لا يؤلم الجرح إلا من به زلزال
أين العالم من مآسينا؟
أراقب حديث الناس من حولي، وكأنهم يقيمون على كرة أرضية أخرى. هل حائط التواصل الاجتماعي لدينا يختلف عنهم؟ هل يرون صور الأطفال مجبولةً بالألم والغبار؟ هل يرون أيادي تمتد لاحتضان رضيع من تحت الأنقاض؟ هل يرون مدناً تهدّمت وأصبحت أشلاء؟
أربعون ثانية، كانت كفيلة أن تقتل أكثر من عشرين ألف روح، أربعون ثانية فقط! أرغب في احتضان الدمار ومن فيه، لأقول لهم: لستم وحدكم. نحن معكم، بدموعنا واحتراق قلبنا. نحن معكم، لن نترككم وحيدين. اصبروا، سنلتقي يوما ماً في غابة جميلة، حيث سنرقص على الردم والدم مبتسمين، كما أنتم الآن، في وجوهكم الحالمة الخاضعة لظلم الحياة. ما هذا الظلم يا الله؟
أنا غاضبة من الله، غاضبة من الطبيعة، غاضبة من حياتنا العبثية، حياتنا العشوائية. نأتي إلى هذه الدنيا، نكافح، نركض، نحلم، لتنثر روحنا على الملأ بثوان، لتلعب بنا العشوائية وتنتصر. أما نحن، فننكسر كالأرض مع الهزّات اليومية، نعم الهزّات الارتدادية التي تحصل كلّ يوم في لبنان، سورية وتركيا.
أهلنا في لبنان في حالة تأهب، وضعوا حقائبهم على باب منازلهم وينتظرون. الناس في لبنان لا ينامون، منهم من يتمسّك بأولاده ولا يُسمح لهم بالابتعاد، منهم من أصبحوا مهووسين بالدوران، وكأن رأسهم لا يتوقف عن الاهتزاز.
أما نحن، في الغربة، أتعلمون أننا لا ننام؟ أنّ القلق ينهش أضلعنا في ظلام الليل؟ أتعلمون كيف الخوف يمتصّ خلايا دماغنا؟ لا أعلم على من يجب أن ألقي اللوم؟ ألوم الحياة؟ تلك الحياة التافهة؟
تائهون على هذا الكوكب الفوضوي، ككائن غارق على هامش الحياة
أحيانا أقول، ليتني ولدت هنا، هنا حيث أنا الآن مغتربة. هنا، حيث حائط التواصل الاجتماعي تملأه ابتسامات وألوان، أو ربما مشاكل، تبدو في نظرنا نحن تافهة. هنا حيث نحن/ أنا، لا نشبههم بأي شيء.
كيف تتأقلم مع بلاد الغربة، كيف تنفصل عن واقعك المرير، عن أحزان وأشلاء، عن نكبات وانفجارات، عن موت يدور ويدور، ولا يريد أحداً سوانا، وفي هذه المنطقة بالتحديد، حيث نعيش غرباء في الغربة؟
لكننا نحاول، نحاول الجلوس معهم، الانخراط بأجوائهم، أحاديثهم، اهتماماتهم، تطلعاتهم. لا شيء. لا توجد أدنى خيوط التشابه، إنه لأمر معقد بعض الشيء. كيف نتأقلم؟ هل نرسم غيمةً ونقبع داخلها؟ هل نحلم بالرجوع في كلّ ليلة، ونصحو على واقع واقعنا في الغربة؟
يقال "لا يؤلم الجرح إلا من به ألم" ونحن نزرع جروحاً أينما ذهبنا. نحصد روحاً متعبة هشّة لا تنتمي لأي مكان، ولأي زمان. نصبح أجساداً تائهة بين كرتين أرضيتين، بين عالمين، عالم الموت وعالم الحياة. نصبح عاجزين، ونكتشف أننا تائهون على هذا الكوكب الفوضوي، ككائن غارق على هامش الحياة. نعيش بين عشوائيات المتاهة ونحاول العبور، العبور نحو بدايات تشبهنا. و"يا ناطرين الثلج ما عاد بدكن ترجعوا؟".