صناعة المفكر (2)
يعتبر المفكر العقل النابض في الأمة نتيجة ما يحمله من أفكار، من خلال البناء الصحيح له نستطيع أن نتغلب على كثير من الصعوبات، نتيجة ما يقدمه من أطروحات وأبحاث ودراسات عميقة من خلال البحث الدؤوب والعمل المتواصل في دراسة هذه المشكلات ليوجد حلاً لجذورها، من خلالها تصل الأمة أو الدولة إلى تحقيق ما تصبو إليه.
من سمات المفكر الاستعداد الدائم لتعلم الأمور الجديدة ومشاركتها مع الآخرين، فيعمل على أن ينمي ذاته باستمرار من خلال التغذية المستمرة لعقله بالمعارف والمعلومات المتجددة، ويسعى دائما وراء الحقيقة والأخذ بالأسباب، والبحث عن المصادر الموثوقة، سواء داخل أمهات الكتب، أو من خلال التواصل مع العلماء المشهود لهم في مجالهم، حتى يستطيع أن يبني على ما حصل عليه ويطور فيه، كما أن لديه استعدادا دائما لتطوير مهاراته وقدراته العقلية، فالعقل سلاحه العلم، وعقل بلا معرفة أشبه بجندي أعزل في معركة أو جسد بلا روح أو كاتب بلا قلم.
من المتطلبات الضرورية أيضا للمفكر أن يمتلك قدراً هائلا من الأمل والطموح المتجدد ليعثر على كل شيء مبدع وجديد في عالم الأفكار، فبدون الطموح لن يصل إلى مبتغاه، فلا بد أن يتحمل المفكر الألم لساعات طويلة، ويتحمل الكد والنصب، فليس النجاح في إيجاد الشيء المبدع سهل المبتغى والمنال، فقد يسقط مرات عديدة، ولكنه يصل إلى ما يريد، لذلك لا بد للمفكر أن يكون صاحب إرادة قوية تُعينه على المضي قدماً بالطريق متخطياً العقبات التي يواجهها.
المفكر الحقيقي يرى الانتقادات الموجهة إليه فرصا يسعى لتجنبها وإصلاحها، فلا يتكبر على الناس بفكره أو علمه
يتسم المفكر بالتفكير الناقد، والانفتاح الذهني وعدم الوقوف عند فكرة معينة، بل يتخطاها إلى أفكار وأطروحات أخرى، كما ينصت إلى جميع الأفكار المخالفة ويبحث عن حقيقتها وجدواها وفاعليتها، والتحقق من صدقها وحُجتها، بل يتواضع في قبولها عند ثبوت أفضليتها، حتى ولو خالفت فكرتهُ، فالمفكر متجرد من أهوائه إلى ما يناسب الصالح العام والأمة.
من المتطلبات للمفكر أن يتروى في قبول الأفكار السريعة، فالأفكار العظيمة تحتاج إلى مزيد من البحث والتنقيب وبذل الجهد والعناء حتى تصل إلى فكرة تستحق التطبيق، فلا يتخلص من عناء الجهد والتعب أخذاً أول من يعثر عليه، فلا يكون في عجلة في تعاطيه مع النتائج الأولية، بل يتروى في بحثها ودراستها والغوص في عمقها، فالإنجازات الكبرى الموجودة حالياً هي عبارة عن بحث دؤوب وتنقيب عميق وعمل متواصل لمدة طويلة من الزمن.
المفكر الحقيقي يرى الانتقادات الموجهة إليه فرصا يسعى لتجنبها وإصلاحها، فلا يتكبر على الناس بفكره أو علمه، بل يتواضع لهم، كما لا يتأثر بالهالة أو الشهرة، بل يحاول حماية نفسه من شرور الشهرة، كما عليه أن يكون محايدا بعيداً عن التحيز لفكر أو شخص أو للعادات والتقاليد بقدر الإمكان، فلا يظلم أحدا بسبب تحيزه أو يبخسه حقه.
أخيراً المفكر طبيبٌ حاذِق يتمتع بذهنٍ حَصيفٍ، فيعمل على تشخيص الأمراض المزمنة في الأمة أو الدولة، ويعمل على تقديم الرؤية الصحيحة للتعامل معها، كما لا ينفصل عن واقع مجتمعه، بل يعمل على غرس الأفكار الصحيحة، واستئصال الأفكار الخاطئة، وبث الوعي الصحيح بين المجتمع.