عيد الرفس والتعجيق وتكسير الرؤوس

04 يونيو 2019
+ الخط -
انعقدتْ جلسة "الإمتاع والمؤانسة" التي صادفتْ يوم وقفة عيد الفطر في مقهى (Laviyola) في شارع الاستقلال بإسطنبول. وكان هذا الأمر اضطرارياً، إذ لم يتطوع أحدٌ منا معلناً استعدادَه لاستضافة المجموعة في هذا اليوم، بسبب انشغال السيدات بتنظيف المنازل وترتيبها استعداداً لاستقبال المهنئين بالعيد. وحينما طَرح "أبو إبراهيم" فكرة إلغاء سهرة الليلة واعتبار هذه الليلة استراحةً للمحاربين، لم يلق اقتراحُه قبولاً، وقرر الحاضرون أن يأتوا إلى المقهى بعد الساعة التاسعة لئلا يخسروا متعة اللقاء.

قال الأستاذ كمال: اليوم جاية عَ بالي نحكي عن موضوع "الاستطراد"..
قال أبو الجود: طول بالك أستاذ كمال، إذا إنتوا الأساتذة الفهمانين مفكرين تاخدونا بالعَبْطَة بتكونوا غلطانين. بدي أفهم أشو يعني اسْتِطْرَاد؟ (لفظها بصعوبة)!


قال كمال: "الاستطراد" يا أبو الجود يعني إنكْ بتكون عَمْ تحكي قصة، بتتذكرْ قصة تانية شبيهة فيها، وعلى الفور بتترك القصة الأولانية وبتنتقلْ للتانية. بهالحالة نحن منقول: أبو الجودْ (اسْتَطْرَدْ). أو ممكنْ أنت تحكي قصة وأنا إسْتَطْرِدْ بالنيابة عنكْ. وهاي الحالة بتحدثْ لما بيكون في بالسهرة أشخاص بيحبوا الحكي. بتلاقي كل واحد منهن عم يحاول يخطف الحديث من التاني ويستطردْ.

قال أبو زاهر: طيب أستاذ كمال. نحن راح نتنازلْ عن حصتنا بالحكي الليلة إلك ولأبو الجود. تفضل.

قال كمال مخاطباً أبا الجود: أنت حكيتْ لنا حكايتكْ مع عامل المقسم تبع الهاتف، وكيف أنت سَبِّيْتُو وهوي سبك، وركضت أنت باتجاه البريد، وهوي كان مجنون أكتر منك، بدليل أنو تركْ غرفة المقسم وركضْ باتجاهكْ، وتشاجرتوا، ولولا أنو كان في ناس عقلاء وتدخلوا بينك وبينو كان ممكن يقتلك أو تقتلو. هاي القصة دلالاتها سيئة جداً.. تصور أنكْ ترتكبْ جريمة قتلْ وتزهقْ حياة إنسانْ، أو أنك تموتْ وتخسر حياتك كرمال تَصَرُّفْ أحمقْ، يعني عملياً بيكونْ واحد منكن راح ببلاش. من ناحية تانية، بدي قولْ إنو إذا نحنا ولاد البلدْ عَمْ نضربْ بعضنا ونسب بعضنا على سبب تافهْ، كيف ممكن نتوحد ونبني حضارة ونواجه الـ..

سعل أبو إبراهيم وقال: إحم إحم.. أشو هاد يا أستاذ كمال؟ بلشنا نلقي خطابات؟
قال كمال: أنا والله عم إحكي جدْ، وما عَمْ إلقي خطابات. كل ما في الأمرْ أني بدي آخدْ قصة أبو الجود وأعملْ عليها "استطرادْ"..
قال أبو إبراهيم: الاستطرادْ يا أستاذ كمالْ بيكون حكاية بحكاية، مو حكاية بخِطَابة!

قال كمال: طيب يا سيدي، الحقْ معك. راح أحكي حكاية ما فيها أي نوع من المواعظ والحكم والخطاباتْ. من زمان كان في إنسان ذكي كتيرْ، وما بيحب يعملْ مشاكلْ مع الناس، إسمو عبدو. وذاتْ مرة كان ماشي في السوق، وفجأةً؛ أجا واحدْ أزعرْ وضربو كفّ طَيَّرْلُو واحدْ من أسنانو الأمامية. هادا الإنسان الذكي "عبدو" بتعرفوا كيف تْصَرَّفْ؟

قال أبو جهاد: أكيدْ ضربو عشرين كف وعشرين رفسة وعشرين بوكس للشخص الأزعرْ!
قال كمال: لا، أبداً، ما عمل هيك. طَلَّعْ من جيبو منديل ورقي وحطو مكان السن اللي انقلعْ، والتفتْ عَ الرجل القبضاي وقال له: أنا بتشكركْ كتير يا أخي الكريم لأنك ضربتني. ممنونك لأبعد الحدود.

استغرب القبضايْ وقالْلو: غريب طبعكْ، ما بيكفي أنك سكتت ع الإهانة، كمانْ عَمْ تتشكرني؟!

قال الرجلْ: كأنك ما بتعرفْ اليوم في عيدْ اسمو "عيدْ ضربْ الكفوفْ"؟ بهالعيد كل واحد بتضربو كف لازم يتشكرك ويعطيك مية ليرة. تفضلْ يا أخي. هاي مية ليرة مني إلك حلال زَلالْ.

انبسطْ الرجل القبضاي الأهبلْ، وأخدْ المية ليرة وصار يمشي بطريقة "خصلة وعنقود والباقي فراطة". وصَدَّقْ طبعاً أنو اليوم في عيدْ اسمو "عيدْ ضربْ الكفوفْ"!.. وبعدما مشي كم خطوة شاف قدامو رجل تاني ماشي في سبيلو، رفع إيدو لفوق وضربو بالكف. وعلى الفور الرجل التاني سحب المسدس من خصرو، ولَقَّمُو، وقال له: ارفاع إيديك لفوقْ ولاك حيوانْ! خاف القبضاي ورفع إيديه لفوقْ، واندفع الرجلْ باتجاهو ورفسو رفسة بين رجليه خَلّتُو يوقعْ ع الأرض متل كيس الخردُقْ.. وبلش يدعس عليه بإيديه ورجليه لحتى ساواه متل الخرقة، والقبضاي الأزعر عم يقلو: والله يا أخي ما قصدي أضايقك أو أزعجكْ، أنا ضربتكْ لأنو اليوم "عيدْ ضربْ الكفوفْ"!

جملة واحدة قال له إياها الرجل. قال له:
- أنت غلطان يا قبضاي، اليوم (عيد الرفس والتعجيق وتكسير الروس الفارغة اللي متل راسك)!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...