سمر رمضاني... حَمَّام النسوان السمراوات والبيضاوات (1)

07 مايو 2019
+ الخط -
في جلسة السمر الرمضانية الإسطنبولية الأولى، كانت "سورية" حاضرة في ذاكرة السامرين، وخَصُّوها بالقسم الأكبر من أحاديثهم، فكأننا، بعد ثماني سنوات من اللجوء، لا رحنا ولا جينا.

بعد تناول الإفطار الدسم في منزل الخال "أبو جهاد"، أخذت أعين الحاضرين تتجه نحو باب غرفة الضيوف، تائقين لحضور أبريق الشاي مع الكؤوس كما هي العادة في مثل هذه اللقاءات. وفي هذه الأثناء حاول أبو مروان ملء فراغ الحديث فقال:

- اليوم الجو في إسطنبول شوب، الحرارة صارت 25 وأنا بطبيعتي بمشي وبستعجل بالمشي. منشان هيك انجبرت آخذ دوش مرتين.

ضحك أبو الجود وقال لـ"أبو مروان": أخدت دوش مرتين؟ ضحكتني وما كان جاية على بالي أضحك.. الله يرحم أيام كنت تتحمم في عتبة الغرفة.. وبتجري المياه اللي طايفة على وجهها الرغوة من فتحة زغيرة في صبة الشمنتو تحت الباب الخشب اللي بيتخ من كتر ما بتنطرش عليه المَيّ الوسخة.


تدخل العم أبو محمد وقال:
- نحن كنا نروح عَ حَمَّام السوق مرة كل أسبوع أو كل عشرة أيام. لأنو بيوتنا ما عرفت نظام الحَمَّام المنزلي لوقت متأخر. وفي السبعينيات تقريباً صاروا الأغنياء لما يعمروا بيوت جديدة يأسسوا فيها "حمام منزلي"، وهالشي صار بالتدريج وبالأخير ما بقي في بلدتنا بيت واحد ما فيه حمام.

قال أبو جهاد: الله يرحم هديك الأيام، كانت الروحة ع الحمام إلها نكهة، وقصص وحكايات..

قال كمال: بالإذن من الجميع، أنا بعرف أنو الحَمَّام كانت تفتح على تلات مراحل. أول شي بتفتح بوقت الصباح الباكر وبتستمر لوقت الضحى، وبهالفترة بيجي الرجال إما لرفع الحَدَث (يعني التَطَهُّر من الجَنَابة) أو منشان الاستحمام العادي الأسبوعي.

الفترة التانية كانت مخصصة للنسوان، والنسوان بيبقوا في الحمام لبعد صلاة العصر.. وكانت تخدم حمام النسوان مرا بيقولوا لها (القَيّمة)، ومن الجمل الشهيرة التي كانت تقولها القَيّمة (يا الله يا صبايا، اعملوا همة، الشمس صارت على القبة)، بتعني أن الشمس انحدرت غرباً. وفي المرحلة الأخيرة بيجي دور الرجال من جديد، وبيستمروا لوقت صلاة العشاء.

قال أبو عبدو، محاولاً تحلية الجو: لا شك أن أحسن شي حمام النسوان.

كان أبو سليم قد أحضر معه العود. وبمجرد ما سمع عبارة حمام النسوان بدأ يدندن، وطلع بأغنية إدلبية شهيرة جداً، تتحدث عن حَمَّام العروس والطقوس الشعبية المرافقة لها:
عَ الهُوني يا سمرا هوني
على حَمَّـامِكْ عَزَمُــوني..

قال كمال: باعتبار أنا عندي شوية ثقافة فولكلورية، بحب قول إنو طَقْسْ "حمام النسوان" كان إلو ضرورات جسدية، يعني هوي مو بس طقس اجتماعي. يعني العروس قبل الوصول إلى ليلة الدخلة، لازم تتعرض لعدة إجراءات بغرض التنظيف والتجميل. لون بشرتها مثلاً بنتيجة الاستحمام بيصير كاشف.. لا سيما أنو معظم الأعراس بتصير في الصيف، والشمس الحارقة بتلوّحْ البشرة بالسمرة، وأكيد كلياتكُنْ بتتذكروا أغنية فيروز الشهيرة..

والتفت نحو أبو سليم فراح يعزف ويغني: ردي منديلك ردي -بيضا والشمس حدي- بكرة بيجي محبوبك- بيلاقيكي مسودي.

وبعد أن غنى أبو سليم قليلاً، توقف وقال:
- بس لا تنسوا إنو معظمنا منحب المَرَا السمرا، بقى وين المشكلة إذا الشمس لوحت بشرة البنت وجعلتها سمرا شوي؟

قال أبو مراد: هاي المسائل الفولكلورية بتصلح للتسلية أكتر من صلاحيتها لتطوير المجتمع. أنتوا كمان بتعرفوا الأهزوجة الشعبية "تَعي ع الفَي". هاي الأهزوجة فيها نفس فكرة (ردي منديلك)، لضرورات الابتعاد عن أشعة الشمس الحارقة.

قال كمال: أغنية (تعي ع الفي) هيِّ عبارة عن مساجلات طريفة بين النسوان لما بيجتمعوا في البيوت، وبينقسموا لقسمين، بعضُنْ بيمدحوا بياض البنت البيضا، والتانيات بيمدحوا سمار البنات السمر.

وراح الجميع يغنون بقيادة أبي سليم:
قالت السمرا أنا أصلي من العَسَل
بيشفي المرضى لو عَ المُغْتَسَلْ
روحي يا بيضا يا قشر البَصَلْ
على أيش يحبوكي؟ على حكيك النَيْ؟
قالت البيضا أنا أصلي من حليب
بيشفي المرضى بإذن الله بيطيبْ
روحي يا سمرا يا عجو وزبيبْ
اللي بيحبوكي بيتندموا عَلَيّْ.

قال أبو ماهر: بدي ألفت انتباهكم لمسألة مهمة. الغناء في جلسات السمر كويس، وبيفتح النَفْسْ ع الحياة، لا كن بيت الخال أبو جهاد صاير في بناية مكتظة، وأنا خايف أن يكون الغني تبعنا مزعجْ للجيران. لهيك بقترح إنو نلتقي في المرات القادمة في بيتي، لأنو صاير في بناية جديدة ما حدا ساكن فيها غير عيلتي أنا وعيلة أخوي إبراهيم.

في هذه الأثناء حضرت الشاي. واستمرت الجلسة على هذا المنوال من الأحاديث العذبة.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...