دردشة طويلة مع الأستاذ بشير الديك (4/10)
ـ أول مرة أسمع إنه كان في مشروع بينكم انت وعاطف الطيب وبين الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، دي مفاجأة وخسارة إنها ما كملتش؟
كانت مدام فاتن بعثت لنا بعد ما شافت الفيلم وأعجبت بيه، قلت لها طبعا انتي أستاذة عظيمة وأنا عندي مشروع مش عارف هيعجبك ولا لأ، كان مشروع عن حادثة وقعت في بلد في الصعيد، واحدة جالها سيدنا الحسين في المنام، فراحت صحيت الصبح باعت كام فرخة وكام بطة وكام حاجة من اللي بتربيهم، وجوزها كان راجل كلّاف في البلد، فسابت له البيت وراحت واخدة القطار وشايلة طفلها على كتفها وطلعت بيه على مصر تدور بيه على الحسين، وفضلت ماشية من باب الحديد وهي ماشية ناحية الحسين زي ما الناس بتوصف لها، لغاية ما تعبت فقعدت قدام سينما ريفولي وقعدت عشان تأكل الواد وتريح شوية، وعلى حظها التعيس كان في عصابة بتسرق الأطفال وقتها وأخبار جرائم العصابة دي عاملة قلق في البلد، ففي ناس شافوا طفل صغير كده معاها، وهي يبان شكلها كبير فقالوا لأ شكلها ما ينفعش أم، فقالوا لها الواد جايباه منين، فما فهمتش سؤالهم، وبعدين لما ردت ما عجبهمش ردها، فقاموا ماسكين فيها وسيبي الواد يا حرامية يا بنت الكلب، وراحوا واخدين منها الواد عشان يودوها القسم.
المهم أغمى عليها ولما فاقت من الإغماء قعدت تدور على الواد ما فيش واد، تدور على الحسين ما فيش الحسين، طيب فين الواد، وبصت لقت الناس حواليها اتغيرت وشوشها عما كان قبل الإغماء، وخدوها ودوها مستشفى العباسية بوصفها مجنونة وبتدعي إن عندها واد، وفاكر أنا إن في كان شاب بييجي عندنا في قصر الثقافة في دمياط حكى لنا القصة دي وإنه بعد ما قصة الست دي اتنشرت في الجرايد، واحد اتعرف عليها وقال دي فعلا من الصعيد من بلدنا وراحوا للراجل جوزها وقالوا له هي فلانة دي مراتك، وهو خاف فقالهم لأ دي مش مراتي، وبالتالي أمل إنصاف الست دي راح وماتت وهي في المستشفى.
ـ يااه يا أستاذ بشير، جميلة، بس دي قصة أشد قتامة من (يوم مر ويوم حلو) اللي ناس من جمهورها القديم لاموا عليها إنها عملته.
ما هو الكلام ده كان قبل (يوم مر ويوم حلو) بفترة، وهي لما قرأت القصة دي قالت لي يا بشير بس دي عندها طفل، قلت لها أيوه، قالت لي طيب أنا ينفع يبقى عندي طفل، فوريتها صورتها المنشورة في الجرايد، وقلت لها أهوه شوفي ملامحها هتفهمي ليه الناس شكت فيها وظلموها لما افتكروا إنها سارقة الطفل، فقالت لي عندك حق، بس يعني مش عارفة، المهم أنا عايزة أشتغل معاكم لإنها كانت معجبة جدا بالفيلم. لكن بعد كده الموضوع ما اتحركش، وبعدها بكذا سنة لقيت مخرج شاب اسمه هاني يان اللي كان من أصل صيني.
ـ أظن كان دفعة شريف عرفة وسعيد حامد في معهد السينما.
بالضبط، قالي يا أستاذ قالوا لي في الرقابة إنك مقدم معالجة فيها الموضوع بتاع الست اللي خدوا منها ابنها، وأنا عايز أخرجه أول عمل ليا، قلت له بس ده صعب عليك أوي يا ابني، إسود قوي، هتعمل فيه إيه ده؟ قالي معلهش أنا حابه جدا، قلت له خلاص توكل على الله، قالي بجد، قلت له أيوه وكتبت له ورقة بالموافقة وخلاص وخدها ومشي، وعمله بعد كده بسهير البابلي، وطلع الموضوع ما حدش شافه كتير لإنه كان غامق أوي.
ـ أظن كان اسمه المقدر والمكتوب او حاجة كده، بس ده مش من تأليفك؟
آه ما هو أنا ما كتبتش السيناريو بتاعه، كنت كاتب بس معالجة للفكرة.
هل كان عاطف الطيب ومحمد خان والناس اللي شاركوك في بداياتك بينتقدوك ويقولوا لك يا عم خلاص بتشتغل مع نادية الجندي وسايبنا، ما انت بقيت كاتب تجاري وأجرك عِلي خلاص؟
ـ بعد كده ما جتش فرصة للتعامل مع فاتن حمامة تاني؟
لا، مع الأسف، أنا رحت لها مرة واحدة بس في بيتها، هانم، سيدة أرستقراطية كما نسمع ونرى، وفي غاية الاحترام، كنت قابلتها في المونتاج في ستديو مصر وسلمت عليا وقالت لي عايزة أشوفك وادتني معاد الساعة اتنين في اليوم اللي بعده، وهو ده اليوم اللي عرضت عليه فيها القصة دي وللأسف ما حصلش نصيب.
ـ أعتقد القصص التلاتة دي عن تجاربك مع الثلاثة الكبار دول فاتن حمامة وسعاد حسني وعادل إمام بتقول الكثير عن نمط شخصيتك وإنك ما بتسعاش لتقييف قصص عندك أو تضبيطها عشان تناسب أسماء كبيرة، ولو لقيت نفسك مش متحمس لإن القصة دي تكون مناسبة ليهم مش بتسعى ورا ده؟
بالضبط كده، وكان دايما بيحصل خناقات بيني وبين نادية الجندي بسبب موضوع التضبيط والتقييف ده، يعني هي بتكون شارية قصة من الأصل بتتكلم عن سيدة بطلة، فلما تقرا السيناريو اللي أنا كاتبه تقولي طب أنا فين بقى في الحتة دي من السيناريو، فأقول لها يعني إيه انتي فين، هو أنا باشتغل في خدمة الشخصية بتاعتك، أنا شغلتي إني أطلع شخصيات تتصارع مع البطلة وعشان يبقى صراع عدل ومشوق للمشاهد لازم تكون الشخصيات دي مش أشباح، وده هيفيدك برضه وهيفيد الفيلم.
ـ كان إمتى أول تعامل بينك وبين نادية الجندي؟
في فيلم (الضائعة) مع عاطف سالم، ودي كانت أول مرة في حياتها يكتب عنها نقاد بشكل إيجابي، كتب عنها رؤوف توفيق وسمير فريد.
ـ ده كان قصة حسن شاه؟
بالضبط، وكتب عنها بشكل إيجابي النقاد اللي نادية كانت دايماً بتعتبرهم شيوعيين وولاد كلب وما بيفهموش، وفاكر إن محمد مختار المنتج واللي كان جوزها كلمني وقالي الست اتهبلت، وبقت تكلمني عن القدس وانتفاضة الحجارة والبتاع وعايزة تحط في الفيلم أصوات أطفال الحجارة، إيه اللي حصل للست دي؟ (يضحك) هو اللي حصل إن نادية الجندي تأثرت وحست لأي مدى إنها مهم تبقى ضمن هذا العالم الفني المختلف اللي كانت بتدعي إنها رافضاه، وإنها مهتمة بس بجمهور الترسو اللي بتغمز له وهي بتمثل وتبص للكاميرا وتوجه له رسايل من نوعية "تعال ما اقولكشي" و"جوزي وأنا حرة فيه" و "ما احبكش وانت كده"، والكلام ده.
ـ هو الغريب كان دخولك انت عالم نادية الجندي بعد تجاربك مع خان وعاطف الطيب، فإيه اللي خلاك تدخل بقلب جامد على التجربة، هل لإنك بتتعامل مع نفسك ككاتب سيناريو محترف ولا وجود مخرج كبير زي عاطف سالم؟
هو الأساس كان حسن شاه، قالت لي تعال اعمل القصة بتاعتي، وكنت أنا اسمي عالي أوي في هذه الفترة، كان تقريبا سنة 86 وكنت عملت أفلام كتيرة نجحت زي النمر الأسود اللي عمل شغل جامد وكان إخراج عاطف سالم وطبعا سواق الأتوبيس والحريف ونص أرنب وأخرجت كمان، فكان اسمي مطلوب، وأنا أول حاجة فكرت فيها مش اسم نادية الجندي ولكن القصة نفسها، فقريت القصة وقلت أحكم من خلالها، ولما قريتها حسيت إني ممكن أعمل منها ملحمة امرأة مصرية راحت عشان تعمل فلوس وضاعت تماما، يعني القصة هي اللي خلتني أجري وراها، وكتبت السيناريو زي ما قلت لك في الإسماعيلية مع عاطف سالم، وكان بيثق فيا أوي، عشان كده كان صعب عليا إني آخد منه فيلم سكة سفر، وكنت مهتم إني أخلص له السيناريو بشكل ممتاز ونكرر نجاح النمر الأسود. هو كان مخرج حلو طبعا بس رؤيته ودماغه مش زي رؤيتي ودماغي.
المهم إني لما كتبت سيناريو (الضائعة) كنت مش متأكد رد فعلهم هو ونادية الجندي هيبقى إيه على السيناريو، فسلمت الإنتاج السيناريو وهو مكتوب بخط إيدي عشان يكتبوه على المكنة، ده اللي كان بيحصل وقتها قبل عهد الكمبيوتر.
ـ ده استمر لحد أول الألفية، نبعت السيناريو يتكتب على الكمبيوتر ويتطبع في محلات جنب الجامعة في بين السرايات؟
بالضبط كده، بس الكلام ده أيام الآلة الكاتبة بقى قبل الكمبيوتر، المهم ما عندكش فكرة أنا لقيت نادية وعاطف بيكلموني وهما طايرين بالسيناريو، أنا كنت متصور إن في حاجات مش هتعجبهم، خصوصا إنها كانت في الأول لما اتقابلنا عايزة تعمل فيلم اسمه I Confess كان من بطولة سوزان هيوارد، واحدة بتتحط في موقف يتطلب الحكم عليها بالإعدام وفي آخر لحظة يجي لها حكم بالبراءة، فقلت لها مع احترامي إنسي الموضوع ده خالص، ولو مصممة هاسيب المشروع وأمشي عشان أنا ما أحبش حد يحجم شغلي وحريتي في الكتابة، المهم سابتني على مضض يعني، لكن لما خلصت السيناريو وقرته اتبسطت أوي أوي، وبقت بعد كده في بيننا علاقة إنسانية أكتر من شغل، معاها ومع جوزها محمد مختار، وبقت تزورني أسرياً في البيت، والحقيقة هي شخصية ذكية اجتماعياً وبقى في بيننا ود يسمح إننا نكرر التجربة، بس أنا طبعاً كنت ضد مدرستها في الأداء الفني وكنت باتخانق معاها دايما في ده وأحاول أقنعها بتغييره.
ـ لكن شغلك معاها كان بيتقابل إزاي من شركاءك الأقدم فنياً، يعني انت كنت بتشتغل مع عاطف الطيب ونادية الجندي في نفس الوقت، مش زي ما بيحصل مع بعض السيناريستات، إنه خلاص ساب السكة دي اللي يمكن ما كانش لسه وقتها ظهر مصطلح السينما المستقلة، بس كانت سينما عاطف وخان وخيري وداود تعتبر وقتها سينما مختلفة عن السينما السائدة؟
كلهم راحوا يشتغلوا معايا هناك على فكرة، ما أنا خدتهم معايا (يضحك) يعني بشكل أو بآخر كلهم جربوا تجارب مختلفة، يعني خيري اشتغل مع نادية، وعاطف وخان اشتغلوا مع نبيلة عبيد، وهو ده المفروض إنك ما تفضلش متقوقع في سكة واحدة، وطالما عندك مشروع بيرضي طموحك الفني اشتغل، خصوصا إن نادية الجندي بتعرف تجيب تمويل عشان الفيلم يتعمل، ودي معاناة بيعيشها أي حد بيعمل سينما.
ـ لكن ما كانش في الوقت ده بيتبص لأفلامها وللشغل معاها بتقدير فني ونقدي؟
ما فيش مشكلة خالص، يتبص أو ما يتبصش، في الآخر هذه السيدة كانت تعمل باستمرار، وهي وعادل إمام كانوا فرسي الرهان لفترة طويلة في السينما المصرية، يعني أنا في فيلم مهمة في تل أبيب، شفت عربيتها بتتشال من على الأرض قدام سينما كايرو، اللي هو كنا بنسمع إنه حصل لعبد الناصر لما كان يسافر في الدول العربية، كان في تلقي مجنون من الجمهور للفيلم خصوصا لما بتقوله جملة (خالتي بتسلم عليك).
ـ هو المشروع ده كان فكرتها هي؟
لأ كان فكرتي، هاحكي لك الموضوع ده اتعمل إزاي، محمد مختار، لما بقينا صحاب وحكيت له الفكرة قالي أفلام الجاسوسية ما بتعيشّ وما بتنجحش وبتاع، قلت له طيب جرب وهتشوف العكس، قالي بس هنعمل فيلم جاسوسية بمين؟ قلت له بنادية الجندي، قالي نادية مش هترضى تبقى جاسوسة، خصوصا إن القصة اللي كنت عايز أعملها إنها تبقى جاسوسة لإسرائيل، قلت له طيب فكر فيها، المهم واحنا في نفس القعدة جت لي فكرة قلت له هي تكون جاسوسة لإسرائيل وبعدين تروح في الأول بعد كذا مشهد تعترف للمخابرات المصرية إنها جاسوسة وعايزة تحرر نفسها ويجندوها، فعجبته الحكاية وبدأ المشروع من اللحظة دي.
ـ طيب هل كان عاطف الطيب ومحمد خان والناس اللي شاركوك في بداياتك بينتقدوك ويقولوا لك يا عم خلاص بتشتغل مع نادية الجندي وسايبنا، ما انت بقيت كاتب تجاري وأجرك عِلي خلاص؟
حتى لو ما قالوش ده أنا نفسي كنت باقوله، وحتى لو هما بيقولوا ده فأنا كمان مشاركهم في الهم ده، هم الشغل في السينما والحصول على تمويل لعمل الأفلام، لكن أنا ما عنديش مانع أشتغل مع نادية الجندي أو غيرها لإن أنا شغال في السوق السينمائي، وبعدين لما حد يقولي كده أرد أقول إن نادية الجندي لما اشتغلت معايا كانت مختلفة تماما عن نادية الجندي قبل كده وعملت حاجات ما فيهاش إسفاف، وأفلام مختلفة زي الإرهاب وشبكة الموت وغيرها، وبعدين ما هي كلمة سينما تجارية يعني إيه، ما هو اللي هينتج لك فيلم لازم يكسب عشان يشتغل تاني.
ـ طبعا انت سيد العارفين إن نقاد كثير بيستخدموا ده التعبير عندنا بشكل سلبي، لكن برضه في ملاحظة أبعد من فكرة النقد اللي هو في الآخر مش مؤثر بالشكل الكافي عندنا، في طريقة في الوسط السينمائي إنه طالما حد اتحط في منطقة معينة الكل يتوقع منه يفضل يشتغل في نفس السكة، فلما يخرج منها ده يتبص له باستغراب، بالمناسبة قبل ما أنسى إنت الوحيد من الجيل ده اللي ما اشتغلتش معاه كان داود عبد السيد، طبعا هو بيكتب شغله بنفسه لكن هل كان في مشروع تعاون بينكم؟
هو لما شاف سواق الأتوبيس عجبه واتعرف علي وبقينا أصدقاء حميمين بغض النظر عن الشغل، وعرضت عليه سيناريو سكة سفر عشان يخرجه، وقالي نقعد نشتغل عليه يا بشير لإن الفينالة بتاعته ممكن تبقى محبطة شوية، فياريت نشتغل عليه، قلت له ما ينفعش خلاص أنا داخل أصور الأسبوع ده وحجزوا مكان التصوير خلاص.
...
نكمل الأسبوع القادم بإذن الله