حمار تويتر الطنان.. كلاكيت أول مرة (1-2)

29 سبتمبر 2022
+ الخط -

هذا الكائن؛ نسخة رقمية سيئة، عن اللورد كارديغان البريطاني، قائد الستمائة من لواء الضوء، في إحدى معارك حرب القرم. كارديغان التاريخي، سك منه الشاعر ألفريد لورد تنيسون؛ قصيدة، خلدته هو وفرسانه في متحف الوعي الجمعي.

كارديغان الرقمي لديه أيضا ستمائة، لكنهم ليسوا فرسانا بل متابعين. هذا الرقم، يمثل الحد العددي الأدنى، ليتمكن من استخدام ميزة "المساحة" على منصة تويتر؛ كي يستطيع ترفيع نفسه إلى مرتبة السيد هراء!

شرنقة "أبو العريف"

هذا الكائن سنسميه "حمطور" اختصارا، كاشتقاق من الكائن الخرافي القنطور، أو إذا أردنا المغامرة، مستخدمين لاتينية غوغل، فإننا نستطيع اشتقاقه من hippocentaure، لنستطيع بدورنا أن نطلق عليه: Assinuscentaure.
مدة حمل "حمطور"؛ التي تكتمل بستمائة متابع، يقضيها في شرنقة "أبو العريف"، بحسب اللهجة العراقية الدارجة. المصطلح الأخير، يستخدم من بغداد إلى المنامة، ليؤشر على شخص ما يتمتع بالمواصفات التالية: لا يعلم شيئا لكنه يتحدث في كل شيء، أو هو فم بدون أذنين.

"حمطور" لديه ثقافة العمل السري البريطانية في الشرق الأوسط. روري كورماك، فسر أسباب نيل الشرق الأوسط، لهذه الحظوة البريطانية، في كتابه؛ الذي حمل عنوانا رئيسيا: "نحن ما زلنا مصممين على التصرف كقوة عظمى، والذي هو نصف المعركة كي نكون قوة عظمى" (النفي والتعطيل، الطبعة الإنكليزية، ص 269).

"حمطور" العراقي يكسب نصف المعركة، بسبب الضعف الموجود في الصحافة التقليدية. يأتي هلع هذه الصحافة من خشية التورط في ضغط زناد التفسير كي لا تخرج رصاصة رأي. هذا الكائن ذو الأذنين الطويلتين يعطيك تفسيرا كاذبا، ملفوفا في شرائط ملونة، من رأيه ورأي متابعيه.. فرأي الاثنين جمعي، لكن "أبو صابر" الرقمي، يحترف تزويقه.

العراقيون غالبا ما تظهر ملامحهم أنهم أكبر من أعمارهم بمتوسط لا يقل عن العشرة أعوام!

ميتشيل ستيفنز يخبرنا عن نوعية البيبسي الصحافي؛ الذي يستهلكه الجمهور الأميركي: "الصحافيون الأميركيون دربوا جماهيرهم، كما دربوا أنفسهم، أن يعاملوا الرأي كإشارة فساد" (ما بعد الأخبار/ مستقبل الصحافة، الطبعة الإنكليزية، ص 145). هكذا فإنك تستطيع التعرف على "حمطور" ببساطة. هو يجلد الصحافيين ليلا وفجرا -التوقيت المفضل للنشاط- زاعما أنهم لا يجرؤون على مجابهته، وأنهم لا يصلحون إلا لكي يكونوا نكتة يومه السوشيالي.

ذو الأذنين الطويلتين، يبدأ تجواله الرقمي عادة، بحضور مساحات تويتر، والسبب: للتموين الفكري، ولمعرفة البضاعة السائدة المطلوبة رقميا. يحرص على عدم المشاركة، لكنه وطيلة وجوده في المساحة -متوسط مدتها أربع ساعات- يقوم بالتغريد سريعا، بسبب لحظية محطات التموين. أغلب تغريداته تكون: تهكمية، ازدرائية. أيضا وكحال المشرق العربي، المبتلى بالاقتصاد الأحادي، نتيجة اعتماده على الذهب الأسود؛ فإن هذا الكائن، مولع بحشر أزمات الحاضر العراقي بعد 2003، في فندق سمك السردين.. الطائفية. هذا الفندق "السرديني" ضروري، لتتسع مساحته للجميع، وبالتالي ثنائية: نحن وهم!

الموضوع الطائفي يتيح لـ"حمطور" استعراض قدرة الارتجال. هذه القدرة تكون كبيرة لدى "حمطور"، لأن قوة الهراء لديه، لها بداية بلا نهاية. هاري جي. فرانكفورت، وفي كتيب له ، فسر لنا سبب جمع "الهرائيين" بين الهراء والارتجال: "أقل تحليلية وتداولية من التي تعبأ في الكذب. هو متسع أكثر ومستقل، مع فرص أوسع للارتجال، ملونة، ومليئة باللعب التخيلي" (عن الهراء، صدر بالإنكليزية، ص52، 53).

الإسرائيليات السياسية لـ"حمطور"

النشاط السياسي لكارديغان الرقمي -الماركة العراقية- يستحق أن نصنع منه جبنة معرفية. طبعا، هي معرفة سيئة، لكنها تكشف لك، أن دوره الأساس، هو ممارسة "الإبادة الرقمية" لتنوع الآراء. هو ينجح بذلك، لاشتغاله على الحصالة الثقافية للشباب. لورانس دافيدسون ينقل لنا عن أرنست غيلر: "الشباب في المجتمع هم الأكثر عرضة لخطر الحماقة الثقافية؛ ففئة الشباب هي الفئة التي يجرى تلقينها المعاني المألوفة"(الإبادة الثقافية، الطبعة العربية، ص18).

"حمطور" العراقي، غالبا ما يكون هو نفسه شابا، في أوائل الثلاثينيات. هذا العمر يعتبر بداية الشيخوخة والحكمة.. العراقيون غالبا ما تظهر ملامحهم أنهم أكبر من أعمارهم بمتوسط لا يقل عن عشرة أعوام!

وجود "الحمطور" ضمن الفئات العمرية الأصغر يكون نادرا جدا، حيث تكون خلفيته من المعلومات العامة طرية، وغير متماسكة؛ لا تصلح لزراعة حديقة ثقافية له، في مؤخرة وعيه. حتى خلفيته الثقافية، تكون على العموم ببغائية.. تكرارا واجترارا لما يقرأ، لا لما فهم.

ذو الأذنين الطويلتين يلعب دورا مهما في عالم السياسة العراقية، حيث أحزاب الإسلام السياسي، "السنية" و"الشيعية"، عبارة عن كتل هلامية، ليس لديها قوام حزبي حقيقي. عصب تتجمع انتخابيا، وتتفرق في العمل السياسي. هي بذلك تشبه أبراج ترامب في العالم.. يحصل ترامب على رسوم استخدام اسمه فيها، لكن ليست له علاقة حقيقية بتلك الأبراج. "حمطور" يغذي هذه الأحزاب باتباع طائفيين، والأهم يستطيع دائما أن يقدمهم كحزب سياسي جديد!

هنا سوف أترك الحديث عن سر نجاح "حمطور" إلى مقال آخر؛ سيكون مرافعتي الختامية -الجزء الأخير- الذي يثبت أن هذا الكائن موجود واقعيا، لكننا لا نرى سوى ظله الرقمي..

دلالات