عامر بتاع السنترال!

23 ديسمبر 2020
+ الخط -

(صورة طبق الأصل من أوراق ملف قضية حقيقية حدثت بحذافيرها في صيف عام 2010 عندما قررت الحكومة أن تعيد تربية المواطن عامر "بتاع السنترال" لا لشيء سوى أنه قام بالالتزام بتعليمات الهيئة وتكسير كلام أيمن بك).  

....

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الأستاذ العظيم/ "بكري بكري المصري" المحامي

تحية طيبة لسيادتكم وبعد

كنت في ورديتي يوم الأحد الموافق 7/4/2010 حيث أعمل موظفًا في سنترال محطة الرمل، كانت الساعة العاشرة والنصف ليلًا، وكان يوجد زحام شديد بالسنترال حيث موسم الصيف، وكانت الكبائن كلها مشغولة، ودخل علي شاب طويل قاسي الملامح، معه فتاة شقراء ويحمل طبنجة في خصره بشكل ملحوظ، وقال لي: «إنت يا ابني عايزين نكلم مصر». قلت له: «حاضر»، وأخذت الرقم بلوحة التجارب الخاصة بالمكالمات، وطلبت منه الجلوس فرفض، وأثناء النقاش رفع هذا الرجل صوته، وخرج فرد من إحدى الكبائن لكي تنفض المشكلة ويدخل سيادته، لكن طلب مني هذا الرجل فتح خط لتجربة الرقم بمعرفته، فأفهمته أن هذا ممنوع طبقا لقانون الهيئة، فطلب أن يتكلم مع الرقم المطلوب من السويتش، طلبت منه دخول الكابينة، فرفض، فألححت عليه فطلب من الفتاة الموجودة معه دخول الكابينة ووقف أمامي وأنا أجرب الرقم وطلبت الرقم ووجده مشغولا فأخذ الفتاة وخرج وقال لي: «لازم وحياة أمي أربيك». ووقف أمام السنترال بالخارج وسب وشتم بألعن الألفاظ، وتناسيت أنا المشكلة بعد أن مشى، ومرت الوردية بسلام.

في الساعة 7.30 صباحًا جاء إليّ أمين شرطة اسمه «علي عزت» ومعه جندي بصفة ودية، فقلت له: أعملك شاي، فقال: لأ أنا هشرب السيجارة دي وهمشي، وعندما سلمت الوردية الساعة 8 صباحًا يوم 8/4/2010 خرجت من السنترال وبمجرد خروجي من باب السنترال ألقى هذا الأمين القبض عليّ ومعه رجال المباحث وأخذوني أخذ عزيز مقتدر، وحملوني إلى وحدة المباحث، وهناك وجدت الملازم أول «حمدان ماهر» حيث كان في انتظاري محضر جاهز ينقصه الإمضاء فقط، فهددني حضرة الضابط بأن عدم إمضائي سوف يكون معناه قضية إضافية، واستدعى شابًّا موجودًا رفض أن يوقع مثلي على محضر آخر، فضربوه أمامي حتى سال الدم من فمه وأنفه واضطر أن يوقع، فلما رأيت ذلك زاد إصراري على الرفض، فأخرج لي كيس بانجو ومطواتين قرن غزال، فلما رفضت ثانية وزاد إصراري.. كاد أن يعمل بها حرز لولا خوفي من الموقف فاضطررت إلى الإمضاء دون علمي باللي جوه المحضر، كل اللي لاحظته هو كلمة «اعتراض أنثى» وكلمة «ضبطه» عليها دائرة زرقاء، وبمجرد ما وقّعت وقعت في الفخ، طلب الضابط مخبرًا وقال له: اعمل زي ما قلت لك، وبمجرد نزولي إلى أسفل وجدت مساعد أول في انتظاري أخذ يدي بعنف وأدخلني أودة الفيش ولقيت 3 فيش أصلي في انتظاري جاهزين من كل البيانات، خد المساعد يدي مع العسكري وأبصموني بالقوة، ثم قادوني إلى حجرة المأمور ووضعوا الحديد في يدي وهوبّه سحبوني على وكيل النيابة، وعندما دخلت على سيادته نظر إليّ متفحصًا وقال لي: اسمك إيه؟ فقلت له البيانات، وقبل أن أكمل قال لي: أنا عارف إن انت هتجيني من امبارح، مش انت «عامر» بتاع السنترال؟ فقلت له: نعم، فقال لي: إيه يا ابني انت فاتح السنترال ملاكي، حكيت له ما حدث، وكان سيادته ذوق جدًا، فقال لي: بص يا «عامر» لو كنت جاي في خناقة كان أهون، المحضر اللي معمول لك ده محضر تقيل لكن يعني على العموم أنا هاسيبك عشان انت باين عليك غلبان ويا ريت ماشوفش وشك هنا تاني، وأشار بالانصراف، بعدها أخذني الحرس تاني إلى القسم بعد أن فرّجوا عليّ أمة لا إله إلا الله وأصبحت كالأراجوز الذي ينظر إليه الكل، وبعد ذهابي إلى القسم أدخلوني الزنزانة، وبعد فترة طلبني الملازم ولقيت فيشا آخر، وشد سيادته أصبعي الإبهام ووضعه على الفيش وأخذوني ثانية، ثم بعد برهة أرسلوني إلى مديرية الأمن مع جواب توصية ومجموعة أوراق تودي في داهية، أدخلوني أولًا للكشف علي في قسم تزييف العملة ثم الأموال العامة ثم إلى مباحث الآداب، كنت ما أزال متأثرًا من الشتيمة التي وجهها لي ضابط في الأموال العامة، ابتسم «علي بك عبد الكريم» رئيس مباحث الآداب لما قلت له يا سيدي أنا لم أفعل شيئًا وشتموني، قال لي: مش انت «عامر» بتاع السنترال، حكيت له كل اللي حصل، قال لي: سيبك من المحضر ده ورمى المحضر، وقال لي: دا بنات اسكندرية اللي بتيجي السنترال كلها بتشتكي منك وبنطلب منهم يعملوا لك محاضر ما بيرضوش.. إيه رأيك، فجأة طلب ملازم مش فاكر اسمه من قسم تاني، قال له: آه.. كل شيء تمام.. وصل آه.. وطلب مني الخروج، وخرجت لكني من بره سمعت ضحكته وهو بيقول: طبعًا هنربيه.. إنت تؤمر يا عسل، بعدها نادى على العسكري وأعطاه ورقة وإذا هي بها العرض في الفترة المسائية على جميع الأقسام، ورحلوني على القسم اللي فيه الملازم اللي اتكلم في التليفون واللي طلع اسمه «هاني»، دخلوني الحجز ونزل لي الملازم وقال لي: يعني لازم تزعل النقيب «أيمن» بيه قدام خطيبته، وقتها بس عرفت سر اللي حصل لي وإن اللي أنا متبهدل عشانه كان ضابط، والله العظيم تلاتة وحياة ولادي ما غلطت فيه، يمكن مع ضغطة الشغل والحر والرطوبة عاملته عادي. بريق ناشف جايز زي ما باعمل مع كل الناس، المهم حطوا في إيدي الحديد تاني لغاية ما عدت الساعة 9.30 بالليل، عندما أحدثت ضجة أرسلوني في جولة على كام قسم كده وبعدين رجعوني إلى المديرية لـ«علي بك عبد الكريم» في مباحث الآداب، ضرب الجرس وطلب فردًا يرتدي ملابس مدنية وأخذني مع العسكري إلى تزييف العملة والأموال العامة تاني ثم أخذوني إلى حجرة حيث وجدت دوسيه أصغر مكتوبًا عليه كل بياناتي من الأم والأب وحتى الإخوة ما عدا أسماءهم فاضية وطلبوا مني أن أملأ أسماء عيلتي، اعترضت فهددوني بأني هالبس قضية، ومن خوفي أعطيته أسماء وبيانات وهمية وبعدها سلموني إلى عسكري تاني حيث عمل لي كارت أصفر عريض في قسم المعلومات الجنائية حيث وجدت الجميع ينتظرني وبعدها أدخلوني على السيد المقدم «محمود خفاجي»، وعندما رآني احمر وجهه وتحركت ودانه وقال لي: أهلا يا «عامر» يا حبيبي تعالى، وكنت قد دخلت إليه في ورديته في الفترة الصباحية وحكيت له ما حدث، وفوجئت أن موقفه تغير ولم يعد متعاطفا معي كما كان، وعرفت أنه تلقى اتصالات من كذا باشا يطالبون بربايتي خاصة «أيمن» بيه الذي كان في السنترال، والذي عرفت من العساكر أنه تم نقله إلى مباحث التموين حيث إنه كان في المباحث العامة، وتم نقله لسوء سلوكه واستخدام العنف مع المدنيين، المهم التوصيات جاءت بالخير حيث تلقاني «محمود »بيه بوابل من الشتائم والرذائل وضربني في صدري بيده وهددني، وقال لي: إنت معمول لك محضر انتحال شخصية ضابط شرطة في قسم العامرية، وأقسمت أنني لم أفعل، فطلب لي كل الأقسام للبحث عن أي شيء لي وبعدها أشبعني شتائم وقال لي: أصورك دلوقتي يا (....) أمك يا ابن (....) ونظرت إليه في عينه وأحسست أنه يشعر بأنني مظلوم، فقال لي مرتبكا: أنا مش هاكدب رجالتي وأصدقك انت، فقلت له: فعلا وانا مهما قلت برضه هاكون غلطان، وسكت، وبعدها أدخلوا أمامي شابًا صغيرًا وضربوه ضربا مبرحا وقال لي: شفت.. الحرامي ده أنضف منك.

سكتّ نهائيًا وأخذني وخرج، وراح هو وشوية ضباط على أودة «علي» بك وأعطاني «علي» بك ورقة لأعطيها للعسكري وقال لي: لو شفتك هنا تاني هاخرب بيتك، وخلي بالك أنا ممكن أجيبك تاني. ورحّلوني إلى قسم مكافحة المخدرات حيث شاء القدر ألا يكون هناك الضابط المناوب الذي توقعته، حيث غاب فجأة، الضابط الموجود سمع حكايتي وفي وسطها جاله تليفون، قلت: بس كِملت واتخزوقت يا «عامر»، لكن سبحان الله فجأة لقيته ثار وشتم اللي بيكلمه وقال له: يا أخي «أ..» ثم قال الكلمة الوحشة التي ستنجس هذه الشكوى لو ذكرتها، وبعدها أكمل قائلًا: أنا ما اعرفش أظلم حد.. اقفل قبل ما اقفل السماعة في وشك، وبعد ما قفل قال لي: ده انت وقعت وقعة سودا.. يالّا روح ربنا معاك. وأمر إنهم يبعثوني للقسم علشان يفرجوا عني.. في القسم وجدته خاليًا إلا من رئيس المباحث الذي كان في انتظاري الذي نظر لي نظرة جعلني أشعر وكأني لا شيء، وقال لي خليك معانا لبكره لأن المأمور راح الاستراحة، وفضلت في القسم حتى أخلي سبيلي بعد أن هددوني. وعدت بعد عشرة أيام ليحقق معي السيد مفتش الداخلية، وبعدها بيوم حقق معي العميد «عادل عبد الصمد». وحتى لحظة كتابتي لهذه السطور لم تستجب المصلحة لنقلي من السنترال حيث أتعرض للتهديدات. وإلى الآن أشعر أني أعيش في رعب وأنني قضي على مستقبلي. والله يعلم أنني بريء.

مقدمه لسيادتكم: «عامر السيد كامل» ـ موظف بسنترال الرمل ومقيم بشارع العبور ـ بطاقة شخصية رقم: 384550 بندر رشيد

بالمناسبة اسم الفتاة التي اتهموني بها بالكامل «هناء حسني علي الأنصاري»؛ طالبة بكلية التربية الفرقة الثالثة شعبة صناعية قسم نسيج، وعنوانها 65 ش وابور الحطب الساحل شبرا، ورقم المحضر 318 جنح آداب اعتراض أنثى. واسم الضابط الذي بهدلني النقيب «أيمن عبد الرحيم»، وهو حاليًا في القاهرة ويحضر دراسات عليا في كلية الحقوق.

تليفون والدة الفتاة بالقاهرة: 7960539

ملاحظة أخيرة: حسبي الله ونعم الوكيل.

وأملي أن تكونوا سيادتكم سببًا في إنصافي، أو حتى في عدم تعرضي لمزيد من البهدلة، وأعدكم أنني سآخذ كل الزبائن بالأحضان حتى لو ضربوني على قفايا، وأن التزم بأي تعليمة من تعليمات الهيئة، وأن أربط الحمار مطرح ما يعوز الحمار..

...

ـ نشرت هذه القصة لأول مرة في مجموعتي القصصية الأولى (بني بجم) بعنوان (خلاف حميم في وجهات النظر بين الحكومة وعامر بتاع السنترال)، وحين تعرف أن القصة كُتبت في عام 1999 وأن المجموعة نشرت في عام 2005 ستدرك أن القصة لم تحدث في 2010 كما قلت في بدايتها، بل حدثت مع الأسف الشديد في عام 2020 وما بعده إلى ما شاء الله وما أراد الشعب.  

دلالات
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.