسك أهله من لقمة عيشهم، ليتم ثني قيادته عن قرارات ربما تعتبر سيادية.
وأليس من المدهش، لبلد يمتلك سيولة مالية بنحو 400 مليار دولار، موزّعة بين صندوق الثروة السيادي واحتياطي نقدي أجنبي، ولم يعرف صناعيوه توطين شركات ومصانع، تؤمن الغذاء والشراب لأهله والمقيمين فيه.

وأيضاً، أليس من المستغرب على اقتصاد، يعتبر المُصدر الأول للغاز المسال في العالم، وحقق فائضاً تجارياً بلغ 2.7 مليار دولار في شهر واحد، كإبريل/نيسان الفائت، ولا يعرف القائمون عليه، طريقاً لتنويع مصادر الاقتصاد، خصوصاً أنهم لدغوا من الجحر ذاته سابقاً بعام 2014، وقت سحبت بعض الدول الخليجية تمثيلها الدبلوماسي من قطر، وارتفعت وقتذاك أسعار بعض السلع والمنتجات المستوردة من تلك الدول، وبمقدمتها السعودية، أضعافاً مضاعفة.

خلاصة القول: رغم تمنينا أن تزول الخلافات بين دول مجلس التعاون اليوم، ويعود الوئام للمنطقة التي لا تحتمل مزيداً من الاستهداف والابتزاز والتقسيم، نسأل.

ترى لو أعلنت قطر اليوم، عن مناقصات للشركات التركية كمثال، عن بناء مزارع دجاج وأغنام وتسمين أبقار، تؤمِّن لسوقها اللحوم، ومشتقات الحليب التي استوردتها من تركيا، أمس، ومناقصات أخرى عن تحلية المياه، وتوطين صناعات غذائية مختلفة، لتستورد المواد الأولية من السودان، أيضاً على سبيل المثال، فكيف سيكون المشهد لجهة تأمين أبسط مستلزمات السوق القطرية، وطبعاً تبقي على الاستيراد لتحقيق التنافسية على صعيد تحسين الجودة وكسر الأسعار.

أما إن قال قائل، إن مناخ دولة قطر الحار وعدم إنتاجها مواد أولية، يجعل من هذه الحلول مجرد طروحات مثالية، فسيكون الردّ ببساطة، أن قطر تطوّع المناخ في صالحها، بدليل ما فعلت وستفعل، استعداداً لمونديال كأس العالم عام 2022، فضلاً عن أن ارتفاع تكاليف توطين الزراعة والصناعة ومهما بلغت، إنما تبقى أقل من الاستيراد، والأهم أنها تحصن الدول بحالات استثنائية، كالتي تعيشها قطر اليوم.

وأما إن سأل آخر، وهل التوقيت الآن مناسب، للبناء والتوطين واستيراد الآلات ومستلزمات الإنتاج، فسيكون الجواب، طبعاً مناسب وجداً، إذ أنه وإضافة لتأمين مستلزمات السوق وتنويع مصادر الاقتصاد، فيه رسالة سياسية لمن يهمه الأمر، بأن قطر وخلال الظروف الطارئة، قادرة أن تبني للمستقبل.