سيارات سورية أسدية (11)
- أنا في السابق كنت إسرق من غلة الميكروباص لأن المالكْ ضابط أمن حرامي ووسخة..
قال أبو جهاد: حاجتك فلسفة وتبريرات. يكون في علمكْ إنُّه اللي بِيِتْعَوَّدْ عَ السرقة صعب كتير يغير سلوكه.
خشي كمال أن يدخلا في مشاحنة، فقال: بعد إذنك أخي أبو جهاد.. خلونا في موضوعنا.. في السهرة السابقة عطانا أبو الجود وَعْدْ إنُّه يحكي حكايته مع تهريب الحديد المبروم.. بظن الشباب بيحبوا يسمعوها منه.
قال أبو محمد: يا ريت والله. لأن الحكايات تبع أبو الجود كتير لذيذة.
قال أبو الجود: في التمانينات كان في سورية أزمة نقصْ بموادّْ البناءْ، وبالأخصّْ الخشبْ والحديد والشمينتو، وكان اللي عنده سيارة شاحنة يتعرضْ كتير للإغراءات، لأنه إذا بيشتغلْ مع المهربين بيستفيد مصاري كتير، ووبهديكة الأيام كانت أجرة نقلة موادّْ مهربة واحدة أحسنْ من خمس نقلات نظامية! ومع هيك أنا ما رضخت للإغراءات، وأعلنت بين الناس إنه اللي عنده حمولة نظامية أنا جاهز، وبالنسبة للتهريبْ أعتذرْ بشدة. وكان معلمي صاحب السيارة يمدحني ويقول: أبو الجود رجل شريف ومحترم، وأهم شي أنه ما بيشيلْ مواد مهربة في السيارة.
قال كمال: على فكرة، الحديث عن الإنسان النظامي الملتزم الأخلاقي مُمِلّْ، وبيفتقرْ لأي عنصر درامي. يعني، إذا مالِكْ السيارة كويس، والسائق كويس، من وين راح تجي الدراما؟
قال أبو الجود: طول بالك أستاذ كمال، الدراما جاييتك ع الطريق. يا سيدي، وفي يوم من الأيام كنت مارق في مكان قريب من الحارة الشمالية، لقيت ابن بلدنا "الحاج أحمد الفَتلة" واقف قدامْ بناية قيد الإنشاء، نادى لي وقال لي إنه عنده كمية حديد مبروم اشتراها من مؤسسة الأشغال العسكرية بالشام، وحابب ينقلها بسيارتي لإدلب. سألته: الحديد تهريب؟ قال لي: بالعكس، نظامي.. وسَحَبْ من جيبه فاتورة نظامية عليها كومة أختام وتواقيع، وقال لي: شوف بعينك.
قال أبو محمد: الحاج أحمد الفَتلة أنا بعرفه، رجل طيب ومحترم، ومستحيل يشتري مواد مهربة.
قال أبو الجود: صحيح. وبعدما اتفقنا ع الأجور راح معي ع الشامْ.. وحَمَّلْنا كمية الحديدْ المبروم من مؤسسة الأشغال العسكرية بدمشق في النهار، وبإشراف أمين المستودع ومعاونه، وأعطونا ورقة موقعة من مديرهم العام بتتضمنْ خطابْ لكافة الدوريات الأمنية اللي ممكن نصادفها بيأكدْ على إنُّه المادة المحمولة نظامية، و(يُسمح بنقلها بين المحافظات).. ومن هون يا أستاذ كمال بلشت الدراما.
ابتسم كمال وقال له: والله إنك معلمْ في رواية الحكايات يا أبو الجود، وأنا بعتذر عن ملاحظتي السابقة.
قال أبو الجود: لما وصلنا على مدينة النبك تغدينا لحوم مشوية أنا وصاحب البضاعة الحاج أحمد الفَتْلة في استراحة "طيبة" واشترينا "هريسة نبكية"، وتابعنا طريقنا باتجاه الشمالْ باتجاه إدلب.
قال أبو ماهر: وما اعترضت طريقكم دوريات أمن؟
قال أبو الجود: طبعاً.. لأنه بفترة التمانينات، متلما بتعرفوا، كانت فروعْ الأمن كلها تسترزق من خلالْ الأوتوستراد الدولي، كل فرع بيحطّْ دورية ع الطريق، وبمجرد ما توقعْ بإيدهم بضاعة مهربة، أو سيارة مخالفة، بيلقوا القبض على السائق، وإذا ما دفع رشوة للدورية ما بيتركوه.. المهم يا سيدي، نحنا مرينا على تلات دوريات، أو أربعة، على ما أذكر، وكنا نفرجيهم الفواتير والورقة الموقعة من مدير مؤسسة الأشغال العسكرية، فيقولوا لنا (ألله معكم).. وتابعنا طريقنا حتى تجاوزنا مدينة حمص، وجسر الرستن، ونحنا مبسوطين ومكيفين وعم نصيح مواويل سويحلي وشرقاوي وأنا كانت معلقة معي أغنية "أنا قلبي إليك ميال".. المهم، قبلما نوصل لحماه وقفتنا دورية، أما شو توقيفْ! أنا حمدتْ ربي إني خلفت أولاد قبل هاي الحادثة، لأنه من كترْ ما خفت، أكيد انقطع نسلي.
قال كمال وهو في قمة الاندهاش: غريبة.. شو صار؟
قال أبو الجود: من قَبْلْ ما نوصلْ لعند الدورية صاح فينا واحد منهم (قف). وبقية العناصر ركضوا يمين وشمال وتوزعوا ع الطرفين، ولقموا البواريدْ وداروا السبطانات علينا. أنا يا دوب استطعتْ أدوس برجلي اليمين على الفرامْ، ووقفت السيارة، وهون بلشت الإيعازات إلي وللحاج أحمد: ارفعوا ايديكم لفوق، طفوا السيارة، انزلوا بسرعة، منبطحاً، زاحفاً.. أنا يا شباب كلما تذكرت الموقف اللي صار معنا بدعي لربي دعوة.. بقول لحالي: قوات الأمن السورية قوية كتير، الله تعالى يكون في عون الإسرائيليين لما بيعلقوا بإيديهم.
قال أبو زاهر: لا تاكل هم أبو الجود. جماعتنا هني وإسرائيل صحبة قوية ووحدة حال. ومراجلهم ما بتطلعْ غير علينا نحن.
قال أبو الجود وهو يبتلع ريقه بصعوبة: بصراحة أنا نشف ريقي. طبعاً راح إحكي لكم أيش صار بيننا وبين الدورية.. بس مو قبل ما تجيبوا لنا كاس شاي خمير.