سيرة المرشح البرلماني الفارط (8)
في مستهل سهرة الإمتاع والمؤانسة، وسعياً مني لوصف الحالة النفسية التي طرأت على مرشح مجلس الشعب الأهبل عبد الحميد الفارط، حاولت إلقاء الضوء على الأحداث، والتغيرات النفسية، والمشاكل التي اعترضت سبيله أثناء اجتهاده للحصول على عضوية مجلس الشعب.. فقلت إن عبد الحميد، في الدورة التشريعية السابقة لترشحه، كان يعيش في القرية، ويرى مظاهر انتخابات مجلس الشعب بسيطة للغاية؛ إذ كانت تأتي، بين الحين والآخر، سيارة عتيقة، أو حديثة، يفتح سائقها النافذة ويسأل الشبان المتسكعين على البيدر عن دار المختار، ثم تمضي السيارة إلى الجهة التي يشيرون إليها، ليشرب ركابُها فنجاناً من القهوة المرة عند المختار، ويطلبون منه أن يعطيهم أصوات قريته لمرشحهم.. ومع أن المختار لا يمون على ربع صوت من أصوات أهل القرية، يقول لهم، على نحو تلقائي:
- حلت البركة. إن شاء الله خير.
فيغادرون محملين بشحنة من الأمل المخاتل، وتتوقف الحركة إلى حين قدوم سيارة أخرى.
علق أبو جهاد قائلاً:
- بالفعل جو الانتخابات في القرى هيك. نحن قريتنا يا دوب فيها ألف ناخب، كان يزورنا في وقت الانتخابات أكتر من تلاتمية مرشح. وكلهم نوعدهم، وبالأخير ما نعطيهم أصوات.
أبو المراديس: نعم. ولما أجا عبد الحميد ع إدلب اختلف عليه الجو. صار يشوف مظاهر احتفالية جديدة.. في إدلب كانت الحركة الدعائية سريعة، سيارات رايحة وسيارات جاية، وإذا بتطلّع ع السيارات من ورا بتلاقي ملزوقة على زجاجها صورة مرشح ببدلة رسمية مع كرافة، ومرشح تاني باللباس العربي، حاطط على راسه حطاطة بيضا وعقال أسود (بريم)، وفي مرشحين بتكون الزعامة ضاربة بروسهم، فبيدنكزوا البريم لقدام، وبجنب صورة المرشح بتلاقي صورة لحافظ الأسد، وتحتها عبارة من قبيل (قائد مسيرة التصحيح الرفيق المناضل حافظ الأسد) أو (الفريق الركن حافظ الأسد بطل التشرينين وباني سورية الحديثة)، وأحياناً بتشوف صورة ثلاثية فيها باسل وبشار وماهر بالنظارات السود، وتحتها عبارة (هكذا تنظر الأسود)!
أبو محمد: الحمد لله، أنا بهديكة الأيام ما كنت فاضي لكل هالقصص. شغلي كان ياخد كل وقتي.
أبو المراديس: هادا لأنك رجل محظوظ.. وكانوا أفراد شلة أبو أيوب الفارط يطلعوا الصبح على أشغالهم، في النجارة، والحلاقة، ونقل الركاب والبضائع، وتنجيد اللحف، والقصابة، والسمسرة العقارية، وتشحيل الزيتون، وصب البيتون، وتصليح الصرامي، وصناعة القواديس، ولحام تنكات الزيت بالقصدير.. وأثناء الشغل كانوا يطلبوا من زباينهم يحطوا "صوت" لمرشحهم عبد الحميد الفارط.. فإذا احتج واحد من الزباين وقال: بس هادا مهبول!
بيرد عليه:
- لَكْ سيدي، سعره بسعر المهابيل اللي مترشحين لهالمجلس التعبان!
ومع انقضاء ساعات النهار يعود أفراد الشلة من أعمالهم، يتناولون بضع لقيمات تقيم أودهم، ثم يخرجون لممارسة حقهم بالمشاركة في أعمال الدعاية لمرشحهم الذي لا يرضون عنه بديلاً.
أبو المراديس: بهداك اليوم، كانوا الولاد عم يلزقوا صور عبد الحميد الفارط بمادة الصمغ اللي مستخرجينها من جذوع أشجار التفاح والكرز والفستق الحلبي، ع الحيطان، وفجأة أجا "أبو إبراهيم البايملي" من بعيد وعم يصيح (وقفوا تلزيق، الشغلة تفركشت).. سألوه عن السبب، قال:
- ما فيني إحكي هون. الحقوني على دار البخ.
لحقوه. ولما صار كل أعضاء الشلة بالإضافة للمرشح أبو أيوب في دار البخ، بلش أبو إبراهيم يعمل مقدمات، ويحكي عن خيوط المؤامرة المحبوكة ضد مرشحنا بشكل محكم، وقال إنه نحن لازم نواجه المؤامرة برباطة جأش، و...
قال أبو عبدو بياع الكسيب والحلاوة اللي كان يرتجف من الغضب:
- احكي معنا متل الخلق يو خاي أبو ابراهيم. لا تقل لي مؤامرة وخيطان وربط جأش وحكي فاضي، خلينا نفهم أيش صار، وقول لنا مين هوي اللي عم يدوس عَ طرفنا حتى نلعن أبو اللي خلفه!
قال علي البرمة: بصراحة يا أبو عبدو؟ غريمنا هو المحافظ.
أبو المراديس: بتتذكروا لما حكى الأستاذ كمال عن الموقف اللي صار بين عبد الحميد الفارط ومحافظ إدلب، قلت لكم إنه هاي القصة حلوة، وفيها تفاصيل كتيرة. أنا راح إحكي لكم هلق الحكاية بالتفصيل. يا سيدي لما أعضاء الشلة سمعوا بالحدث الطارئ انزعجوا كتير، وقال أبو سلمو العتال بنوع من الاستعلاء:
- هلق هادا المحافظ التعبان صار غريمنا على آخر الزمان؟ علي الطلاق بالتلاتة هوي متل عظرط، لا بيحل ولا بيربط!
بصعوبة بالغة استطاع أبو عبدو بياع الكسيب يسكتهم، وشال فردة صباطه ورفعها لفوق وقال:
- وإذا كان المحافظ يعني؟! علي الطلاق بالتلاتة، المحافظ واللي أكبر منه على قفا هالصرماية!
قال أبو علام القبلي:
- بالإذن من أخونا أبو عبدو، ومن كل الشباب، لازم نفهم بالضبط، أيش عمل المحافظ؟
قال أبو علي البرمة:
- عم يقولوا إنه أحال طلب ترشيح حبيبنا عبد الحميد الفارط إلى اللجنة الدستورية، واللجنة درست الطلب، ورفضت ترشيحه.
عقلت حنان: واضح إن القصة تعقدت كتير.
أبو المراديس: ما حدا من العقلاء الموجودين في دار البخ قدر يسيطر على مشاعر الغضب. طلعوا من الدار، وانتشروا في شوارع المدينة، وتغلغلوا بين البيوت والأسواق والمحلات التجارية، وصار كل واحد منهم يعمل اتصالاته مع معارفه من أهل الحل والربط في حزب البعث، والمخابرات، والمكتب التنفيذي للمحافظة، ومجلس المدينة، على أمل يتلافوا الموضوع ويبقى مرشحهم القوي عبد الحميد الفارط في الساحة، لأنه إذا رفض ترشيح الفارط راح يعتبروها ضربة إلهم.. وبالمحصلة قدر أبو علي البرمة ياخد موعد مع المحافظ عن طريق ابن حماه الموظف في ديوان قائد الشرطة.
قال أبو مراد، بعد أن علم بخبر الموعد مع المحافظ، مخاطباً عبد الحميد الفارط:
- أنا بدي أكون صريح معك يا عمي أبو أيوب. هلق الكرة صارت في ملعبك. فإما بتقنع المحافظ بأنك رجل عاقل، ومترشح من أجل الدفاع عن شعبك وجماهيرك الكادحة، يا إما بتاكل هوا بتلتطّ وبتنسحب وبترجع على ضيعتك في ريف أريحا.. وانشالله بوقتها تنباع بالعزا!
(للقصة تتمة)