كيف انكشفت المؤامرة على حافظ الأسد
كان حديثُ "أبو الجود" عن ملابسات جنون خاله النقيب خالد، في السهرة الماضية، مليئاً بالمشاهد الكوميدية الهزلية التي تصلح لأن تكون موضوعاً لمسلسل رسوم متحركة (كارتون). أول هذه المشاهد جلوس الضباط الصغار، أثناء التحضير لاحتفالات الاستفتاء الرئاسي، على مقاعد خشبية عتيقة متشققة، ووجود نتوء ينخز في مؤخرة النقيب خالد بشكل مزعج، ولكي يتخلص خالد من النخز في مؤخرته عَيَّش حافظ الأسد، مع العلم أنه يكرهه!
وثانيها، اختلاطُ الضباط بـ"ضباط الصف" بالعساكر المجندين خلال الدبكة، هذا الاختلاط مستحيل أن يحدث في الأيام العادية، فالمجند، عندما يلتقي ضابطاً في الباحة، يجب أن يقف على بعد ست خطوات منه، ويضرب قدميه بالأرض بقوة، ثم يرفع يده ويلصقها بوجهه، مؤدياً التحية، شرط أن ترتجَّ يدُه كما لو أنها راسور (زنبرك)، وإذا وجد الضابط في تحية المجند نوعاً من التراخي أو الـ (طَعْوَجة) يأمره بأن يكرر، فيعص على نفسه، عندما يكررها، ويقويها بقدر ما يستطيع. وأحياناً يتطور الموقف بينهما، فيعطيه الضابط سلسلة من الإيعازات: انتبه. استاعد. عاري الصدر. منبطحاً. زاحفاً. التمرين التاسع خود وضع.
ويستمر بإهانته وتعذيبه جسدياً، وإسماعه الكلمات النابية من قبيل: جحش، كر، حمار، أستاذ، دكتور... حتى يرتوي، فيأمره بالوقوف وتكرار التحية، دواليك حتى يرضى عن رجولته، فيشجعه قائلاً: وحش. هذا النظام الصارم مسح به الضباطُ الكبار، يوم الاستفتاء، مؤخراتِهم، ونزلوا إلى الدبكة مع المجندين، وتأبطوا أذرعتهم، وضحكوا في وجوههم أثناء الدبكة والنخ، فتشجع المجندون، وحملوا العقيد قائد الكتيبة ذا الجسم الثقيل، ووضعوه فوق البرميل المملوء بزيت المحركات (الولولين)، وهنا حصل الموقف الكاريكاتيري الثالث، وهو أن لوح الخشب "الكونت بلاك" الذي يغطي فوهة البرميل كان مسترطباً، متآكلاً، فتهشم من الثقل، وزبط العقيد ووقع في البرميل!
هرع الجنود لإنقاذ العقيد، وأخرجوه خارج حَلَبة الدبكة وهم يهتفون: بالروح بالدم نفديك يا حافظ! وهكذا يكون المشهد الكوميدي الرابع قد بدأ، وسبب كوميديته أن الشخص الذي سقط في البرميل هو العقيد، فلماذا هتف أولئك المساطيل لحافظ الأسد؟!
طلع العسكري من الصف، وإجا لعند اللواء وضرب تحية قوية وقال له: يا سيدي، أنا بتذكر، لما مسكت ورقة الاستفتاء، لقيت مكتوب عليها من طرف اليمين "موافق" ومن طرف اليسار غير موافق، أنا شطبت (غير موافق) وقلت لحالي بخلي (موافق) ما بشخط عليها
قلت لخالي، بعدما روى لي كل هذه التفاصيل: طيب يا خال، أنا عندي سؤال، إنته جيت عَ الضيعة بدون بدلة عسكرية، وبلا رتب، وحالق شعرك ع الصفر، وعم تْعَيّش صدام حسين ومعمر القذافي، وكل أهل الضيعة صاروا يقولوا إنك جنيت.. ممكن تفهمني شلون صار كل هالشي؟
خالي خالد: بصراحة يا إبن أختي أنا بعدما طبيت الورقة في الصندوق حسيت بالعطب. خفت يكون في مركز الاستفتاء كاميرا خفية، ويعرفوا إني أنا اللي كتبت "غير موافق"، لأني بوقتها بكون تدمرت ع الخالص. في الاستفتاء السابق كنت أنا برتبة ملازم، صار استفتاء على حَفّوظة، ولقينا أثناء الفرز ورقة مكتوب عليها "غير موافق". وطبعاً استنفرت الكتيبة واللواء والفرقة، وصاروا يصيحوا في الميكروفون (إلى كافة الوحدات، اجتماع كافة العناصر أمام مبنى القيادة حالاً) فاجتمعنا، وألقى قائد اللواء كلمة توجيهية حكى فيها عن ذكاء الدول الإمبريالية، وقوة مخابراتها.. وشَرَحْ لنا كيف تعاملت هاي الدول مع الملف السوري، قال إنها بقيت تدرس هالملف أكتر من سنتين، حتى توصلت، في النهاية، إلى إنه كلمة السر في قوة الدولة السورية هوي وجود حافظ الأسد في مركز القيادة! ولحتى يزعزعوا هالقوة صاروا يسربوا للشعب السوري أفكار عن الديمقراطية، ومن جملة هالأفكار الهدامة إنه لازم السوريين يغيروا نظام الاستفتاء الرئاسي، يعني ما عاد يطلع ترشيح الرئيس من القيادة القطرية.. والأحسن، برأي هالأوباش، إنه يترشح كل شخص بتنطبق عليه الشروط لرئاسة الجمهورية، وتصير منافسة بين المرشحين، واللي بينجح صحتين على قلبه. وهيك بيكونوا ضربونا الضربة القاضية لما بيخلوا القائد الكبير حافظ الأسد يترك دفة قيادة السفينة، وبيجيبوا لنا مكانه واحد يخرب البلد، وهيك هني بيعملوا حالهم أبرياء، وبيقولوا لنا إنتوا خربتوا بلدكم بإيديكم، نحن أيش دخلنا؟ وكتطبيق عملي لهاي الفكرة بتلاقي واحد ندل وخسيس بيتسلل لصندوق الاستفتاء وبيغافل الناس وبيكتب على ورقته غير موافق! وقال قائد اللواء: منشان هيك أنا بدي أناشد ضمائركم، وأستحلفكم بشرفكم العسكري إنكم تريحونا وتوفروا علينا التعب في التحقيق، ونتجنب الكراهية والبغضاء اللي راح تنجم عن تبادل الشكوك والريبة بين بعضنا، فاللي كتب "غير موافق" يعترف هون أمام الجميع بما اقترفت يداه، وأنا بوعدكم إننا نسامحه، وإذا أحب نغير ورقته ونحط مكانها موافق نحن جاهزين، وإذا أصرّ على موقفه هوي حر، بس عالقليلة نحن منعرف مين هوي، وشو هيي الأسباب اللي خلته يرفض السيد الرئيس.
قلت لخالي خالد: العمى ما أجحشه هالقائد اللواء. معقولة حدا يعترف هيك اعتراف وهالشي يكلفه حياته؟
خالي خالد: لأ. بس هوي كان عم يلعب غير لعبة. بده يظهر نفسه على أنه قائد لواء قوي ومتمكن وقادر على الخروج من أكبر مشكلة بسهولة. لذلك، بعدما خلص خطابته صار في جو صمت رهيب، ما عاد حدا من عناصر اللواء يقدر يتنفس. وما نشوف غير في واحد مجند نص أجدب رفع إيده، وقال: بتسمح لي سيدي؟
قال له اللواء: نعم يا إبني. تعال لعندي لأشوف.
طلع العسكري من الصف، وإجا لعند اللواء وضرب تحية قوية وقال له: يا سيدي، أنا بتذكر، لما مسكت ورقة الاستفتاء، لقيت مكتوب عليها من طرف اليمين "موافق" ومن طرف اليسار غير موافق، أنا شطبت (غير موافق) وقلت لحالي بخلي (موافق) ما بشخط عليها. وبعدما رجعت ع الخيمة حكيت لرفقاتي اللي صار، قالوا لي هالشي غلط، لازم تحط إشارة على "موافق"، بقى بترجاك سيدي تسمحوا لي غير ورقتي لإني أنا كتير بحبه لقائدنا المناضل حافظ الأسد.. لما قال هيك يا أبو الجود تعال تفرج أيش صار بالكتيبة.. عم الفرح وبلشوا الكل يعيشوا، ووقف مقدم حقير صار يلقي شعر ما بعرف من وين حفظانه.. وبعد شوي أجوا الطبالين والزمارين وبقينا شي ساعتين ندبك.
قلت له: والعسكري اللي اعترف بذنبه أيش صار فيه؟
قال خالي: ولا شي. هوي ابن ضيعته لقائد اللواء، والظاهر إنه متفق معه إنه يطلع ويحكي اللي حكاه.. وهوي بالفعل بيحبه لحفوظة..
قلت لخالي: وإنته؟
قال خالي: أنا انكشفت بطريقة تانية. عرفت بعدين إنه رئيس الصندوق الملازم أول فطين كان عم يجبر العناصر إنهم يفرجوه الورقة قبلما يحطوها في الصندوق حتى يتأكد إنه الكل موافق. ولما سألوه، جاوب إنه هوي شاف وراق كل عناصر الكتيبة ما عدا ورقة النقيب خالد اللي غافله وحطها في الصندوق وهوي عم يرقص ع الطبل.