سمر رمضاني... الرجل الذي أضاع جزدانه (5)

15 مايو 2019
+ الخط -
في جلسة السمر الرابعة التي انعقدت في منزل أبو ماهر بحي "اسنلر" الإسطنبولي، عدنا إلى سيرة "الحَمّام"، فضحك الأستاذ كمال وقال:

- أنا مرة شفتْ في التلفزيون امرأة في مطبخ بيتها، عَمْ تصنعْ طعام "العْجّة"، جابتْ أسطوانة خاصة بجهاز التسجيل، وشغلتها، وصارتْ تسمع صوت رجل (شيف) عم يعطي لسيدات البيوت التوجيهات اللازمة لصناعة العجة، وهيي عَمْ تنفذ توجيهاتو أول بأول. الشيف عم يقول: هيا سيدتي. قَطّعي البقدونس. ضعيه في القدر. رشي عليه مقداراً من الطحين. حَرِّكيه بالملعقة. اكسري بيضة.. وهون بتتعطل الأسطوانة وبتصير بتكرر عبارة (اكسري بيضة) والمَرَا بتتابع تكسير البيض، وبتحطو في الوعاء من دون ما تنتبه إلى أنو الشريط متعطل، ومْعَلِّقْ على هالعبارة!

قال أبو جهاد: كلام الأستاذ كمال صحيح. نحن كمان مْعَلّقْ معنا الشريط على سيرة الحَمَّام..
قال أبو الجود وهو ينظر بطرف عينه إلى أبو جهاد: بظن أنو منغتسل كتير، ومنحكي ع الحَمَّام كتير، لأنو نحن شعبْ وسخْ!
قال أبو جهاد: إذا كنا نحن منتحمم بشكل سريعْ وعابرْ، فأنت يا أبو الجود، بحاجة لورشة مغسلين ومكيسين، لأنك أوسخ واحد بين أبناءْ هالشعب.


تدخل العم أبو محمد: يا أبو جهاد خلونا في المزح والضحك، لا تقلبوا القصة إنته وأبو الجود لمهاترة.
قال أبو جهاد: أنا من كترْ ما بحبو لأبو الجود بتلاقيني عم أمزحْ معو، وبدعيلو إنو الله ياخدو ويخلّصْ أختنا أم الجود منو.
رفع أبو الجود يديه إلى السماء وقال: آمين. صُحْبَةً!

قال كمال: متلما بتعرفوا المتل بيقول إنو الدَخْلة ع الحَمَّـام مو متل الطلعة. بهالمعنى بيكون دخول الحَمّام ورطة، والإنسان العاقل لازم يعرف شلون يطلع منها.. بمعنى آخر الدخول كيفي، ومانو حَكْر على إنسان معينْ، حتى لو كان الواحدْ تعبان وعرقان ومتوسخ بيحسن يدخل، ووقت الطلعة بتلاقيه نضيف ومتطهـر ولابس تياب نضيفة، ولكن الشي الأهم من هادا كلو إنو وقت الطلعة لازم يدفع الأجرة لصاحب الحَمَّام.

قال أبو إبراهيم: ملخص كلام الأستاذ كمال أنو الواحد بيدخل وبيتحمم وبيطلع بعدما يدفع الأجرة. يا سيدي هادا كلام نَظَري. لأنو متلما بتعرفو صديقنا "أبو الجود" مفلس، كالعادة، وما معو فلوس يدفعها لصاحب الحمام. هون بقى بيحصل الموقف اللي بيضَحِّكْ. مو هيك يا أبو الجود؟

قال أبو الجود: تمام. طيب اسمعوا هالقصة، ولا تقاطعوني. مرة راح العم أبو محمد عَ محطة المحروقات وطلب من العامل يعبيلو خزان السيارة (full)، ولما مد إيدو عَ جيبه اكتشف أنو نسيان المصاري في البيت. ومرة راحْ أبو مرداس ليشتري فول من عند الفوال "عيد" اللي دكانو قريب من دوار الكرة في إدلب، وبعدما الفوال عَبَّالو الصحن فول اكتشف أنو نسيان المصاري في البيت.. المغزى من هالحكي إنو هاي الشغلة بتصير مع كل الناس.. طيب، برأيكن، أشو كيف بيكون رد فعل البائع بهيك حالة؟

قال أبو وليد: أشو؟
قال أبو الجود: عامل محطة البنزين بشيل خرقة نضيفة وبيمسح البلور الأمامي تبع سيارة العم أبو محمد، وبيقول له: عَ حسابك عمي، إذا ما معك مصاري هلق بتعطينا بعدين، وحتى إذا ما عطيتنا، ماهي مشكلة، لأنو خيرك سابق.. والفوال بيقلو لأبو مرداس: كلها على بعضها خمسين ليرة، ما هي محرزة يا أستاذ، المرة الجاية بتحاسبنا.. وبصراحة أنا بستغرب أنو هدولْ بينسوا حالُنْ بلا مصاري.. أنا مثلاً ما صارت معي بحياتي أني نسيت المصاري في البيت، لأني في الأساس ما معي مصاري..

قال أبو زاهر: من فضلك يا أبو الجود خلينا نرجع لسيرة الحَمَّام.
قال أبو الجود: جاييك بالحكي. مرة من المرات توسخ جسمي وملابسي صارت متل الزفت، ومع أني بعرف أن (الدَخلة عَ الحَمَّام مو متل الطلعة)، توكلت على الله ودخلت. ومو بس دخلت، صرت قول لحالي: إذا المركب غرقان عَطِيْهْ رفسة.. وعلى هالأساس صرت أسيدْ وأميدْ جواتْ الحَمَّام، وأتمنفخْ عَ العمالْ، وطلبتْ من الحَمَّامْجي أنو يبعتلي المْكَيّسْ، ويبعتْ العامل ع السوق ويشتري لي علبة دخان أجنبي وقنينة "كازوز ستيم حمرا".. وهيك لوقت ما انتهينا من الاستحمام، وبعدما لَفُّوني بالمناشفْ البيض طلبتْ كأسْ شاي خميرْ.. خلاصة القول وصلنا إلى الدفع. وقتها قلت للحمامجي: لا تواخذني حاجّي، أنا نسيان جزدان المصاري في البيت.

بلع الحمامجي ريقو وقال لي: ماهي مشكلة، هلق أنا ببعت العامل معكْ عَ البيت، بتعطيه الأجرة والبخشيش وبتصرفو.

صفنتْ شوي وقلتْ له: محكمة الصلح المدني عنا في البلدة فيها تنين قضاة. الأستاذ عمر اللي بيداوم سبت وتنين وأربعا قاضي كتير كويس ومحترم، وبيحاول يساعد الناس الطفرانين. أما هداكا الأستاذ هَدَّادْ اللي بيداوم أحد وتلاتا وخميس كتير لئيم. أنا إلي عندك رجاء، إذا حبيت تشتكي علي لتحصّلْ حقوقك مني، حط الدعوى عند الأستاذ عمر. بلكي بيساعدني وبيحبسني مدة قصيرة.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...