"ستوري" الصيف الجميل والأرواح الفقيرة

19 يوليو 2023
+ الخط -

يشعر الإنسان بالنشوة وهو يشارك صوره المرفقة بموسيقى الفرح، مستعملاً خاصية  "ستوري" في السوشل ميديا، غير أنّه قد يشعر، في الوقت نفسه، بالقرف والضيق وهو عائد في الحافلة المكدّسة بالبشر وجلده غارق في ملح البحر. لكنه قد لا يدرك العلاقة بين الأمرين، فهل سبق وشاهدت "ستوري" لحافلة من  "المُمَلَّحين"؟.

هكذا تحوّل الصيف البريء إلى حفلة للمهووسين بالمتعة السطحية، كلّ حسب جيبه، ذلك أن المُتع درجات... هذه هي حفلة تعويض الفقر الداخلي بثراء سطحي مزيّف، وليس ذلك الاستمتاع الإنساني الذي نشارك فيه بما نحب، مواهبنا وجماليات حياتنا إلى جانب الملذات الحسية. إذ لسنا هنا بصدد الدعوة المريضة لإنكار الحياة وتعويضها بمشهد خارق من الزهد المَرضي، بل هي ملاحظة بسيطة للاحتفاء بالحياة بشكل أكثر إنسانية.

يقدم الفيلسوف الألماني كارل ماركس نصّاً لطيفاً عن هذه المفارقة، إذ كتب: "كلّما قلّ ما تأكله وتشربه وتقرؤه من كتب، وقلّ تردّدك على المسرح وقاعة الرقص والمقصف، وقل نصيبك من التفكير والحب والتنظير والغناء والرسم والمبارزة إلخ... كلما زاد ما تدخره (كلما زاد كنزك الذي لا تستطيع العتة ولا الغبار أن تلتهمه) زاد رأسمالك. كلما قلّ وجودك زاد ما تملّكك... وكلّ ما تستطيع صنعه، يصنعه مالك، إنه يستطيع أن يأكل ويشرب ويذهب إلى قاعة الرقص والمسرح، يستطيع أن يسافر، ويمتلك الفن... ومن هنا فإنّ كلّ العواطف وكلّ فاعلية لا بد أن تغرق في التعطّش للثروة". (ماركس، الاقتصاد السياسي، ص:67). 

تمّ تدريب الناس مثل كلاب بافلوف على الاستجابة لنوع محدّد من الملّذات القابلة للبيع، وهذا أمر يمكن عكسه وإصلاحه

لقد أضاف ماركس أنّ الإنسان يتعرّض للنهب مقابل الحصول على المتعة، لذلك يجب تحرير المتعة من الاقتصار على الملذات الحسية فقط، إلى ملذات أكثر عمقاً، أي الملذات البسيطة التي تحتاج تدريباً جديداً للإنسان، مثل تلك المتع غير المهووسة بالبيع، وهذا أمر غير مستحيل تماما، فقد تمّ تدريب الناس مثل كلاب بافلوف على الاستجابة لنوع محدّد من الملّذات القابلة للبيع، وهذا أمر يمكن عكسه وإصلاحه. وعندما كتب الكاتب الإيطالي تشيزاري بافيزي رواية "الصيف الجميل"، فقد كانت بطلتها "جينا" الخياطة الفقيرة، مراهقة بريئة، تخجل من عرض جسدها الأنثوي أمام تحديق الشاب الرسام "غويدو"، غير أنّه ذاته من سيحوّلها إلى "موديل" صالحة لمهنة الرسم. كذلك يمكننا العودة الى نوع من النضج الإنساني، والذي يحتفي بالملذات العميقة والإنسانية فينا. 

 

حاتم تنحيرت
حاتم تنحيرت
أستاذ مادة الفلسفة في الثانوي التأهيلي، وحاصل على درجة الماستر بعلم الاجتماع. يعبّر عن نفسه بالقول "لا توجد مقولة تختزل الإنسان".