02 سبتمبر 2024
شباب الضيعة يمنعون مرور السيارات
(رمضان 2005- إحدى الليالي).
سهراتُنا الرمضانية جذابة للغاية، بدليل أن صديقنا "أبو عليَّان" يأتي كل ليلة من قريته الجبلية "حربنوش" بسيارته البيك أب الزراعية ماركة تويوتا 1993. ولأنه لا يستطيع دعوة الجميع للإفطار عنده، فقد كان يُحْضِر معه، كل يوم، قطعاً من الكبة النيئة، ونعناعاً أخضر، ولبناً، وأحياناً يأتي بأرغفة خبز مما تخبزه أم عليان على التنور، الخبز الذي يجعل الوجه العابس يبتسم لمرآه.
قال أبو عليَّان، بعدما انتهينا من العشاء في بيت الخال عموري، وَوُضِعَتْ أمامنا كؤوس الشاي:
- يا شباب، والله العظيم لا يوجد شيء أجمل من الطرقات الزراعية في الربيع، لا سيما أنها تمر، بشكل إجباري، ضمن أزقة القرى التي ترتبط بهذا الطريق، وفي ساحاتها، وامتدادات أراضيها، وراكب السيارة القادم من قرية مثل قريتنا، لا شك سيستمتع بالمرور ضمن القرى، ويشعر بنبض شعبها، ويتعرف، كذلك، على طرائق أهلها في العيش، والبناء، والزراعة، والتجارة، والمرور، والأزياء.
قلت: أنت محظوظ بشيء آخر يا أبو عليَّان، هو أنك تمر، في طريقك إلينا، ببعض قرى إخوتنا الدروز، أولئك الناس الطيبين الذين يعيشون حياة بسيطة، ويحتفلون بالضيف كما لو أنه نازل عليهم من كوكب آخر، وطوال ما الواحد جالس عندهم يقولون له: يا حَيَّ الله، والله ومية أهلين، حَيَّ الله النبأ.
قال أبو عليَّان: نعم، إن أهل هذه القرى، مثلما تصفهم، وأكثر، ولكنني لن أتحدث عنهم الليلة، وإذا سمحتم لي، سأحكي طرفة حصلت بسبب المرور في القرى المنتشرة على الطريق.
قال الخال فارس: تفضل يا أبو عليَّان. أتحفنا.
قال: اكتشف ابنُ قريتنا الظريف "أبو محمد" الذي كان يعمل، في الثمانينات، سائقاً ينقل الركاب بسيارته الدوزوتو المجنحة بين قرية حربنوش وبلدة معرتمصرين. وكانت آخر قرية يمر بها أثناء نزوله من حربنوش هي "كفر اليحمول". وعلى ذمة السائق أبي محمد فإن أهل هذه القرية يختلفون عن أهالي القرى السورية كلها في كونهم يُؤْثِرُون السيرَ في وسط الطريق! لا يزيحون عنه مهما كلف الأمر!
قال الخال عموري: أنا سمعتُ من بعض الناس أنهم يتقصدون السير في وسط الطريق حينما يلمحون سيارة أبو محمد قادمة من طرف حربنوش، فهم يعرفون أنه رجل نزق، سريع الغضب، ويريدون ممازحته.
قال أبو عليان: نعم. وأنا سمعت بشيء من هذا. المهم أن أبا محمد كان يمد رأسه من النافذة ويصيح بهم أن يفتحوا الطريق، فما يزيدهم ذلك إلا تجاهلاً له ولسيارته. وإذا استخدمَ الزمور، ينزعجون منه، لأن التزمير للرجل، برأيهم، عيب، وأحياناً يقول أحدُهم له: عيب يا أبو محمد، أأنت لا تعرف أن الزمور متل المسبة؟!
قال الخال فارس: بالعكس، الزمور في هيك حالة ضروري. لأن حجز سيارة ماشية وعرقلة مرورها أصعب من المسبات.
قال أبو عليان: وفي يوم من الأيام صارت نكتة ظريفة، ليس في كفر اليحمول، وإنما في أحد أحياء مدينة حمص. فقد سافر "أبو محمد"، بحسب ما روى لي، ذات مرة، إلى حمص، وفي إحدى الحارات الحمصية الضيقة، وبينما هو يسوق سيارته، إذ رأى شباناً يمشون في وسط الطريق. أخرج رأسه من النافذة، وصار يسعل ويتنحنح، ويقول:
- طريق يا شباب. يا جماعة. يا كويسين. افتحوا لنا الطريق رجاءً.
فلم يردوا عليه. فاقترب بسيارة مسافة صغيرة، وأوقفها، ونزل، ومشي على رجليه باتجاههم، وسلم عليهم وقال:
- أريد أن أسألكم سؤالاً أخوياً. ممكن؟
قال أحدهم: ممكن. تفضل.
قال: ألستم من قرية كفر اليحمول التابعة لمحافظة إدلب؟
دهش الشبان، وقالوا له: بلى. ولكن... كيف عرفت؟!
سهراتُنا الرمضانية جذابة للغاية، بدليل أن صديقنا "أبو عليَّان" يأتي كل ليلة من قريته الجبلية "حربنوش" بسيارته البيك أب الزراعية ماركة تويوتا 1993. ولأنه لا يستطيع دعوة الجميع للإفطار عنده، فقد كان يُحْضِر معه، كل يوم، قطعاً من الكبة النيئة، ونعناعاً أخضر، ولبناً، وأحياناً يأتي بأرغفة خبز مما تخبزه أم عليان على التنور، الخبز الذي يجعل الوجه العابس يبتسم لمرآه.
قال أبو عليَّان، بعدما انتهينا من العشاء في بيت الخال عموري، وَوُضِعَتْ أمامنا كؤوس الشاي:
- يا شباب، والله العظيم لا يوجد شيء أجمل من الطرقات الزراعية في الربيع، لا سيما أنها تمر، بشكل إجباري، ضمن أزقة القرى التي ترتبط بهذا الطريق، وفي ساحاتها، وامتدادات أراضيها، وراكب السيارة القادم من قرية مثل قريتنا، لا شك سيستمتع بالمرور ضمن القرى، ويشعر بنبض شعبها، ويتعرف، كذلك، على طرائق أهلها في العيش، والبناء، والزراعة، والتجارة، والمرور، والأزياء.
قلت: أنت محظوظ بشيء آخر يا أبو عليَّان، هو أنك تمر، في طريقك إلينا، ببعض قرى إخوتنا الدروز، أولئك الناس الطيبين الذين يعيشون حياة بسيطة، ويحتفلون بالضيف كما لو أنه نازل عليهم من كوكب آخر، وطوال ما الواحد جالس عندهم يقولون له: يا حَيَّ الله، والله ومية أهلين، حَيَّ الله النبأ.
قال أبو عليَّان: نعم، إن أهل هذه القرى، مثلما تصفهم، وأكثر، ولكنني لن أتحدث عنهم الليلة، وإذا سمحتم لي، سأحكي طرفة حصلت بسبب المرور في القرى المنتشرة على الطريق.
قال الخال فارس: تفضل يا أبو عليَّان. أتحفنا.
قال: اكتشف ابنُ قريتنا الظريف "أبو محمد" الذي كان يعمل، في الثمانينات، سائقاً ينقل الركاب بسيارته الدوزوتو المجنحة بين قرية حربنوش وبلدة معرتمصرين. وكانت آخر قرية يمر بها أثناء نزوله من حربنوش هي "كفر اليحمول". وعلى ذمة السائق أبي محمد فإن أهل هذه القرية يختلفون عن أهالي القرى السورية كلها في كونهم يُؤْثِرُون السيرَ في وسط الطريق! لا يزيحون عنه مهما كلف الأمر!
قال الخال عموري: أنا سمعتُ من بعض الناس أنهم يتقصدون السير في وسط الطريق حينما يلمحون سيارة أبو محمد قادمة من طرف حربنوش، فهم يعرفون أنه رجل نزق، سريع الغضب، ويريدون ممازحته.
قال أبو عليان: نعم. وأنا سمعت بشيء من هذا. المهم أن أبا محمد كان يمد رأسه من النافذة ويصيح بهم أن يفتحوا الطريق، فما يزيدهم ذلك إلا تجاهلاً له ولسيارته. وإذا استخدمَ الزمور، ينزعجون منه، لأن التزمير للرجل، برأيهم، عيب، وأحياناً يقول أحدُهم له: عيب يا أبو محمد، أأنت لا تعرف أن الزمور متل المسبة؟!
قال الخال فارس: بالعكس، الزمور في هيك حالة ضروري. لأن حجز سيارة ماشية وعرقلة مرورها أصعب من المسبات.
قال أبو عليان: وفي يوم من الأيام صارت نكتة ظريفة، ليس في كفر اليحمول، وإنما في أحد أحياء مدينة حمص. فقد سافر "أبو محمد"، بحسب ما روى لي، ذات مرة، إلى حمص، وفي إحدى الحارات الحمصية الضيقة، وبينما هو يسوق سيارته، إذ رأى شباناً يمشون في وسط الطريق. أخرج رأسه من النافذة، وصار يسعل ويتنحنح، ويقول:
- طريق يا شباب. يا جماعة. يا كويسين. افتحوا لنا الطريق رجاءً.
فلم يردوا عليه. فاقترب بسيارة مسافة صغيرة، وأوقفها، ونزل، ومشي على رجليه باتجاههم، وسلم عليهم وقال:
- أريد أن أسألكم سؤالاً أخوياً. ممكن؟
قال أحدهم: ممكن. تفضل.
قال: ألستم من قرية كفر اليحمول التابعة لمحافظة إدلب؟
دهش الشبان، وقالوا له: بلى. ولكن... كيف عرفت؟!