طالبان... الرعب مجدداً في حياة الأفغانيات!

17 اغسطس 2021
+ الخط -

"طالبان دخلت المدينة، ونحن نهرب منهم.. الجميع مرتعب هنا".. هكذا وبكل الرعب والارتجاف أخبرتنا صانعة الأفلام الأفغانية الشهيرة "صحرا كريمي" بسقوط كابول في يد حركة طالبان الأحد الماضي!؛ ورغم أنها مسلمة وترتدي الحجاب -كقوانين طالبان- إلا أنني شاهدت الرعب في عينيها وهي تركض هرباً كأنهم خلفها بالفعل.

في مشهدٍ آخر يصرّح المتحدث باسم طالبان بأنهم سيسمحون للمرأة بالتعليم والعمل شرط ارتدائها الحجاب؛ وأن سياساتهم في العقوبات كالإعدام والرجم والجلد وقطع الأعضاء سيُترك للمحاكم تنفيذها وفقاً لـ"رويترز"؛ ورغم تصريحاتهم فقد عاقبوا موظفات بنوك في قندهار وهرات وألزموهن بيوتهن وأخبروهن أن وظائفهن سيشغلها أقاربهن من الرجال، إلى جانب قيامهم بتفقد منازل المواطنين لإعداد قوائم بالنساء والفتيات ما بين 12 و45 عاماً لتزويجهن قسراً من مقاتلي الحركة، كما أغلقوا عدداً كبيراً من المدارس وذلك طبقاً لـ"فرانس 24".

الأمر الذي جعلني أقوم بالبحث عما فعلته طالبان بالنساء في فترة حكمها ما بين 1996 و2001، وما استمر بعدها في مناطق نفوذها حتى يومنا هذا رغم معرفتي القليلة عنه؛ وقد هالني حقاً ما شاهدتُ وقرأتُ من جرائم ارتكبتها الحركة ضد الأفغانيات!

هناك مشهد رهيب لمئات الرجال يجلسون في دائرة واسعة يحملقون في امرأة ضئيلة الحجم داخل تلك الدائرة تقبع على الأرض الرملية متلحفة بالبرقع الأفغاني؛ ويتناوب عليها رجال طالبان ينهالون عليها بالسياط وهي تتحمل ولا تخرج صوتاً؛ لنسمع بعدها تأوهاتها فصرخاتها التي لا تملك غيرها، وفقاً لموقع RAWA المعني بشؤون أفغانستان، وخاصةً المرأة!

أنظر إلى طفلتي وهي تنام بأمان ولسان حالي يقول: ما هذا العالم البشع الذي سأخلفهُ لكِ؟! ما ذنب الفتيات هناك أن يعشن هذا السواد القادم؟!

لم أستطع أن أكمل مقطع الفيديو وكادت أن تصيبني نوبة فزع، أدركتُ حينها لماذا الأفغانيات مرتعبات؛ لذا يجب أن نوضح للذين يخبروننا أننا نختصر مشهد ما يحدث في أفغانستان في وضع المرأة أنه عارٌ عليكم أنتم ألا تروا ما سيحدث من جرائم في الأيام القادمة!

عندما حكمت طالبان وبمنتهى القسوة منعت تعليم الفتيات بعد سن الثامنة؛ واقتصر التعليم على القرآن فقط، وكذلك منعت العمل للمرأة نهائياً؛ كما عملت على إجبار النساء والفتيات على لبس الحجاب والبرقع غصباً، وشرّعت زواج القاصرات وإرغام الفتيات على الزواج!

طالبان أنشأت الشرطة الدينية؛ فكانت تضرب وتجلد النساء المخالفات لقوانين الحركة بالعصي والسياط؛ ومنعت أيضاً ارتداء الحذاء ذي الكعب العالي!، وكذلك ممنوعة مغادرة النساء للمنزل أو ركوب سيارة الأجرة دون محرم؛ ومنعت التحدث بصوتٍ مرتفع حتى لا يسمعهن الرجال؛ كما منعت ظهور النساء والفتيات في شرفات منازلهن!

لم ينته الأمر إلى هذا الحد، بل منعوا تصوير النساء فوتوغرافيًا أو سينمائيًا؛ وكذلك منع عرض صور النساء في الكتب أو المجلات أو حتى المنازل!؛ ومنعوا ظهور المرأة في التلفاز أو أي تجمع؛ وفوق كل ذلك من بشاعة وقهر وقمع للنساء؛ أباحوا الاتجار بالبشر، وخاصة النساء، فقاموا بخطفهن واغتصابهن وبيعهن لغرض المتعة!

مَن تخالف هذه القوانين ستنالها عقوبات لم نسمع عنها في أي مكان حتى في الشرع!؛ فإذا اكتشفوا أن بعض المعلمات يعلمن الفتيات الأكبر من سن الثمانية يتم إعدامهن فوراً، لم يرتكبن أي جريمة فقط لأنهن يعلّمن!!

في عام 1996، قام رجال طالبان بقطع إصبع امرأة كانت تضع طلاء أظافر!، وفي ديسمبر/ كانون الأول من ذات العام قاموا بمعاقبة 225 امرأة لمخالفتهن قوانين الشريعة بشأن الملابس، وذلك بجلد ظهورهن وأرجلهن!

وفي 1999، أعدموا أماً لسبعة أطفال أمام 30000 شخص في ملعب غازي بكابول زعموا أنها قتلت زوجها رغم علمهم أنه يعتدي عليها ويضربها، وقد سُجنت وعُذبت قبل إعدامها طبقاً لصحيفة "ذا ميرور"!

وكذلك، قاموا بكسر ساق امرأة وسجنها، كانت تدير مدرسةً لتعليم الفتيات في بيتها وهددوها برجم أسرتها إذا ما رفضت إعلان ولائها للحركة؛ لم يكتفوا بذلك، بل قاموا بضرب الطالبات في بيتها!

هذا غير اغتيالهم لـ"مالالاي كاكار"، رئيسة قسم شرطة قندهار للجرائم ضد المرأة، في سبتمبر/ أيلول 2008؛ وكذلك "ناجية صديقي" و"حنيفة صافي" رئيستي شؤون المرأة في ولاية لغمان اللتين تم اغتيالهما عام 2012. هذا إلى جانب إصدار أحكام عديدة بالقتل على كثير من النساء تحت مسمى "جرائم الشرف".

ولا ننسى جريمة القتل البشعة لـ"فرخنده ملكزاده" في مارس/ آذار 2015، والتي تم ضربها وسحلها ثم حرقها حية بعد ادعاءٍ كاذب بتعدّيها على القرآن الذي ثبت فيما بعد أن المدعي "مُلّا" كاذب وكانت تفضحه، لأنه كان يتاجر بالسحر بالمخالفة للدين!!

هذا غيضٌ من فيض؛ للذين يتساءلون لماذا نخاف نحن النساء حكم طالبان "الديني" القمعي، ولماذا نرفضه ونكرهه، الذين يُنظّرون علينا بأننا لا نرى غير قمع طالبان للمرأة؛ نعم هو ذاك المشهد القاتم القميء يلخص الواقع الدموي المقبلة عليه أفغانستان، فالاحتلال لن يأتي بحقوقٍ وحريات، وكذلك طالبان؟!

أنظر إلى طفلتي وهي تنام بأمان ولسان حالي يقول: ما هذا العالم البشع الذي سأخلفهُ لكِ؟! ما ذنب الفتيات هناك أن يعشن هذا السواد القادم؟!، أطبع قبلة على وجنتها الغضة وأعدها بأنني سأعمل جهدي على أن أُهيئ لها ولكل الفتيات عالماً آمناً عادلاً ملوناً.

هند محسن .. مصر
هند محسن
كاتبة صحافية، تعمل بالصحافة منذ عام 2008. فخورة بمشاركتها في ثورة يناير. أقول دائما: الكتابة حلم تتحقق معه حرية الإنسان، ويظل العمل الصحافي الميداني هو الأكثر تحرراً وتمرداً وحقيقةً.