دردشة طويلة مع الأستاذ بشير الديك (6/10)

29 أكتوبر 2020
+ الخط -

ـ عشان بس أكون دقيق في المسألة دي يا أستاذ بشير، حضرتك أعدت كتابة سيناريو فيلم (الهروب) كاملاً، لكن إيه هي الحاجات اللي فضلت من شغل الأستاذ مصطفى محرم، هل هي القصة العامة والشخصيات؟

تقدر تسأل صديقك صلاح السعدني، هو المفروض كان في الأول قبل ما أعيد الكتابة كان عاطف عايز صلاح يلعب دور ضابط البوليس اللي لعبه عبد العزيز مخيون، فلما راح له السيناريو قال لأ مش هاعمل الدور ده، ما فيش أي حاجة خالص فيه، لما شاف بعد كده الفيلم لما اتعرض، لقى إن عبد العزيز مخيون بيلعب دور بطولة، مش مجرد دور هامشي، وده يقدر يديك فكرة عن اللي عملته في السيناريو. بص أنا ما أعرفش اشتغل في السيناريو زي ما يكون هندسة، يعني أقولك نشوف ده ونشيل ده ونحط ده، أنا أعرف آخد قرار بالشغل وبسم الله الرحمن الرحيم أشتغل ونشوف الحكاية هتطلع إزاي، والشيء الوحيد اللي التزمت بيه هو إن عاطف كان عنده حلم وما اتحققش في الكتابة الاولى وهو إن الاتنين منتصر والضابط يموتوا وهما حاضنين بعض، وده بيلف يحاول يحميه وده بيلف يحاول يحميه، ده اللي كان عاطف بيحلم بيه للمشهد الأخير وده اللي أنا التزمت بيه، أما مثلا شخصية البنت الرقاصة اللي هي هالة صدقي ده ابتكار كامل مني، كذلك الأم وعلاقتها بابنها، وعلاقة مصطفى بالضابط زي ما قلت لك.

ـ طيب والضابط اللي اتدرب في أميركا، اللي لعب دوره محمد وفيق؟

برضه ده ما كانش موجود وأنا كنت عايز أقدم شكل مختلف للضباط وطريقة الاستغلال السياسي للجرائم والحوادث.

ـ الحقيقة الشخصية دي بالنسبة لي هي أهم حاجة في الفيلم كله كمعنى، يعني الفيلم فيه حاجات كتيرة لطيفة بس من غير النقطة دي الفيلم يفقد حاجات كتير، عموماً أنا لو فتحت في الكلام عن الفيلم ده مش هاخلص لإنه فيلمي المفضل من شغل عاطف الطيب، لكن كنت عايز أتكلم عن فكرة التعاون بينك وبين عاطف كفريق عمل، كنت قريت إنك شاركت عاطف في قرار الاستعانة بالصوت البشري اللي هو زي صوت الحادي؟

زي ما قلت لك العلاقة بيني وبين عاطف مش مجرد كتابة سيناريو وخلاص، لأ ده فريق عمل عايش مع بعضه طول الوقت، يعني بالنسبة لحكاية الصوت اللي بتشير إليه ده كان استخدمه قبلنا بشكل مختلف مخرج أفريقي في فيلم اسمه (الريح) على ما أتذكر، كان خد جايزة كبيرة في مهرجان كان، وكنا معجبين بيه جدا، فجت فكرة استخدام صوت شبيه يدي إحساس ملحمي للبطل الشعبي بأحزانه ومخاوفه وانكساره.

ـ هل ده كان بيحصل في كل أفلام عاطف؟

في كل أفلام عاطف، يعني كنا بنقرّي بعض شغلنا، وآخد رأيه في سيناريوهاتي والعكس، يعني مثلا فاكر إنه مرة قرّاني فيلم كان هيعمله مع وحيد حامد، اللي هو فيه حكاية المخابرات، آه، كشف المستور، فأنا قريت السيناريو وكتبت له ملحوظات، ومش بس كده، كلمت وحيد وقلت له يا وحيد في كذا وكذا وكذا في السيناريو، ولو اتعمل كذا هيبقى أحسن، قال لي عندك حق وكان متجاوب معايا تماما، وطول الوقت كان في بيننا احترام وتقدير برغم المنافسة، وكان هو يقول أنا ما باحسبش حساب لحد غير بشير الديك.

ـ طيب مصطفى محرم نفسه، وعلاقتك المركبة بيه من أول ما اشتغلت معه كاتب حوار في فيلم (مع سبق الإصرار)، إيه اللي ممكن تقوله عن العلاقة دي، أنا عارف إن في مساحات كتير ممكن ما تحبش تقولها بس إيه اللي ممكن تقوله من باب التوثيق؟

يعني العلاقة كانت في البدايات خالص، أنا كنت واحد جاي بره هذا العالم السينمائي بالكامل، وكان حلمي إني أكتب قصة قصيرة، ونشرت بالفعل، مش كتير أوي يعني، لإن السينما أخدتني بعد كده، لكن نشرت في جرنان المساء ومجلة المجلة ومجلة جاليري 68 والآداب البيروتية وجرنان الثورة في العراق وكده يعني.

بدأت أكتب الحكاية زي ما أنا متخيلها بجنون، وأدي أشرف فهمي ومصطفى محرم والمنتج يقروا، ويمكن كانت أول مرة أسمع كلمة incredible  وكل شوية أديهم يقروا ألاقيهم يقولوا لي excellent وكانوا فرحانين جدا بالموضوع

ـ هل كتبت رواية؟

كتبت مشروع لكن ما اكتملش وكنت مستني أكمله لكن ده ما حصلش.

ـ هل قدمتها في عمل درامي ليك بعد كده؟

أكيد طبعا

ـ اللي هو إيه؟

لا مش فاكر والله دلوقتي لكن فاكر إني عملت الفكرة والشخصيات. أنا أصلا قبل ما أبدأ في السيناريو كنت كتبت قصة سينمائية عنوانها (زائر المدينة الميتة) وحاولت أديها لعلي عبد الخالق ومصطفى محرم وكان معاهم صلاح السعدني، كانوا قاعدين في قهوة كده، ولقيتهم قاعدين بيتناقشوا مع بعض وفكرت أعرفهم بنفسي وأديهم القصة، لكن حسيت إني هابقى متطفّل، فشربت القهوة بتاعتي ورحت ماشي وبعد كده ما فيش حاجة خالص في مجال السينما، لغاية ما سبت دمياط واتنقلت القاهرة، قمت اديت القصة دي نفسها لواحد بقال من بلدنا كانت بتروح له الدكان أم زوجة مصطفى محرم، وقلت له يا ريت تخليها تدي القصة لمصطفى محرم، وكان أقصى آمالي إن مصطفى محرم يقراها ويبعت لي رد، لكن سبحان الله لقيته هو اللي بيدور عليا، وقعدنا مع بعض وكان أول اختراق ليا للعالم ده اللي أنا جاي من براه تماما، وبعد كده نقلني مصطفى محرم وعلي عبد الخالق إلى قلب العالم ده، ولما قروا المعالجة اللي أنا كاتبها بدأوا يفكروا مين اللي هيمثلها، هل محمود ياسين وفاتن حمامة؟ وكنت قاعد معاهم ساعتها على قهوة ريش ولقيتهم بيسألوني إيه رأيك في محمود ياسين وفاتن حمامة يعملوا القصة؟

ـ دي اللي اتحولت إلى (مع سبق الإصرار)

لأ، دي قصة مختلفة وما اتعملتش خالص.

ـ كانت شبه إيه من شغلك يا أستاذ بشير؟

(زائر المدينة الميتة) دي يا سيدي كانت عن شاب مهندس كل ما يتحرك في مكان في البلد يلاقي كل شيئ ميت وما بيقدرش يعمل فيه أم أي حاجة فيبدأ يتحرك، ويحاول يحرك الواقع، في الغيط في المنحل، في أي مكان، وبعدين تحصل قصة حب تفجر هذا الكيان الساكن المقتول الميت اللي هو المدينة الميتة. المهم إني كنت عامل شغل حلو فيها، فعجب مصطفى محرم وعلي عبد الخالق، بس في الوقت ده كان علي عبد الخالق اتوقف شغله في السينما بسبب فيلمه الأول (أغنية على الممر) وبالتالي اتحط في القائمة السوداء، وأصبح "بلاك ليست"، فنسينا الموضوع وهو قال لي اديه لأي مخرج، قلت له لأ هاستناك لما الظروف تتغير.

المهم بعدها اشتغلت مع مصطفى محرم في (مع سبق الإصرار) هو كان بيعمل حاجة اسمها (المقامر) مع التلفزيون المصري عن رواية للأديب الروسي فيودور ديستويفسكي، وقريت الرواية وعجبتني جدا بس ما حرّكتنيش، وبصيت في آخر الكتاب لقيت فيه رواية صغيرة عنوانها (الزوج الأبدي) فلما قريتها ما عرفتش أنام وقعدت على المكتب أكتب كتابة بلا توقف يعني، فكلمني مصطفى محرم بعدها وقال لي عملت إيه لإننا عايزين نعمل الموضوع في التلفزيون، قلت له سيبك من موضوع التلفزيون ده، وخد اقرا المعالجة دي ومشيت وسبته يقرا.

تاني يوم لقيت أشرف فهمي بيكلمني وقالي تعال بسرعة، إيه يا عم أشرف؟ قالي حلوة أوي البتاعة دي أوي هاعملها على طول، تاخد كام؟ قلت له ما اعرفش، أنا فاكر كويس يومها إني خرجت من عنده وأنا معايا عربون 100 جنيه، ودي كانت أول مرة في حياتي يبقى معايا 100 جنيه.

ـ والأجر نفسه كان كام؟

أظن 400 جنيه أو بالكتير 500 جنيه، مش فاكر دلوقتي، لكن الميت جنيه نفسها لا يمكن أنساها طبعا، المهم بدأت أكتب الحكاية زي ما أنا متخيلها بجنون، وأدي أشرف فهمي ومصطفى محرم والمنتج يقروا، ويمكن كانت أول مرة أسمع كلمة incredible  وكل شوية أديهم يقروا ألاقيهم يقولوا لي excellent وكانوا فرحانين جدا بالموضوع، وفي يوم قالوا لي إن محمود ياسين قرأ السيناريو وجاي يناقشنا، وكان وقتها بيعمل في المسرح القومي مسرحية (ليلة مصرع جيفارا) وكان المفروض نشوف العرض قبل ما نقابله، وأنا قلت بقى لازم أشتري جاكيتة جديدة تليق بالمناسبة، لإني باموت في المسرح، وده المسرح القومي فباتعامل معاه باحترام شديد، المهم رحنا واتفرجنا وبعدين قعدنا مع محمود ياسين، لقيته بيقول لي الفينالة المكتوبة دي ما تنفعش يا بشير، قلت له ليه؟ قالي مش ممكن يعني هو مصيلحي ـ بيتكلم عن الشخصية التانية في الفيلم ـ هينط على مراتي ويقول واحدة بواحدة، قلت له هو الحقيقة ما نطش على مراتك انت كنجم، هو نط على مراة وكيل النيابة اللي في الفيلم، قال لي بص يا بشير فيه تعقيدات في الوسط بتاعنا لازم تتفهمها، أصل الجمهور بيقفل من الشخصيات اللي ممكن تاخد موقف زي ده وممكن يكرهها، كل الحوار ده والتانيين قاعدين مترقبين، قلت له بص يا أستاذ محمود المسألة سهلة وبسيطة، حضرتك تعمله وهو كده خير وبركة، مش هتعمله كده عليّ الطلاق بالتلاتة مش هيتغير، هو كده مش عشان جبروت، لأ عشان الدراما بتحتم كده، فراح قايم منطور ومشي، بس التانيين كانوا فرحانين جدا من موقفي لإني لو طاوعته كان الفيلم هيبوظ، في الوقت نفسه نور الشريف راح له السيناريو، وكان وقتها عيان ومحجوز في المستشفى القبطي زي ما أنا فاكر، فخدوني ورحت له أزوره، وكتب لي كلمة مكتوبة عندي لحد دلوقتي "أجمل حوار قريته في حياتي".

ـ هو في الوقت ده كانوا بيقدموك في الجلسات دي إنك كاتب الحوار ومصطفى محرم هو كاتب السيناريو؟

أنا كنت كاتب القصة والحوار، لكن السيناريو كنت باتناقش فيه مع فريق العمل وأشترك في كتابته.

ـ لكن مين اللي كان ليه الإيد الأكتر فيه؟

أنا طول الوقت اللي كنت باكتب، أنا المجنون المهووس بالفكرة، يعني يقولوا طيب ما تيجي نعمل كذا، فأقول لهم لا والله ممكن يبقى كذا، ويفاجئوا بعد كده باقتراح تالت، فما اتضايقتش خالص إنه ما اتكتبش إني اشتركت في السيناريو، وأشرف فهمي قال لي انت هتكتب الحوار، وشتم مصطفى محرم وقالي مش هيعرف يكتب الحوار، وخلاص قلت ده كويس والحكاية مشيت كده، وفاكر إن نور الشريف بعد ما قرا السيناريو قال المهم تحافظوا لي على المشاهد بتاعتي، أنا عاددها، ما عنديش مشكلة إن عددهم قليل بس ما يتشالش منهم مشهد، أنا عارف إن محمود ياسين مش هيوافق في الأول بس أيا كان لما يرجع حافظوا لي على المشاهد بتاعتي، كان ذكي جدا.

ـ نفس الطريقة دي في التعامل اتكررت برضه في فيلم (ولا زال التحقيق مستمرا)؟

كان نفس الطريقة، بس كان الفيلم مأخوذ عن قصة لإحسان عبد القدوس وأنا شاركت في عمل المعالجة والسيناريو وعملت الحوار، وكنت معتبر إن ده تدريب حقيقي ليا على الدخول في عالم السينما وإنك جوه المطبخ، وكنت باستمتع بحضور التصوير، يعني أنا فاكر في (مع سبق الإصرار) كان في مشهد باعشقه وباموت فيه، اللي هو بين محمود ونور، لما بيقول له انت من يوم ما جيت بيتنا ومراتي حِبلِت سبحان الله، ما كانتش بتحبل قبل كده، كان مشهد ابن كلب فيه خبث الفلاح وكان بيحاول يوقعه، وكنت وأنا باكتبه نفسي أبقى موجود في التصوير، لإني كنت باكتب بالتفاصيل، بالنظرة بالحركة بطريقة الجلوس.

ـ الروائي اللي جواك هو اللي بيكتب؟

بالضبط كده، فبتبقى تجربة مبهرة إنك تشوف ده وهو بيحصل وتشارك في صنعه.

ـ لكن أول عمل منفرد ليك ككاتب سيناريو وحوار كان إيه؟ هل كان فيلم (دعوني أنتقم) مع المخرج تيسير عبود؟

لعلمك من ساعة ما سيناريو (مع سبق الإصرار) كان بيتكتب على المكنة، جالي عروض من حوالي 5 منتجين، ما هو كان في واحد بس اللي بيكتب على المكنة، ويقول للمنتجين في واد كذا كذا، فجالي بقى كذا منتج عاوزين شغل، منهم كان المنتج والمخرج سيد طنطاوي، ومنهم تسير عبود، وعثروا علي إزاي ما تفهمش، وبدأت بقى، عملت (دعوني أنتقم) مع تيسير عبود، وبعدين (تمضي الأحزان) مع أحمد ياسين اللي يرحمه.

ـ بعد كده عملت فيلم مهم في مشوارك اللي هو (الأبالسة)، وكان وقتها علي عبد الخالق رجع يشتغل بعد فترة توقف؟

وكان مشارك معانا في التجربة المونتير الجميل أحمد متولي، وكان صديق علي عبد الخالق، أنا فاكر في الفيلم ده فريد شوقي الله يرحمه قال لي: الحوار ده ليه ريحة، أول مرة ألاقي حوار قادر أشم ريحة الناس والمكان فيه.

...

نكمل الأسبوع القادم بإذن الله..

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.