قصة زواج بعثية

02 مارس 2020
+ الخط -
تفاصيل القصة التي رواها لنا الأستاذ كمال في سهرة الإمتاع والمؤانسة عن زواج الرفيق محمود "عضو فرع الحزب بإدلب" من الرفيقة جوجو كانت بالغة الإثارة.

عمد كمال إلى تعقيد الحكاية قدر المستطاع، إذ قال إن جوجو، ذات الثلاثين ربيعاً، تعرف أن "الرفيق محمود"، البالغ من العمر ستين عاماً، يعشق الأرض التي تمشي عليها، وقد حرق لأجلها مراكبه القديمة كلها؛ طلق امرأته، ودخل في حالة قطيعة مع أبنائه وبناته، وأصبح في كل يوم يعدّ ساعات الدوام بالدقيقة والثانية حتى يحين وقت الانصراف فيأتي إلى البيت، ويصطحبها معه في نزهة إلى منتزه جبل الأربعين، أو إلى حلب، أو إلى أحد محلات بيع البوظة والهيطلية في سراقب، يتناولان الطعام والحلويات ويعودان إلى البيت وهما في قمة السعادة.

ولكن جوجو نغصت عليه هناءته عندما طلبت منه تعيين شقيقها "رمضون" الذي يحمل شهادة الثانوية العامة الفرع الأدبي، بوظيفة مدير للدائرة الفلانية التي تشترط بالمدير أن يكون مهندساً، أو يحمل إجازة في الاقتصاد والتجارة، أو شهادة الحقوق. ولم تترك له فرصة ليراوغ، أو يُسَوِّف، أو يماطل، إذ هددته بالانفصال والعودة إلى بيت أهلها إذا هو لم ينفذ طلبها بحذافيره، وزيادة في التحدي سربت له معلومة تفيد بأن خصمه السياسي، عضو الفرع الآخر "الرفيق نوفل"، كان قد وضع عينه عليها منذ زمن طويل، وحينما علم نوفل بزواجها من محمود أصيب بصدمة عاطفية، وصار ينتف شعره ندماً، ويقرع نفسه ويقول "راحت جوجو من إيدي، يلعن حظي"، ثم راح نوفل ينسج الآمال منتظراً أن يقع خلاف بين جوجو ومحمود يؤدي إلى انفصالهما ليدخل هو على الخط، وفي حال طلاقها من محمود لن يتوانى في أن يطلق زوجته ويتزوجها، ويعلن عشقه لها على رؤوس الأشهاد.


قال أبو محمد: بالفعل هالقصة معقدة. أنا شايف إنه محمود راح يخسر وظيفته بالمحصلة، وإذا خسرها راح يخسر جوجو كمان، لأنها في الأساس تزوجته حتى تستفيد منه.

قال كمال: عليك نور يا عمي. لكن واحد انتهازي متل محمود مو بهالبساطة ممكن يرمي سلاحُه. والحقيقة إنه فَكَّرْ بعدد كبير من السيناريوهات اللي ممكن تنجّيه من الأزمة، وتمكّنه من إيصال الفتى الهضيلة "رمضون" لرئاسة الدائرة الفلانية لترضى عليه جوجو وفي الوقت ذاته ما يخسر عمله.

من هالسيناريوهات: فَكّر يشتري لرمضون شهادة ليسانس في الاقتصاد، أو في الحقوق، من إحدى دول الاتحاد السوفييتي المنفرط.. ولما خطرت له هالفكرة واتصل بالرفيق غسان اللي ساعد أكتر من رفيق بعثي على شراء دكتوراه، وأبدى استعداده لدفع أي مبلغ بينطلب منه، لكن غسان اعتذر له، وقال له إنه هاي الدول بتبيع شهادات الدكتوراه، وما في بالعادة تبيع ليسانسات.. وحتى شهادة الدكتوراه، ما بيبيعوك إياها إذا ما كان معك شهادة جامعية من بلدك.

قال أبو ماهر: بتعرف يا أستاذ كمال؟ أنا كتير حبيت هالقصة. دخلك شلون انحلت بعدين؟

قال كمال: فكر الرفيق محمود بسيناريو تاني، عَرَضُه على جوجو، وقال لها إنه هادا هو الحل الوحيد. وتفاصيله كما يلي: بيتقدم رمضون بطلب توظيف في المديرية الفلانية، بموجب الشهادة الثانوية اللي بيمتلكها، وهوي، يعني محمود، بيتصل بمعاون مدير الدائرة المكلف بتسيير الأعمال، وبيطلب منه يعينه، وبعد التعيين بفترة شهر أو شهرين، بيحكي محمود مع أمين الفرع ويخليه يعزل معاون المدير الحالي ويعين رمضون مكانه، وهيك بيصير رمضون معاون مدير، ومكلف حكماً بتسيير شؤون المديرية إلى حين تعيين مدير بشكل رسمي، وبما أن التعيين بيطلع من مكتب محمود نفسه، بإمكانه يأخر عملية تعيين المدير زمن طويل، وهيك رمضون بيصير كأنه مدير، أما تعيينه مدير بهاي الشهادة فغير ممكن إذا ما قلنا مستحيل.

قال أبو جهاد: يعني القصة انحلت.

قال كمال: لا والله ما انحلت، لإن الرفيقة جوجو ما رضيت، وقالت إنه أخوها رمضون مو مستعد يطلع بين الناس بصفة معاون مدير! ومو بس هيك، كمان السيارة اللي بيسلموها لمعاون المدير أقل فخامة من السيارة اللي بيستلمها المدير. على كل حال السيناريو النهائي كان فعلاً بارع جداً، وبيثبت بالدليل القاطع إنه واحد متل محمود، دابك في ذكرى الحركة التصحيحية مية مرة، ومفتوق بنطرونه أثناء الدبكة شي خمس مرات، مستحيل يرمي سلاحه وما يهتدي لحل يرضي حبيبة قلبه الرفيقة جوجو.

وفي يوم من الأيام، بلش محمود بتطبيق الخطة تبعه، وهيي التالية: محمود رشح السيد (أيمن) اللي معه دكتوراه في الهندسة، وسمعته نضيفة جداً، لتعيينه بصفة مدير. لما رشح أيمن الناس كلها اندهشت. وصاروا يقولوا إنه الرفيق محمود شخص نزيه ومحترم بدليل إنه رشح الشخص المناسب للمنصب المناسب. فجأة تقدم رفيق بعثي وسخ جداً اسمه (سالم)، وزعم إنه معه إجازة في الاقتصاد. الحقيقة إنه سالم كذاب، هوي درس في كلية الاقتصاد للسنة التانية وترك.. وسالم كتيب تقارير من الطراز الرفيع، فكتب تقرير لأحد فروع الأمن، وللقيادة القطرية، قال فيه إنه المرشح أيمن مو بعثي، وعنده ميول سلبية معادية للقائد التاريخي حافييظ.. ورشح نفسه مكانه، لأنه هوي بعثي وجامعي. هون المخابرات دخلوا ع الخط، وطلبوا من محمود إنه يرشح الرفيق سالم ويعتبره (خيار رقم 2) بعد أيمن. محمود وافق.

قال أبو محمد: يا شباب أنا دخت. الأستاذ كمال عقد القصة كتير.

قال كمال: روق عمي أبو محمد، قربنا نوصل للقفلة. هون محمود بلش يستثمر الخلاف اللي جرى بين البعثي المخبر سالم والمرشح اللي حامل شهادة دكتوراه في الهندسة أيمن، وصار ينفخ في نار الأزمة لحتى يقويها.. والقصة كبرت حتى اضطر أمين الفرع يتدخل، وعقد اجتماع موسع لقيادة الفرع من أجل حل الخلاف والتوصل لحل وسط.

الرفيق محمود حكى في الاجتماع وقال إنه المرشح المناسب طبعاً هوي أيمن، لكن أيمن انحرق، ومستحيل القيادة تقبل فيه بعد التقارير الحارقة اللي انكتبت بحقه من قبل سالم، وخاصة البند اللي بيقول إنه معادي للقائد حافظ.. أما سالم فهادا شخص مكروه وكل الناس راح تنزعج إذا عيناه.

وأضاف محمود: الأفضل حالياً إنه نجيب شخص لا هو من العير ولا من النفير، يعني لا بيعض ولا بيخرمش، ونعينه مدير للدائرة بشكل مؤقت، ويمكن نتغاضى عن شرط الشهادة حتى نطلع من المشكلة. وهادا الشخص هوي الرفيق رمضون.
وبالفعل عينوه.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...