02 سبتمبر 2024
رفعت الأسد يضرب من جديد (2)
في سهرة "الإمتاع والمؤانسة" الإسطنبولية السابقة؛ دخلتْ سيرةُ الرفيق رفعت الأسد على الخط بمناسبة تآمر محكمة إمبريالية فرنسية عليه، وإصدارها حكماً عليه بالسجن أربع سنوات، إضافة إلى مصادرة منزله في لندن الذي تبلغ قيمته 29 مليون جنيه إسترليني، وبقية ممتلكاته في فرنسا، وهي بمئات الملايين من اليوروهات.
وذكر الأستاذ كمال أن رفعت الأسد كان زميل "أبو المراديس" في اتحاد الكتاب العرب، فأكدتُ على صحة كلامه، وذكرت أننا، أنا والزميل رفعت الأسد، فُصلنا من الاتحاد بقرار واحد موقع من رئيس الاتحاد الذي كان يشمئز ممن يخاطبه بلقب دكتور (حاف)، ويصر على أن يسمى (الأستاذ الدكتور حسين جمعة).
طالبني الأصدقاء بسرد تفاصيل هذه الحكاية، ووعدتهم بذلك، ولكن أبو الجود رفع يده طالباً الإذن بالكلام.
كمال: أنا بتمنى من أبو المراديس إنه يأجل حكايته، لأنه أبو الجود بالعادة ما بيدخل ع الخط غير لما بيكون عنده حكاية كويسة.
أبو المراديس: أنا موافق على التأجيل بحماس. تفضل يا سيد أبو الجود.
أبو الجود: متل ما بتعرفوا رفعت كان مسؤول كبير في الدولة البعثية الأسدية، ورتبته في الجيش لواء يا إما فريق ما بعرف، وأما ضيعتنا فأكبر مسؤول طلع منها هوي "أبو سليمان الطشي" اللي صار مشرف على مولدة المياه في قرية كفرية، وأعلى رتبة وصل لها واحد من ضيعتنا كانت رتبة ملازم أول بنجمتين علقها ابن ضيعتنا عبدو الطحطح، وقبل ما يترفع لرتبة نقيب شكوا بولاؤه للقائد حافظ الأسد وسرحوه.
أبو جهاد: بعمري ما شفت أعلك منك يا أبو الجود. أنا دخيل قشاط فردك، بأيش بيفيدنا هالحكي؟
أبو الجود: كيف ما بيفيدنا؟ أنا بدي قول إنه مستحيل في ضيعتنا يكون في حدا بيعرف رفعت الأسد، فكيف بدي أعرفه أنا؟ المهم إنه في قصة صارت معنا على أيام رفعت، بتذكر إني حكيت لكم ياها قبل الحظر تبع كورونا، بطلها إبني المنحوس محمود. بوقتها كان محمود عم يخدم عسكرية في قطعة متمركزة قرب بلدة الكسوة، وكان آخد إجازة، وشافُه رفعت في الضيعة، ومدد له إجازته أسبوعين.
أم زاهر: نحن السيدات ما كنا حاضرين معكم، وما سمعنا هالحكاية.
حنان: عفواً، مين اللي عطاه إجازة لإبنك محمود؟ رفعت الأسد ما غيره؟
أبو الجود: لأ. بس كان عندنا في الضيعة شاب سرسري اسمه رفعت، كانوا مسلمينه قيادة الفرقة البعثية وجمع الاشتراكات من الرفاق البعثيين في الضيعة. وإبني محمود كان رايح ع الكراج بده يسافر حتى يلتحق بقطعته، تلاقى فيه رفعت وقال له: ولاك محمود اسمع مني لا تروح، غيب شي أسبوعين تانيين، وإذا حدا سألك ليش تأخرت، قله الرفيق رفعت مدد لي الإجازة، وصلى الله وبارك!
محمود، من دون شي (عقلُه جوزتين في خُرج)، رجع عالبيت، ومَضّى في الضيعة أسبوعين، وبعدها سافر. ولما وصل ع قطعته العسكرية شاف النقيب أيمن قائد الفصيل واقف عند الباب، شفته الفوقانية عم ترجف، وإيده مطبوقة على شكل بوكس، وما كان مستني غير كلمة وحدة لحتى يفتح في وجه محمود شوارع، ويعجقه برجليه لحتى يساويه خبيصة. والظاهر إنه محمود أحس بالعطب، فقال للنقيب أيمن: يا سيدي، والله أنا ما كنت بدي إتأخر، بس الرفيق رفعت قال لي تأخر وعلى مسؤوليتي.
هون ارتخت أعصاب النقيب أيمن، وبطلت شفته الفوقانية ترجف، وسأله لمحمود: عم تحكي جد؟ الرفيق رفعت (ما غيرُه) هوي اللي قال لك تأخر؟
محمود بالعادة لما بيكذب ما بيحلف بحياة والدته، لأنه بيخاف اليمين الكاذب يقصف عمرها، بيحلف بإسمي، ومو سائل علي إذا بينقصف عمري. فقال للنقيب: يا سيدي، وحياة أبوي الغالي المحترم، إن الرفيق رفعت (ما غيرُه) هوي اللي قال لي تأخر، وقال لي لا تخاف. على مسؤوليتي.
النقيب أيمن (بخشوع ورهبة): حبيبي محمود، إنته من وين بتعرف الرفيق رفعت؟
محمود: يا سيدي كيف ما بعرفه؟ هوي من ضيعتنا.
ابتسم النقيب أيمن وقال له: طيب يا إبني يا محمود. روح على خيمتك. ارتاح من تعب السفر، وبعدين منحكي.
حنان: حلو كتير.. يعني عفا عنه؟
أبو الجود: صار مع محمود بوقتها متلما صار مع الولد اللي قال لأبوه كمشت حرامي، قال له (اتركه)، فقال الولد (والله يا أبي أنا تركته، لكن هو ما عم يتركني)! تبين إنه هادا النقيب أيمن متوقف ترفيعه من عشر سنين، لأنه في مجند بعثي مخبر كتب فيه تقرير إنه شافه عم يصلي.. ولما عرف إنه محمود من ضيعة الرفيق رفعت استبشر، وقال لحاله (خلص، هاد العسكري المجند ممكن يتوسط لي عند الرفيق رفعت، بلكي بيحكي لي مع قيادة أركان الجيش وبيرفعوني).. لكن الشغلة الوحيدة اللي كان النقيب ما بيعرفها إنه لو أراد الرفيق رفعت الأسد يدمر كل سورية ما راح يدمر ضيعتنا، لأنه ما بيلاقيها ع الخريطة! ولما عرف النقيب أيمن إنه في التباس، وإنه الرفيق رفعت ابن ضيعتنا واحد تاني غير رفعت الأسد وقف في الاجتماع الصباحي وقال على طول صوته: العسكري الواطي الخاين محمود، اللي غاب عن الفصيلة 15 يوم بدون عذر شرعي، فوراً بيشلح بالشورت وعاري الصدر، وبينزل ع الميدان..
محمود لما سمع الكلام ابتسم، وصار يحكي لرفاقه بصوت واطي عن غباء النقيب أيمن، وكيف خربط بين الرفيق رفعت السرسري تبع ضيعتنا والقائد رفعت الأسد.. وصاروا المجندين يطَّلَّعُوا ع النقيب أيمن ويضحكوا، وهادا الضحك زاد حالته العصبية، وبلش يعاقب محمود بتمارين رياضية قاسية، وخبطه قتلة مضاعفة، وبعدما رجع على مكتبه كتب فيه تقرير غياب فوق الـ 15 يوم، وبعته على سجن تدمر، واتصل بمدير سجن تدمر وقال له: يا سيدي العقيد الله يوفقك، هادا العسكري محمود كتير حقير وواطي، لا تنسالي إياه من القتل، وصي العساكر، بقد ما بيحسنوا يقتلوه.
المهم إنه محمود قعد في تدمر تلات أشهر، وما اهتم، لأنه بالأساس متعود عالسجن، بس اللي تضرر من هالعملية هوي النقيب أيمن، لأن قصة الغباء تبعه انشهرت في الفصيلة وفي الكتيبة، وصار اسم الفصيلة تبعه (فصيلة بيت أبو رفعت)، وصاروا بعض العساكر يألفوا قصص بتفرّط من الضحك عنه.
(للقصة تتمة)