عن الطبيب حسام أبو صفية وحرق مستشفى كمال عدوان

01 يناير 2025
+ الخط -

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة في السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، والقطاع يعيش في أسوأ الظروف الإنسانية على الإطلاق، حيث يواجه الفلسطينيون فظائع يومية، إذ تتعرّض المرافق الحيوية والطبية، مثل مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع، للدمار المستمر.

الحادثة التي أثارت تعاطفاً عالمياً كانت الهجوم على هذا المستشفى، الذي كان آخر صرح طبي في المنطقة، واختطاف مديره، الدكتور حسام أبو صفية، في مشهد يعكس القتل اليومي والانتهاكات الهائلة التي يواجهها سُكّان القطاع.

استهداف مستشفى كمال عدوان: جريمة ضد الإنسانية

استهدفت القوات الإسرائيلية مستشفى كمال عدوان في شمال غزّة بشكلٍ ممنهج، في خطوةٍ قُصد بها تدمير آخر مؤسّسة طبية قادرة على تقديم الخدمات في تلك المنطقة المنكوبة. المستشفى، الذي كان بمثابة آخر أمل للمرضى في شمال غزّة، تعرّض للقصف الشديد والتدمير، ورغم المحاولات المتعدّدة للإخلاء، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم ينتظر حتى يتم إخلاء الكوادر الطبية والمرضى بالكامل، بل بدأ في حرق المستشفى، ما أسفر عن استشهاد العديد من الطواقم الطبية، بين ممرضين وأطباء، ممّن لم يتمكّنوا من الخروج.

هذا الهجوم لم يكن حادثاً عرضياً بل هو جزء من سياسة إسرائيلية مُمنهجة تستهدف المؤسسات المدنية والطبية في غزّة. الهجوم على المستشفى يُعدّ انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر استهداف المنشآت الصحية، وهو ما يشير إلى استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تدمير البنية التحتية الطبية وزيادة المعاناة اليومية للفلسطينيين.

تمّ تدمير أكثر من 50 منشأة طبية في القطاع منذ بداية العدوان، ما جعل الوضع الطبي أكثر كارثية

وبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، تمّ تدمير أكثر من 50 منشأة طبية في القطاع منذ بداية العدوان، ما جعل الوضع الطبي أكثر كارثية. يعكس هذا التدمير المنهجي للمرافق الصحية والعامّة سياسة إسرائيلية مدروسة تهدف إلى تجاهل القوانين الدولية والإنسانية بشكل صارخ، من خلال استهداف البنية التحتية الحيوية وقتل السكان المدنيين بوحشية، إذ تسعى إسرائيل إلى تحويل غزّة إلى أرض غير صالحة للعيش، لإجبار من تبقى من سكانها على النزوح ومنع أي إمكانية لعودة الحياة إلى القطاع مستقبلا.

اختطاف الدكتور حسام أبو صفية

اختطاف الدكتور حسام أبو صفية جريمة إضافية في سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية التي تعكس استهدافاً منهجياً لرموز الإنسانيّة والصمود في غزّة.

وفقاً لشهادات شهود عيان، قام الجيش الإسرائيلي باختطاف الدكتور أبو صفية من داخل مستشفى كمال عدوان أثناء قيامه بواجبه الإنساني وسط القصف والدمار. ولا يزال مكانه وحالته مجهولين حتى الآن، لكن أسرى فلسطينيّين تمّ الإفراج عنهم أكّدوا تعرّضه للتعذيب باستخدام أسلاك الكهرباء، في محاولة لإخضاعه وكسر إرادته.

الدكتور حسام أبو صفية لم يكن مجرّد طبيب أو مدير مستشفى، بل رمز للإنسانيّة والتحدّي في وجه آلة الحرب الإسرائيلية

الدكتور حسام أبو صفية لم يكن مجرّد طبيب أو مدير مستشفى، بل هو رمز للإنسانيّة والتحدّي في وجه آلة الحرب الإسرائيلية. رغم استشهاد طفله في وقت سابق من العدوان، رفض مغادرة المستشفى أو التخلّي عن مرضاه حتى في أحلك الظروف، وهو ما يجعل اختطافه جزءاً من سياسة إسرائيلية تهدف إلى تدمير إرادة الشعب الفلسطيني وقادته.

هذا السلوك الوحشي لا يعكس فقط انتهاكاً صارخاً للقوانين الدوليّة بل يُظهر إصرار الاحتلال على استهداف كلّ من يجسّد روح المقاومة الإنسانيّة في غزّة.

 دلالات العدوان الإسرائيلي على غزّة

استهداف المستشفيات، واختطاف الشخصيات الطبية البارزة، يعكسان تصعيداً إسرائيلياً مُمنهجاً في محاولة لتدمير المقوّمات الأساسية للحياة في غزّة. إنّ الهجوم على مستشفى كمال عدوان يتماشى مع استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى كسر صمود الشعب الفلسطيني، وتقويض قدرته على المقاومة، فهذه الاستراتيجية جزء من سياسة شاملة تهدف إلى إبادة الفلسطينيين على مختلف الأصعدة.

الدور الأميركي في هذا العدوان يظلّ محورياً، حيث تواصل الولايات المتحدة تقديم الدعم العسكري اللامحدود لإسرائيل، وهذا الدعم لم يقتصر على توفير الأسلحة المتطوّرة فقط، بل يشمل أيضاً تبني سياسة دعم إسرائيل في المحافل الدولية، فالولايات المتحدة تستخدم حق "الفيتو" في مجلس الأمن لعرقلة أيّ محاولة لإدانة الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزّة، وهو ما يضع العديد من الأسئلة حول دور القوى الغربية في تأجيج الأزمة الإنسانية في المنطقة.

الدعم الدولي لإسرائيل

الدعم الدولي، وعلى رأسه دعم الولايات المتحدة، لإسرائيل يلعب دوراً رئيسياً في استمرار العدوان الإسرائيلي على غزّة، لأنّ الولايات المتحدة تساهم في توفير الأسلحة والذخائر المتطوّرة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في عملياته العسكرية.

هذا الدعم لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل يمتدّ إلى الدعم السياسي، حيث تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع إصدار قرارات تدين الهجمات الإسرائيلية.

على الرغم من الدعم الدولي لإسرائيل والضغط السياسي المستمر، لن يتوقف الفلسطينيون عن مواصلة نضالهم

في المقابل، فإنّ العديد من الحكومات الأوروبية أبدت قلقاً علنياً بشأن تصاعد العنف في غزّة، إلّا أنّ هذا القلق لا يُترجم إلى خطواتٍ عملية لوقف العدوان، وبدلاً من ذلك، يستمر الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل، وهو ما يثير تساؤلات حول التناقض الواضح بين الخطاب الغربي الداعي لحقوق الإنسان والسياسات الفعلية التي تعزّز وحشية الاحتلال.

تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 أكد هذا التناقض، مشيراً إلى أنّ الدعم العسكري الغربي، خاصة مبيعات الأسلحة، يساهم بشكل كبير في استمرار الهجمات على المدنيين في غزّة، وطالب بضرورة وقف توريد الأسلحة لإسرائيل حتى تتوقف عن ارتكاب المزيد من الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية.

هذا الدعم العسكري والاقتصادي، المقرون بالصمت الدولي، لا يعكس التزاماً أخلاقياً أو قانونياً، بل يدعم السياسات الإسرائيلية التي تُمعن في تقويض حقوق الفلسطينيين.

الدعم العربي: الصمت والتواطؤ

أمّا على الصعيد العربي، فإنّ مواقف الحكومات تختلف بشكل ملحوظ؛ بينما تواصل بعض الدول العربية الصمت أو تتبع سياسة التطبيع مع إسرائيل، فإنّ هناك البعض الآخر الذي لا يزال يُظهر دعماً معنوياً للفلسطينيين، ولكن في الوقت نفسه، تستمر بعض الدول العربية في التعاون مع إسرائيل في مجالات مختلفة، من بينها الترتيبات العسكرية ونقل الأسلحة عبر موانئها، ما يساهم في تعزيز قدرات إسرائيل على مواصلة عدوانها.

متى سيقف المجتمع الدولي ليحاسب إسرائيل على جرائمها؟ ومتى ستنتهي هذه المأساة الإنسانية والإبادة الجماعية والمنقولة صوتاً وصورة من غزّة؟

الدول العربية التي تدعم استمرار التطبيع مع إسرائيل، مثل الإمارات والبحرين ودول أخرى، وتساهم بشكل غير مباشر في تعزيز قدرة الاحتلال على شن هجماته، تشكّل تحدياً كبيراً أمام الشعب الفلسطيني في غزّة، الذي يرى مع الشعوب العربية والإسلامية الأخرى في هذا الدعم العربي خيانة للقضية الفلسطينية وللفلسطينيين، والتفافاً على الإرادة الجماهيرية برفض اغتصاب الأراضي العربية.

العقبات المقبلة ومواصلة الصمود

في خضم كل هذا الدمار، يبقى الشعب الفلسطيني في غزّة متمسّكاً بحقوقه في الحياة والحرية. حرق مستشفى كمال عدوان واختطاف الدكتور حسام أبو صفية هما جزء من ممارسات إسرائيلية تهدف إلى تدمير الإرادة الفلسطينية، لكن المقاومة تظلّ الخيار الوحيد، فعلى الرغم من الدعم الدولي لإسرائيل والضغط السياسي المستمر، لن يتوقف الفلسطينيون عن مواصلة نضالهم. ويبقى السؤال المؤرّق: متى سيقف المجتمع الدولي ليحاسب إسرائيل على جرائمها؟ ومتى ستنتهي هذه المأساة الإنسانية والإبادة الجماعية والمنقولة صوتاً وصورة من غزّة؟