شاعر مات من الحب
الحق أنّ الشاعر السوري الراحل، نزار قباني، رحل عن عالمنا جسداً وبقي روحاً حريصة على إمتاع القارئ، لأنّ ذاكرة سيرته وإرث شعره ما زالت راسخة في كلّ الدواوين التي ألفها خلال حياته، وما زالت شاهد إثبات على عصر مهم من تاريخنا العربي الحديث. هو شاعر وقف، متطلعاً متمرداً، له موقفه الواضح كإنسان ومثقف، فعُدَّ لذلك صاحب مدرسة في الحداثة الشعرية، قضية وتعبيراً.
كتب الشعر وجعله في متناول الناس، داخلاً بذلك إلى كلّ بيت في وضح النهار، ودون خلسة، خصوصاً مع أصوات رائعة ومختلفة كأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وغيرهم.
حمل شاعرنا لواء الحداثة مؤثّراً ومتأثّراً بأحداث عدّة، منها انتحار أخته واغتيال زوجته وحبيبته بلقيس، فقرّر الانتقام فنياً، من جهل القبيلة على الصعيد الاجتماعي، ومن ثَم أخذ بيد المرأة ليوصلها على مهل، وبأمانة كبيرة إلى حديقة تستحق وجودها الإنساني حيث تلتقي بشقيقها الرجل، للعيش معاً متوافقين متكاملين.
ما زال نزار قباني أكثر مقروئية من غيره من الشعراء، وما زال شعره يعكس بوضوح الحال العربية الراهنة
في أثناء ما اصطلح عليه بالنكسة أو هزيمة 67، تغيّرت وجهته دون أن يفقد خصوصيته، وهذا ما يتجلّى بوضوح في ديوانه الصارخ والمثير تحت عنوان "هوامش على دفتر النكسة"، فقال:
يَا وَطَنِي الْحَزِين
حَوَّلْتَنِي بِلَحْظَةٍ
مِنْ شَاعِرٍ يَكْتُبُ الْحُبَّ وَالْحَنِينَ
لِشَاعِرٍ يَكْتُبُ بِالسِّكِّينِ
من هنا عمل شاعرنا على رمي طوق النجاة لمن أوشك على الغرق في مستنقع الهزيمة، ودلّ على اتجاه الريح الصحيح لإنقاذ ما بقي من أشرعة مستخدماً بذلك كلّ حصيلته العاطفية الفكرية كشاعر، وحصيلته السياسية كدبلوماسي، منتقلاً بكامل الوعي بالقضية من النهد إلى السكين.
ما زال نزار قباني أكثر مقروئية من غيره من الشعراء، وما زال شعره يعكس بوضوح الحال العربية الراهنة.