عليكم عشرة قناطير (اخرطي)
يميل الأشقاء المصريون، ولست أدري لماذا، إلى تأنيث الأشياء التي يستخدمونها في لغتهم اليومية. فالمعلقون على مباريات كرة القدم يسمون الفريقَ (فرقةً)، وتمريرَ الكرة من لاعب إلى آخر (باصة)، والتسديدَ باتجاه المرمى (شوطة)!
وهذه لغة مغايرة للغة أهل الشام، الذين يتمتعون، على ما يبدو، بنسبة أعلى من الفحولة تجعلهم يذكِّرون كل ما يقع في طريقهم. فاللبنانيون، مثلاً، يذكِّرون أسماء مؤسساتهم الدستورية، فيقولون (مجلس النواب) و(مجلس الوزراء)، و(القصر الرئاسي).. وحتى اسم دولتهم يذكرونه، إذ كانوا يقولون على أيام الغارات: رفعَ لبنانُ شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن بعد الغارة الإسرائيلية الأخيرة.
ولعلكم تلاحظون أن التذكير والتأنيث في قاموس السياسة العربية ليس دليل خشونة لدى المذكر، ولا هو دليل رقة بالنسبة للمؤنث.. فلبنان الجميل الذي يصفه وديع الصافي، محقاً، بأنه قطعة من السماء، مذكر، بينما الغارة السورية أو الروسية الوحشية على المدنيين في حلب مؤنثة!
ومع أن الشعب، معجمياً، مذكر، إلا أن الملوك والرؤساء العرب لا يأخذون ذكورته بعين الاعتبار، بدليل النكتة التي رويت عن زوجة حاكم عربي التقاها رجل من الشعب وسألها، بجدية تامة، إن كانت تمتلك الشيء الذي تمتلكه كل نساء العالم، أم لا؟ فقالت: طبعاً أمتلك واحداً، فقال لها:
- لماذا زوجُك يفعلها بالشعب إذن؟!
ولكي نكون منصفين، ينبغي علينا ألا نلصق اسم (الغارة) بالنظام السوري وروسيا وإسرائيل والتحالف الدولي الذي تقوده أميركا، ونبرئ الأشقاء العرب منها. فالعرب من يوم يومهم يشنون الغارات على بعضهم بعضاً وعلى جيرانهم إن أمكن ذلك.
وقد رويت عن قرية عربية حكاية تقول إنها تعرضت لغارة عنيفة، وجمع الغزاة المنتصرون على إثرها رجالَ القرية في الساحة العامة، وفرضوا عليهم غرامة تعادل خمسين قنطاراً من القمح، وأربعين قنطاراً من الشعير، وثلاثين قنطاراً من العدس. وكان من بين رجال القرية رجل متهور، حسَبَ المسألةَ في ذهنه فوجد أن ما تمتلكه القرية من القمح والشعير والعدس لا يكفي لكمية الغرامة المفروضة، فتعجب وقال لنفسه بصوت مسموع: اخرطي!
و(اخرطي) كلمة شعبية تقال للتعجب في تلك القرية، ولكن الغزاة لم يفهموها، وتقدم أحدهم من الرجل المتهور، ووضع فوهة البارودة في صدغه، وقال له:
- ماذا تعني بكلم (اخرطي) ولاك حقير؟
فقال الرجل بارتباك: لا شيء... اخرطي أكلة من نوع الحلويات الشعبية، تصنع من الدبس والطحين والسمسم.
فقال الغازي: وعليكم أيضاً عشرة قناطير من (اخرطي)!