في مجالس شيخي الحكيم (3)

15 ابريل 2023
+ الخط -

شيخي رجلٌ طاعنٌ في السن، لكنه خَبَرَ الناس، وعَلِمَ تقلبات الزمان، وله في الحكمةِ باعٌ طويل، وأنا أزورهُ بين الفينةِ والأخرى لأتزوّدَ من حكمته.

هو معتكفٌ في خلوته، يتعبّد بالتفكّر، ويرى أنّ تلك العبادة أهملها كثيرٌ من الخلق.

وهنا أوردُ بعضاً مما دار في مجالسه.

(1)

سألتُ شيخي ذاتَ يوم: هل تموتُ المدن؟

قال: نعم

قلتُ: كيف؟

قال: إذا عاش أهلها كالقطيع!

(2)

سألتُ شيخي: لِمَ الفتن؟

أجاب: لغربلة الناس.

قلتُ: ألا تكفي الحياة وطولها لغربلتهم؟

قال: وما الحياة إلا فتنة طويلة الأمد!

(3)

سألت شيخي: ما هو الوطن؟

قال: هو بُعد الجغرافيا الذي تحسّ بالانتماء إليه، ولا تجد له بديلاً ولو ساوموك عليه بالجنة نفسها!

قلتُ: وإذا لم أجد هذه الأحاسيس في بُعد الجغرافيا الذي أعيشُ فيه؟

قال: إذن، أنت مغتربٌ حيثما أنت!

(4)

سألت شيخي: لقد زاد الظلم على هذه الأمة في الآونة الأخيرة، فمتى يُرفع عنا؟

قال: هل كلّ الأمة ضد هذا الظلم؟

قلتُ: لا، بل هناك من أبناء الأمة منْ يناصر الظلمة!

قال: وهنا يكمن بقاء الظلم.

قلتُ في حيرة: كيف؟

قال: عندما تستنكر الأمة كلّها هذا الظلم سيزول.

قلتُ: لكن لا بدّ لكلّ ظالم من مناصرين، وإلا كيف فسيستمر!

قال: صحيح، لكن عندما تكون المناصرة من فئة قليلة وأغلب الأمة مستنكرة للظلمة، سيأتي الفرج.

قلتُ: إذن، ما زال الفرج بعيداً!

قال: لا تدري.. فالقلوب متقلّبة، وإذا أراد الله للأمة الفرج، هيّأ لها أسبابه.

قلتُ: ومتى يكون ذلك؟

قال: عندما تستحق الأمة ذلك!

قلتُ: ألا تراها في ظلماتها الداجية التي تعيشها هذه الأيام تستحق ذلك؟

قال: ليس ما أراه أنا أو أنت، لكن ما يراه ربّ الأمة، سبحانه وتعالى، العالِم بمكنون الصدور!

(5)

مما أدركت من أقوال شيخي الحكيم:

"كلّ مُتع الدنيا يكدّرها منظرُ جنازةٍ عابرة"

هذا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

دلالات
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري

مدونات أخرى