"ابتسم أيها الجنرال"... دراما توثيقية أم مكايدة سياسية؟
برز في سباق الدراما الرمضانية لهذا العام مسلسل سوري فريد من نوعه، إذ هي المرة الأولى التي يصنع فيها فنانون ومبدعون سوريون عملاً درامياً بعيداً عن أعين الرقابة المعروفة في سورية، بمعاييرها الخاصة ذات التوجهات والحسابات في كثير من الأحيان.
"ابتسم أيها الجنرال" عمل درامي من إنتاج شركة ميتافورا للإنتاج الفني. كان ثمّة تحدّ يتمثل باستيفاء معايير العمل الفني الجيد المعروف عن الدراما السورية، بالأخصّ منذ عام 2000 وحتى 2010، والتي كان للحكومة السورية دور كبير في دعمها.
جاء المسلسل خارج كلّ التوقعات، من حيث الجودة العالية واكتمال المعايير الفنية التي توافرت فيه بشكل كبير، مستفيداً من إبداع كاتبه سامر رضوان، صاحب التجارب الناجحة مثل "الولادة من الخاصرة"، فيما كان الإخراج لعروة محمد. كذلك لم يبخل الإنتاج على العمل بأيّ جهد، وهذا واضح من الديكور والمناظر والتصوير والملابس، وشارة البداية والنهاية. أيضاً، تُوّج كلّ ذلك بطاقم من ممثلين كبار، حيث أبدع الممثل مكسيم خليل في دور رئيس الدولة المستبد، "فرات" بعد أن ورث الحكم عن أبيه. وأبدع أيضاً الفنان غطفان غنوم، في دور "عاصي" شقيق الرئيس الأصغر، الضابط المتهوّر واسع الصلاحيات، والذي اشترك مع أخيه وبعض كبار الضباط الموالين لوالده الرئيس السابق في مؤامرة لاستلام الحكم.
كذلك، تألق الفنان عبد الحكيم قطيفان بدور رئيس المخابرات "حيدر" شديد الحرص والخبث والإخلاص للرئيس (فرات)، وهو على عداء مع عاصي المتهوّر. أما الفنانة سوسن أرشيد، فلعبت دور أخت الرئيس "سامية" الفتاة المتمردة، والمتهمة دائماً بسبب علاقات عاطفية قديمة لا ترضى عنها العائلة، بينما لعب الفنان محمد الأحمد، دور العميد المهندس المتقاعد، وضاح فضل الله، الذي اختار فضح النظام وفساده وأشعل أزمة حقيقية.
أبلغ رسالة يقدمها المسلسل، تقول إنّ اختزال الوطن في شخص أسرع طريق لدمار كليهما
صنع المؤلف عمقاً للشخصيات وبنى علاقة نفسية مع المتابع، فلكلّ شخصية تفاصيلها والضرورة السردية الخاصة بها، وهناك الانتقال الرشيق بين الأحداث في السيناريو... وتُرجم ذلك كله عبر الكاميرا وأداء الممثلين من خلال نمط بوليسي، يوحي بكيفية إدارة الدولة، بطريقة أقرب للمافيا من أي شيء آخر. وهذا ما يتجلّى من خلال الصراع بين الأخوين (عاصي وفرات)، ومن كيفية التعاطي مع بعض المشاكل الأسرية التي سبّبتها الشقيقة سامية، الأمر الذي يذكر بأحداث حقيقية جرت في الواقع، حيث اعتمد كاتب العمل، سامر رضوان، على أحداث حقيقية حدثت بالفعل، وأدخلها في سياق الأحداث، دون أن تكون الشخصيات الحقيقية قد قامت بها حقاً، مطوّعاً ذلك للإشارة إلى كيفية إدارة أسرة واحدة لدولة حديثة، وما يصاحب ذلك من قصور وعوار.
اعتمد المسلسل أيضاً على عنصر المقارنة من خلال عرض الحدث من وجهتي نظر الشعب والسلطة، أو الدولة الحرة والمستبدة. ورأينا ذلك، عندما اختبأت شقيقة الرئيس عند أسرة متواضعة، وعاشت حياة الشعب الفقير البسيط ومعاناته. وأيضاً من خلال الصراع بين فرات وحيدر من جهة، وعاصي المتمرد الأرعن من جهة، وما مثله هذا الصراع من ضغط على الرئيس، الهادئ الحكيم المثقف الذي يقرأ كتاب "فن الحرب". وهناك أيضاً عمل الأجهزة الأمنية التابعة لكلّ من فرات وعاصي، التي يعمل كلّ منها من منطق مختلف، ما منح فرات تعاطفاً كبيراً، وهو الذي لا يمتلك تاريخاً كبيراً، وورث عبئاً ثقيلاً هو اسم العائلة وتقاليدها ومعها الحكم، مع نظرة كثيرين له بأنه لا يستحق الرئاسة، لأنه صغير السن والمقام أمام كبار ضباط الجيش، وحتى أمام أخيه وطموحه اللامحدود. والأكثر من ذلك أمام نفسه، فهو حين يختلي بها، يشعر بالحنق والحزن بأنه ليس حاكماً حقيقياً، وأنّ أخاه يحظى بسلطة ونفوذ أكثر منه، وعندما حدثت مشكلة أخته شعر بأنه لا يستطيع التحكّم بأسرته، وليس بالبلد فقط. وهناك أيضا الأم التي عاصرت بناء الوطن على هيئته الجديدة، فهي تتحدث دوماً عن ضرورة الوحدة وحماية العائلة، بينما عاصي دائم الحديث عن العائلة واسمها، متوعداً بالانتقام من كلّ من يفكّر في انتقادها، وأحياناً يتحدث فرات بصيغة الوطن وليس العائلة، فتقابله شخصيات أخرى تتحدث من منطق عائلي.
لعل أبلغ رسالة يقدمها المسلسل، تقول إنّ اختزال الوطن في شخص أسرع طريق لدمار كليهما.