فردوس الأفكار الراسخة

11 يونيو 2023
+ الخط -

إنّ ما يستهدف قناعاتك الذاتية هو عجزك الدائم عن دعمها مع مرور الزمن. فما كنت تؤمن به سابقاً من أفكار، عرفتها أو فهمتها على أنها وجيهة ومنطقية، لن تتقبل بسهولة عملية تغييرها. كما أنّ هاجس الحفاظ عليها وحمايتها من جلّ أشكال النقد والدحض يغذّي، على الدوام، عملية ثباتها وديمومتها. واعلم أنك بهذا تفضّل فردوس الأفكار الراسخة ذات الطابع المستقر على أن تجابه جحيم خسوفها وانهيارها أمام وابل من البدائل العقلانية. كما لم تعد فقط راحتك النفسية المعطى الوحيد المهدّد بالاختناق، بل ستتكبّد ترسباتك الفكرية هزائم مرهقة، ولذا ثمّة خشية من وقوعك في جوف هوّة القنوط اللامتناهي.   

لكن هل حقا تحتاج مواصلة الدفاع عن أحكامك، توابيتك ومسلّماتك؟ أدعوك إلى أن تسرد من جديد فصولك بمنأى عن أيديولوجيات قاموس الفعل العنيد. حري بك إضفاء سلاسة تساند درب التغيير لعلك تستعيد جوهر التفكير، إذ يتطلب الأمر بأن تُلقي بتلك الأوتاد الراسخة والجليد المطبق في أعماق المتفق عليه. يُخيّل لك أنك قد أمسيت محاطاً بالغياهب والخواء الدائمين غير أنك تشهد الآن بوادر إحياء وانبعاث نواة تفكيرك، تلك الخاصية الفريدة التي منحتها جلّ أشكال الإقصاء والتكبيل، إذ أجدت حقاً، طرق اضمحلالها، واقتبست من المجتمع خصوصية التنكيل والعبث بها، لتجسّد أصول ظفرك بمزاعم السعادة. 

السعادة هي المصطلح الذي وضع له المجتمع تعريفاً وتفسيراً ارتآه مناسباً له، إذ اختزله في ثلاثية الأبعاد التالية، ألا وهي اللامبالاة القاسية والسطحية المطلقة والاقتباس المجحف أو المفرغ. اعتقدت أنّ السعادة تكمن في اعتباطية التصرّف والتفكير. وهذا الأخير الذي يبدو لك ظاهرياً أنك لم تتنكر له يوماً، بدليل مدى قدرتك على استنباطك أعتى "نظريات المؤامرة" خبثاً وتعقيداً، حيث لك من الحجج (إن صح قول ذلك) ما تعجز عنه الدلالات المنطقية والأعمال الاستقصائية الجدية، للخوض فيها أو محاولة إثباتها. 

حري بك إضفاء سلاسة تساند درب التغيير لعلك تستعيد جوهر التفكير

وما يغذّي ويُلهم أيضا تلك الاعتباطية المتقدة، نفحات توجيه الاتهامات، وهي عبارة عن أحكام مسبقة لا بأس بها أثناء المجالسة. وما يعتري هذا التكييف في هذا السياق امتثاله إلى واجبات الذاتية، الأمر الذي معه تتداعى مختلف أساليب المعقولية والعقلنة. وغالباً ما يسفر هذا التكييف عن عقوبات مجتمعية ذات طابع ارتجالي تتعلّق بكلّ ذات مثلت موضوعاً لنقاشاتهم المتضاربة. فلكأن النفوذ المجتمعي يتنامى جاهه من خلال هذه التفاصيل المريبة المتواترة والتصرّفات الفردية القطعية.

ويجدر التطرق هنا إلى مسألة كيفية التعامل مع تلك الاستنتاجات المغايرة، والتي كثيراً ما صُنّفت معادية لما عهدناه من زجر فكري مجتمعي، لطالما اعتد بمفاهيم العلوية والأحادية. إذ إنّ مختلف الإجابات تدفعك إلى حتمية الانسلاخ من محادثة ديكتاتورية تنتفي معها مساعي إبراز عصف ذهني مقابل. كيف لا، والامتياز يعهد فقط للفرضيات، التي تستحي أن تمثل مادة لسيناريوهات "الخيال العلمي". 

لذا نقول لك في النهاية: إما أن تنساق أو ستظل من ذوات الأعداء، لك منّا كل الاستهزاء...ألم تتعرّف بعد على مرونة تعدّد أساليب الإخماد؟  

DD9C7DB9-511D-46DD-9256-EDAEC04C4139
إسماعيل الهدار

شاعر وكاتب تونسي، باحث في القانون العام بكلية الحقوق في صفاقس.