لبنان والترسيم... بروباغندا النصر والإنجاز

12 أكتوبر 2022
+ الخط -

يقول نابليون: "أعطوني تسعاً وتسعين ماكينة طباعة ومدفعا واحدا وأغزو لكم العالم"، ولو كان نابليون حيا اليوم، لقال أعطوني مفاتيح وشيفرات السيطرة على وسائل الإعلام وكبريات الشركات التكنولوجية التواصلية الاجتماعية، التي باتت من أهم ساحات الإعلام الرقمي وأكثرها تأثيرا.

يرتبط قول نابليون إلى حد ما بمفهوم البروباغندا، وهو مصطلح متلون وله سياق تاريخي تعود جذوره إلى اللاتينية "كونغريغاتيو دي بروباجاندا فيدي" والتي تعني "مجمع نشر الإيمان" الذي قام بتأسيسه البابا "غريغوري" الخامس العشر عام 1622 آنذاك لنشر الديانة الكاثوليكية.

تطور مفهوم المصطلح تاريخيا، حيث بات يرتبط بنشر المعلومات بطريقة أحادية المنظور من خلال توجيه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء وسلوك الأفراد في المجتمع بطريقة تتناقض مع مفهوم الموضوعية في طرح المعلومات وعرضها، كما تعتمد البروباغندا بجزءٍ كبير على إعطاء معلومات ناقصة أو معلومات مكذوبة يضفى عليها طابع العاطفية والحماس لملامسة مشاعر الجماهير مع تغييب الخطاب العقلاني والموضوعي، وهذا الأمر متعمد لتعطيل التفكير والسيطرة على العقول، وخلق الحجب حول العقل لعدم التفكير حتى في البحث عما يحصل.

ضجت وسائل إعلام من يملك القرار السياسي في لبنان بـ"بروباغندا" الإنجاز الكبير للعهد الحالي والانتصار التاريخي للبنان

تعتبر السيطرة على وسائل الإعلام من أكثر العوامل التي تحقق فعالية لـ"البروباغندا" ومع التطور الاتصالي والشبكي أصبح الإعلام الرقمي لاعبا جديدا وعنصرا فاعلا في تحقيق "البروباغندا"، الأمر الذي دفع أصحاب المصالح العليا إلى استثمار وتوظيف هذه التكنولوجيا إلى أبعد الحدود، بشكل منظم وممنهج وقد يبدو للبعض عشوائية ما، تحديدا في ساحات منصّات التواصل الاجتماعي، ولكن حتى هذه العشوائية تتسم بالتنظيم وتعمل وفق أهداف محددة، ومما لا شك فيه بالتأثير الكبير الناتج عن هذه السياسات.

كما كل مفهوم ومصطلح يوظف ويستثمر في عدة ساحات وفي جغرافيات مختلفة، ينشط توظيف المفهوم في لبنان خلال الأسابيع الماضية والأيام القليلة التي سبقت وما زالت..

تركزت جهود الحلف الذي يملك القرار السياسي في لبنان عبر وسائل إعلامه التقليدية والرقمية، ومن يتبع له كإعلاميين وباحثين أو ناشطين ومؤثرين، بعد تصريح الرئاسة اللبنانية حول الصيغة النهائية لمسودة ترسيم الحدود البحرية التي وصفتها بالمرضية بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي نقلت فيه وكالة رويترز أن حزب الله أعطى الضوء الأخضر للاتفاق، بالتزامن مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي يئير لبيد أن المجلس الوزاري المصغر سيجتمع للتصديق على المسودة، وقالت الرئاسة اللبنانية إنها تسلمت مسودة من إلياس بو صعب نائب رئيس البرلمان اللبناني، وهي النسخة الرسمية النهائية التي تقدم بها الوسيط الأميركي للاتفاق بشأن الحدود البحرية الجنوبية..

وبالعودة للجهود المركزة على وسائل الإعلام التقليدي والرقمي وربطا بإعلان الرئاسة اللبنانية الأخير، ضجت وسائل إعلام من يملك القرار السياسي في لبنان بـ"بروباغندا" الإنجاز الكبير للعهد الحالي والانتصار التاريخي للبنان، وبدأت حملات التغريدات والمواد التفاعلية المختلفة والمنظمة من المؤسسات الإعلامية التي تنضوي تحت هذا الحلف إضافة إلى الحسابات الشخصية لمن يعتبرون مؤثرين في الساحة اللبنانية المرتبطين بصانعي "بروباغندا" النصر والإنجاز، بالحديث وإقناع الشعب اللبناني بضخامة الإنجاز الحاصل والنصر التاريخي تحديدا، بعد الشعارات والخطابات المستمرة منذ بداية الصيف الماضي تحت أسقف عالية، والتي لا تتناسب مع الاتفاق الذي يتم الحديث عنه اليوم، وفي الوقت الذي يؤكد فيه متخصصون وخبراء في مجال الترسيم البحري وحقول الغاز والنفط، أن كفة الإنجاز تعود لمصلحة دولة الاحتلال.

الانجرار والتفاعل مع اتفاق يحدد مستقبل لبنان وما ينتج عنه من مفاعيل اقتصادية واستثمارية، لا يمكن أن يؤخذ بـ" بروباغندا" يعمل على تسويقها فريق سياسي معين لنسب إنجاز له بعد تاريخ طويل من الفشل في إدارة مؤسسات الدولة ومواردها وفي مواجهة الفساد المستمر في لبنان، وفشله في مواجهة الانهيار الحاصل في السنوات الثلاث الأخيرة، لا بل يعتبر شريكا أساسيا في الانهيار الحاصل..

من حقنا كمواطنين لبنانيين معرفة ما يجري وما جرى وملابسات الاتفاق بشكل موضوعي وواضح يصدر عن الجهات الرسمية اللبنانية المعنية، أما للشعب اللبناني الذي يعاني ما يعانيه من أزمات ومصائب، لا تنجر مع بروباغندا النصر والإنجاز، لقد سئمنا شعارات، ابحث عن ما هو موضوعي وواقعي، فمن حقك أن تعلم كل شيء.

راغب ملي/ فيسبوك
راغب ملي
مدير الاتصال الرقمي في مركز أبحاث الحكومة الإلكترونية، كاتب وباحث ومتخصص في مجال إدارة مواقع التواصل الاجتماعي.