عن اكتشاف الذات وتقديرها
إنّ ذاتك هي من يوصلك إلى حيث تريد. لكن: ما علاقة هذا القول بالكينونة؟ من أكون؟ وهل من الممكن جعل الذات أكثر قدرة على التحقّق؟ وما الذي يُخرج هذه الذات من القوة إلى الفعل؟
من الضروري أن يكون لحياتنا هدف ولذواتنا غرض، ولمقاصدنا مبلغ، ولمشاعرنا ضوابط. فالذات هي السرّ المطوي تحت شراع النفس، ووحدها من يمكنها سحبنا نحو الأعلى، لذلك يجب التمكّن منها. فالحياة لعبة تتحكّم بها النماذج المطروحة على صعيد الواقع، ولذا فإنّ رعاية الذات مسؤولية تقع على عاتق كلّ منا، ونحن كأفراد أصحاء نتمتع بكلّ هذه الأبعاد، ونستمد من ترابطها وتعاضدها الكلّي القدرة على التفاعل الناجح والوصول إلى المثالية في إطار المجتمع الإنساني والطبيعي.
للأسف، يعاني مجتمعنا من السجن داخل العادات والتقاليد والموروث الاجتماعي، ممّا يفقد الفرد منّا الإدراك الوجودي والطموح والأمل، مرتدياً عباءة الاستهتار والإهمال واليأس والقنوط والاغتراب عن فرص الحياة والتمتّع فيها، وعدم القدرة على التفكير الواضح والإدراك الصحيح والاستجابة المناسبة، فاقداً الأمان الذي تؤمنه العائلة. إذ تراه مهتماً بما قاله الجيران، وفرضه عليه المجتمع والتربية والدين والمهنة والبيئة، منغمساً في الإبحار في وسائل التواصل الاجتماعي التي لها تأثير فعال على الجسم ووظائفه الذهنية، ناسياً الغرض الأساسي من الحياة الكريمة، ألا وهو تقدير الذات والقيمة الذاتية.
إنّ قبول الذات والعناية بها أمر مهم جداً، ويرتكز على المعنى والغرض من الحياة البشرية. وبناءاً عليه، ينبغي قبول أفكارنا ومواجهة السلبي منها، وتعديلها لتصبح إيجابية. كما ينبغي النظر للأفكار على أنها نماذج لمشاريع بشرية داخل صيرورة النشوء والارتقاء، وتحديد الظروف أو المواقف المزعجة والابتعاد عنها والخروج من دائرتها لأنها تقتل الأحلام والطموح.
كما يترتب علينا تحديد أهدافنا في الحياة وتقديس العالم الذي نريد أن نصنعه لأنفسنا، علماً أنّه لا تكمن المأساة في الحياة في عدم الوصول إلى هدفك، ولكن في عدم وجود هدف للوصول إليه، وهذا يؤكد ما يقصده الفيلسوف سينيكا، بقوله: "لا توجد رياح مواتية لمن لا يعرف أين يتجه".
يعاني مجتمعنا من السجن داخل العادات والتقاليد والموروث الاجتماعي، ممّا يفقد الفرد منّا الإدراك الوجودي والطموح والأمل
فلا تبحر بدون هدف، ويساعد في هذا الأمر أن تكون للحياة بوصلة تهدينا إلى أهدافنا والاهتمام بأفكارنا. فعندما يكون المرء صديقاً لنفسه يكون، حينها، واحداً من هذا العالم. فأقوى رجل هو الشخص الذي يملك نفسه، وضبط النفس والاستقلالية هو ما يجعلنا قادرين على مواجهة العالم وتحديد مستقبلنا.
ومن يبحث عن العظمة يجدها، و"من يتبعها يحصل عليها"، وهي عبارة تقودنا لمتابعة تطلّعاتنا على الرغم من أننا قد لا نكون نملك الوسيلة. وعليه، يمكننا الوصول إلى أهدافنا إذا ناضلنا من أجلها واستخدمنا بذكاء الموارد المتاحة. كما أنّ العبودية الأكثر مهانة هي أن تكون عبداً للذات، وفي نفس السياق، إنّ أسوأ أنواع العبودية والمعاناة هي أن ينكر المرء نفسه، لأنّ الإيمان بأنفسنا، وبما نريد، وما نسعى إليه، سيجعلنا نسعى أكثر لتحقيقه.
إدارة ذواتنا هي الركن الأساسي لبلوغ الوجهة المقصودة والغاية المنشودة من الحياة، وتحت لواء الأخيرة تندرج إدارة الوقت الذي يستهلكه هدفنا. لذا، ابذل قصارى جهدك لتعرف الأفضل، واعمل به لتحدث فرقاً. فمن النعم أن نملك الحرية لفعل ما نرغب فيه، لذلك اختر النمو دائماً، ابدأ بالأهم، اقبل أفكارك، قدّسها وواجه السلبي منها واجعلها عظيمة لتنتج ما هو عظيم.
قدّر نفسك في كلّ يوم، حدّثها عن الإنجازات المهمة، فأنت عندك قدرات جبارة، ومهما تفكر في نفسك فأنت أكبر وأقوى مما تتخيّل وتستحق التقدير والإشادة.
النجاح قدرك، والفوز رفيقك، والتميّز من صفاتك، فاكتشف جوهر ذاتك وانفض عنها غبار السنين وركام الآراء وافتح لها الحجب، ولتر نفسك من خلال ذاتك العُظمى، لأنّ الإنسان الذي يرى نفسه بغير عينه، ينكسر.