سر اهتمام أميركا المفاجئ بمسلمي الصين

14 مايو 2019
+ الخط -
تشير كل التقارير الحديثة الصادرة من داخل الصين إلى أن الأقلية المسلمة تتعرض لممارسات وحشية من قبل السلطات هناك، ممارسات تصل إلى حد القتل الجماعي والاختفاء القسري ومنع المسلمين من أداء الشعائر كالصلاة والصيام، وهذا أمر أصبح معروفا للكثير حول العالم، وباتت وسائل الإعلام العالمية تسلط عليه الأضواء من حين لآخر.

ومع زيادة معاناة الأقلية المسلمة في الصين يمكن أن يصدر من وقت لآخر بيان من منظمة المؤتمر الإسلامي، أو تنديد وشجب من إحدى الدول العربية أو الإسلامية لذر الرماد في العيون، لكن الملفت في الأمر هو اهتمام الحكومة الأميركية وإدارة دونالد ترامب المفاجئ والمتزايد بحقوق المسلمين في الصين وشجبها الممارسات الوحشية التي يمارسها نظام شي جين بينغ ضد هؤلاء.

وخلال الفترة الأخيرة خرج علينا عدد من أبرز المسؤولين الأميركيين ليتحدث عن اضطهاد الأقليات المسلمة في الصين، مثلا هاجم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يوم 8 مايو النظام الصيني، وأكد أنه يحتجز أكثر من مليون مسلم من الإيغور الذي ينتمي معظمهم لإقليم شينغانغ.

وقبلها، اتهم راندال شرايفر، مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن في منطقتي المحيط الهندي والهادئ السلطات الصينية باحتجاز نحو ثلاثة ملايين شخص من أقلية الأويغور، وذلك في إفادة للبنتاغون.


وتحت عنوان "الإيغور يضطهدون في الصين.. يجب على الولايات المتحدة حمايتهم"، دخلت كريش أومارا فييناراجاه رئيسة دائرة الهجرة واللجوء اللوثرية الأميركية على الخط، إذ طالبت الكونغرس بممارسة سلطته لحماية الأقليات الدينية في الصين مثل مسلمي الإيغور من الاضطهاد الديني.

يواكب ذلك اهتمام من وسائل الإعلام الأميركية المفاجئ والملفت بالقضية، بل وتسليط شبكة سي أن أن الأميركية الضوء وبقوة على قضية اضطهاد المسلمين في الصين من خلال نشر صور نادرة وتقارير لمخيمات اعتقال المسلمين، بل وتنقل عن مسؤولين أميركيين قولهم إن ما يصل إلى مليوني شخص، جميعهم تقريبًا من المسلمين، قد وُضعوا في معتقلات بشكل تعسفي، وهناك اتهامات بتعذيبهم. ويمضي مراسلو مكتب CNN أسبوعاً في بكين لنقل الأخبار من إقليم شينغيانغ غربي البلاد حيث تتم إبادة المسلمين.

إذن، هناك اهتماما متزايدا من قبل واشنطن وإدارة ترامب بالأقلية المسلمة في الصين، وبالتالي فإن السؤال هو: "ومنذ متى تهتم أميركا بحقوق المسلمين في الصين"، بل "ومنذ متى تهتم بقضية الأقليات المسلمة وغيرها في العالم، وهي التي تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة العربية والإسلامية، بل وتسمح لأنظمة ديكتاتورية في المنطقة بقتل وسحل واعتقال وسجن وانتهاك حقوق مواطنيها، وبالتالي لا يهم ترامب وإدارته كثيرا حقوق الإنسان الصيني، سواء كان مسلما أو ينتمي لديانات أخرى.

في تقديري، فإن الاهتمام الأميركي بقضية الأقلية المسلمة في الصين ينبع من مبررات اقتصادية وتجارية ومالية بحتة، فترامب يسعى للضغط على الصين لتقديم تنازلات كبيرة في ملف المفاوضات التجارية المتعثرة والتي أنتهت جولتها الأخيرة بالفشل.

وتتعدد صور الضغط التي يمارسها ترامب ضد الصين، فمرة يضغط عن طريق زيادة الرسوم الجمركية من 10% إلى 25% على واردات صينية بقيمة 200 مليار دولار، ومرة ثانية عبر التلويح بفرض رسوم على سلع صينية إضافية بقيمة 300 مليار دولار، وهو ما سيشمل فعليا جميع الواردات الصينية برسوم جمركية.

ومرة ثالثة عبر اتهام بكين بسرقة الملكية الفكرية للصناعات والاختراعات والشركات الأميركية، وهو ما يلحق خسائر بالاقتصاد الأميركي تقدر بنحو 600 مليار دولار.

ومرة رابعة عن طريق مهاجمة شركة هواوي، كبرى الشركات الصينية واتهامها بالتجسس لمصلحة الحكومة الصينية، وخامسة عن طريق تحذير بكين من إضعاف عملتها اليوان لزيادة الصادرات الخارجية، وهو ما يلحق أضرارا بالمنتجات الأميركية في الأسواق العالمية.

أما جديد الحرب التي يشنها ترامب ضد الصين فهي عن طريق تشويه صورة الحكومة الصينية أمام العالم العربي والإسلامي، وإظهار الصين على أنها دولة قمعية وسلطوية وتمارس حرب إبادة ضد المسلمين، وهو ما يساهم في التضييق على المنتجات الصينية في الأسواق العالمية ومنها أسواق المنطقة العربية والدول الإسلامية، ونشوء حركات مقاطعة لها.

ترامب لا يهمه كثيرا حقوق الإنسان المسلم في الصين، حيث ينتهك حقوق المسلمين في منطقة الشرق الأوسط، ويمنع السوريين واليمنيين وغيرهم من العرب من دخول أميركا، هو فقط يريد الضغط على الصين لانتزاع أكبر مكاسب مالية خلال جولة المفاوضات التجارية، وما يهمه أن تخرج واشنطن فائزة في الحرب التجارية الحالية المستعرةَ. ترامب يرفع شعار "أميركا أولا" وينفذه بالحرف، وهو شعار انتهازي لأنه لا يراعي مصالح الدول الأخرى.

ترامب لن ينقذ الأقلية المسلمة في الصين من القتل والتعذيب والاختفاء القسري، والرهان على الحكام العرب خاسر لأن لهم مصالح سياسية واقتصادية مع النظام الصيني الذي بات يمدهم بالقروض الضخمة، الرهان فقط على الشعوب العربية والإسلامية التي تستطيع ردع الصين عن ممارساتها القمعية بحق المسلمين عن طريق مقاطعة المنتجات والسلع الصينية، هذا هو الحل العملي والناجح.

#قاطعوا_المنتجات_الصينية
مصطفى عبد السلام
مصطفى عبد السلام
صحافي مصري، رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد".