كأس العالم... الغرب وازدواجية المعايير

16 نوفمبر 2022
+ الخط -

في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول من عام 2010، فازت قطر بشرف تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022، بعدما اختيرت في التصويت الذي جرى يوم الخميس 2 ديسمبر 2010، بمقرّ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في مدينة زيورخ السويسرية. وأعلن رئيس الفيفا حينها جوزيف بلاتر عن نتيجة التصويت لتصبح قطر أوّل دولة عربية، وأوّل دولة مسلمة، وأيضاً أول دولة في الشرق الأوسط، تنال هذا الشرف. 

كان من الطبيعي أن تشعرَ دول عربية عدّة (ومنها من هي مجاورة لقطر، وتفوقها بعدد السكان والثروات بأضعاف مضاعفة)، بالغيرة والحسد، وأن تفعل المستحيل لمنع اكتمال الفرحة القطرية والعربية باستضافة المونديال، من خلال الترويج لشائعات، مفادها أنّ دولة قطر تورطت بدفع رشاوى من أجل الفوز بهذه الاستضافة، حيث تعتبرها بعض الدول المجاورة دولة صغيرة الحجم ولا تمتلك الإمكانيات الكافية لهذا الحدث، في حين أنّ لجنة أخلاقيات الفيفا برّأت الدوحة من التهم المنسوبة إليها، في تقريرها الصادر يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014.

لكن أن تظهر ازدواجية المعايير بوضوح يصل إلى حد الوقاحة من دول غربية تتشدّق بدفاعها عن حقوق الإنسان والديمقراطية والتعاطف مع الشعوب الأخرى، فهذا ما دفعني لكتابة هذه الكلمات في محاولة لكشف زيف تعامل الغرب مع الدول العربية والإسلامية. ولعل مطلع التقرير الذي نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" يوم 31 أكتوبر/ تشرين الأول، للكاتبة روثنا بيغم، وهي باحثة أولى في قسم حقوق المرأة 2022، والذي جاء فيه: "فوجئ عالم كرة القدم، بل أصيب البعض بالصدمة، لأنّ قطر فازت بحق استضافة كأس العالم فيفا للرجال 2022. فالدولة الخليجية الواقعة على شبه جزيرة، التي يزيد عدد سكانها قليلا عن مليون شخص، كانت لديها فقط ثلاثة ملاعب، وبنية تحتية ضئيلة أخرى، وحرارة صيفية تصل إلى 50 درجة مئوية، خير دليل على ذلك"، حيث تناست الباحثة وتجاهلت تماماً ما حققته الدوحة وما أنجزته في البنية التحتية والملاعب المكيّفة والشوارع المكيّفة وغير ذلك، بل ومع اقتراب بدء المونديال كثفت وسائل الإعلام الأوروبية والغربية من نشر تقارير تحمل الصيغة ذاتها.

لم يشاهد العالم أيّ ردّ فعل للأوروبيين بحق الانتهاكات التي وقعت للعمال أثناء تشييد روسيا ملاعبها من أجل استضافة كأس القارات 2017، وكأس العالم 2018

وبواقعية بسيطة عندما يكون هذا الكم الهائل من العمال يعمل في مكان واحد، من الطبيعي جداً أن تحصل حوادث في العمل، وهذا ليس حكراً على قطر، بل يحصل في كلّ دول العالم. ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، يقع أكثر من 337 مليون حادث عمل كلّ عام في جميع أنحاء العالم.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل شهدت عدّة مدن فرنسية خلال الشهر الماضي مظاهرات دعت العالم لمقاطعة كأس العالم في قطر بحجة الأخبار الواردة عن وقوع انتهاكات جسيمة للعمال في قطر، ووصل الأمر إلى حدّ صدور مواقف رسمية لعدد من المدن الفرنسية بمنع عرض مباريات كأس العالم عبر شاشات عملاقة في الساحات. في حين لم ير العالم أيّ ردّ فعل من قبل المجتمعات الأوروبية عندما أعلنت الصين عن افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية بكين 2022 رغم الانتهاكات الكثيرة التي تقوم بها الصين ضد الأقلية المسلمة. كما لم يشاهد العالم أيّ ردّ فعل للأوروبيين بحق الانتهاكات التي وقعت للعمال أثناء تشييد روسيا ملاعبها من أجل استضافة كأس القارات 2017، وكأس العالم 2018، في حين أنهم ينظرون اليوم إلى روسيا على أنها دولة مارقة بسبب غزوها لأوكرانيا، وهذا يعيدنا إلى البداية، أي ازدواجية المعايير في التعامل.

جلال سليمان
جلال سليمان
صحفي حاصل على درجة الماجستير في الإعلام والاتصال من المدرسة العليا للصحافة في باريس. يعرّف نفسه بالقول: "كلّ أسئلة الوجود وراء ظلّ حبيبتي مهزلة...ستبقى دوما بالنسبة لي هي المسألة".