صياد النعام
كانت تفصلنا خمسة أشهر عن خروج "الزوبير" من السجن لخامس مرة، رغم ذلك فإن أهله متخوفون بشدة من قدوم ذلك اليوم المشؤوم. زوج أخته الذي كان يضربها بقسوة لدرجة تفقد جمالها المعروف في الحي برمته، كان أشدهم قلقا، فهو يعلم يقينا أنه سيدفع ثمن ما ارتكبت يداه بفائدة رِبوية صاروخية بدءا من تلقي الصفعات في المقهى أمام الملأ، انتهاءً بإجباره ليصير خادما للسُخرة في جلساته الخمرية رفقة أقرانه، ما جعله محط سُخرية الجميع. قليل من شهامة السُكارى تمنعهم من مطالبته بالرقص لهم، عِند قوم الذل وقلة الرجولة في مرتبة الكبائر أعظم بكثير من سيئات شرب الخمر أو القمار.
صدى الشر الذي يصدر من الزوبير كلما خرج من السجن كان يصل مداه إلى أهل الحي أجمعين. لو أنهم سمعوا يوما أو استوعبوا جيدا فكرة استقلال القضاء واستقامته، لَلَعَنُوا القاضي الذي قبض مليون سنتيم رشوة حتى يخفف الحكم الابتدائي من عامين إلى عشرة أشهر.
مدة لم تكن كافية حتى ليشفى نبيل -أحد ضحايا الزوبير- من ندبة أبدية رُسِمت بساطور على طول رقبته، بدت عليه كوشم طبيعي غير خاضع لذوق صاحبه ولا ذنب له في تحصيله.
كانت القضية متعلقة بقلق وذوق جمالي تولد في نفسية وُصفتْ دائما بالمنحطة. هذه المرة أراد إذا قُدر له العودة للسجن أن يرى أخته محتفظة بكامل جمالها الأخاذ
سيكون الأمر شبيها ببقاء الفساد وصمة عار على جبين بلد بأكمله مثلما تضع الزوجات الهنديات نقطة بين الحاجبين. وقد تأكد الأمر بالملموس حين خرج في نفس الفترة تقرير للجنة تابعة للمجلس الأعلى للحسابات يؤكد أن الدولة أنفقت سبعا وعشرين مليون دولار في القضايا التي رُفعت ضدها في ما يقارب السنتين.
كانت الكلفة النفسية على نبيل من سخط وإحباط و غيظ أقسى من أن تعادله ملايين الدولارات في عُرف أناس يؤمنون بأن السن بالسن والعين وبالعين، وأن يكون الجزاء من جنس العمل: فالمس بوجهه كعلامة على خسارته كرامته لن يشفي غليلها إلا حرمان الفاعل من حريته، خصوصا أنه تسبب بضرر في حق شاب ما زال بحاجة لوسامته، أو على الأقل لوجهه العادي، من أجل العمل والزواج، ولقد أثبت الوقت فعلا بعد ذلك أن نبيل لم يفلح في خِطبة خمس فتيات من المحافظة التي كان يعيش فيها.
فشلٌ ولدَ عنده عقدة كفيلة بخلق حيرة في أذهان علماء النفس أنفسهم، لأن الأمر متعلق بأعمق وأظلم مناطق النفس الإنسانية، ألا وهي الكرامة. ثم جاء الفرج من أبعد الأماكن الممكنة.
جاء الحل من دماغ لم يعتقد أحد أنه ذكي بالرغم من أنه شرير و إجرامي. ذلك أن الزوبير اقترح بعد خروجه من السجن تزويج أخته الصغرى لنبيل بعد تطليقها من الرجل الذي كان يضربها. لم يكن الأمر تعويضا عن ضرر للضحية ولا انتقاما من شخص عنيف وقليل الرجولة مع ذلك.
كانت القضية متعلقة بقلق وذوق جمالي تولد في نفسية وُصفتْ دائما بالمنحطة. هذه المرة أراد إذا قُدر له العودة للسجن أن يرى أخته محتفظة بكامل جمالها الأخاذ، هو الشيء الوحيد الذي تمتلكه بجوار سمعة سيئة كأخت لشخص مُنحلٍ. مثل ذلك جمال لا شك سيعوض نبيل عن نقصه وقُبحه الاصطناعي، الذي تسببت فيه سكين عدوه السابق وصهره اللاحق، وهي بلا ريب معادلة جديرة بالتأمل، إذا ما أراد الإنسان إيجاد عدو فليتخذ صهرا حبذا لو تكون امرأة في سبيل تشويق أكبر.
تحققت نبوءة هذه المعادلة بشكل دراماتيكي ولكن بنكهة ذكورية أكبر. فإن زوج الفتاة الأول استيقظت نوبات رجولته بشكل مُباغت وغريب، ربما لأنهم حرموه من الشخص الوحيد الذي تظهر فيه تلك الرجولة منتفخة، فقرر الانتقام من الزوبير. تصيدهُ يوما وهو مخمور يتلاطم بين الحيطان بمدية حادة هوى بها على رأسه بقوة، في ما يُعرف بـ"ضربة الخواف" التي تكون مُتقنة. جعلت الضحية الذي كان فيما سبق جلاداً يتهاوى سقوطا ملتصقاً بالحائط وهو يشعر بنشوة بل وسعادة لا مثيل لها في تأمل الجمال الذي يفقده بين عينيه، والتمتع به لآخر مرة بمعونة الخمر الذي زاد الموقف رونقا.