فرع فلسطين السويسري تجسس علينا

28 ديسمبر 2017
+ الخط -
يعود تاريخ هذه الحكاية إلى سنة 2009. أنا جالس في بيتي بمدينة إدلب وإذ بصديق لي من بلدتي معرتمصرين يتصل بي ويقول:

- إذا عندك وقت تعال إلي، لازم أشوفك، عندي كلام لا أستطيع أن أقوله لك عبر الهاتف الأرضي، ولا عبر الموبايل.. (لأن الخطوط مُرَاقَبة)..

كنت في الطريق إلى معرتمصرين، أحدث نفسي قائلاً، إن الديمقراطيات الغربية، التي لا تُعجب بعض الناس عندنا، عبارة عن نعمة تُباس عليها اليدُ وجهاً وقفاً.. ففي سويسرا، مثلاً، لا يستطيع أخو أخته من (فرع الأمن العسكري) أو (فرع أمن الدولة) أو (فرع الأمن الجوي) أو (فرع فلسطين السويسري!) أن يتجسس على مراسلات المواطنين إلا في حدود ضيقة، وضمن موافقات وبروتوكولات معقدة، ولمدة قصيرة، ومحددة.. وإذا اكتشف حضرة المواطن، أن ثمة مَنْ يراقب هواتفه، وبريده، فإنه يستطيع أن يلعنَ (سنسفيل) الجهة التي تراقبُه، ويفضحَها (على سكة جنيف)!!..


وأما عندنا فإن (تشكيلة) المفارز الأمنية لها مقرات (علنية) في مراكز البريد والبرق والهاتف!!.. ورامي مخلوف صاحبُ شركات الموبايلات، هو، نفسه، مُخبر، ولذلك فهو لا يبخل بوضع القمر الصناعي الذي يغطي موبايلاتنا كله تحت تصرف رفاقه المخبرين، ليلاً نهاراً فقط.. وقد علمتُ، بالمصادفة، أن مراقبة تلفوناتنا الأرضية تتم عبر رزم عشوائية، بحسب سعة الجهاز، يعني، المخبرون، في هذا الشهر يراقبون ألفَ رقم هاتفي، وفي الشهر التالي يراقبون ألفاً ثانية، وهكذا دواليك..

وقلت لنفسي معاتباً: دخيل الذي خلقك وصورك، يا أبا المراديس، إذا كانت القوانين التي وضعها حافظ الأسد تسمح لعنصر المخابرات أن (يُميت) مَنْ يشاء من المواطنين السوريين، تحت التعذيب، ولا يحق لابن امرأة- في سورية أو في خارجها- أن يسأله لماذا أَمَتَّهُ؟.. أفلا يحق لهؤلاء المناكيد أن يدخلوا على خطوطنا ويسمعوا كل ما نقوله، حتى عبارات الغزل التي يتبادلها أبناؤنا الشبان مع خطيباتهم، وبناتُنا الصبايا مع خاطبيهنَّ؟

قال لي صديقي المعرتمصريني بعد أن وصلت إلى بيته وقدم لي كأساً من الشاي: دير بالك على حالك، الأمن العسكري يصورون مقالاتك ويرسلونها إلى دمشق، وقد توقفوا اليوم، بشكل خاص، عند قصتك التي تحكي فيها عن "جماعة كوبنهاغن"!

الحقيقة أن بطل القصة المقصودة هو صديقي الروائي (عين) من بلدة كفرنبل. وملخص القصة أن المخبر الذي كان متخصصاً بنا نحن الكتاب، كتب، في أحد تقاريره المسلية، إن "عين" من جماعة كوبنهاغن! (وهي جماعة من الناشطين السوريين جلسوا، في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، قبل بضع سنوات، مع بعض الناشطين الإسرائيليين)!

تحين "عين" الفرصة، إلى أن عقدت جلسة ضمت عدداً كبيراً من أهالي المنطقة (كفرنبل وما حولها)، وكان المخبر موجوداً، فقال:
- أنا اليوم استدعيت إلى العسكري بتهمة الانتساب إلى جماعة كوبنهاغن، الآن أريد أن أسأل المخبر المحترم، وهو موجود بيننا: كوبنهاغن، هل هي سلسلة جبال في إيطاليا، أم هي نهر في البرازيل؟ فإذا عرف الجواب فسوف أُعلنُه كبيراً لمخبري المنطقة، بالتعيين، وإذا صار عنا شوية ديمقراطية، وانتخابات، ورشح نفسه لهذا المنصب فسوف ننتخبه أنا وأصدقائي الذين نعاني من تقاريره الحقيرة!

(في الحقيقة ذلك المخبر كان ضحل الثقافة، وكان يكتب التقارير بحقنا بالطريقة السماعية.. لذلك اغتبق وجهه، وغادر الجلسة، بينما انفلت الحاضرون بالضحك)!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...