حكاية وحيد حامد مع أمن الدولة (1/2)

10 مارس 2021
+ الخط -

في العدد السادس من صحيفة (الجيل) القاهرية الصادر بتاريخ 6 ديسمبر 1998، نشرت حواراً مع الكاتب الكبير وحيد حامد بعنوان (أنا ومباحث أمن الدولة)، خصصته للحديث عن علاقته بالسلطة، وبدأته بهذه السطور:

"منذ أن توقف الأديب الكبير نجيب محفوظ عن كتابة السيناريو، لم تعرف السينما المصرية كاتبا أكثر فنا ونجاحا وجماهيرية من وحيد حامد، ورغم أنه أصبح السيناريست النجم الذي يعتبر اسمه علامة جودة لدى أهل صناعة السينما وجمهورها، إلا أن ذلك لم يحمِه من عواصف من الانتقادات اتهمته بمغازلة السلطة والتقرب إليها والتعاون مع مباحث أمن الدولة ووزارة الداخلية، خاصة بعد أفلامه الخمسة الشهيرة التي قدمها مع عادل إمام وشريف عرفة (اللعب مع الكبار ـ الإرهاب والكباب ـ المنسي ـ طيور الظلام ـ النوم في العسل)، بل طالت الاتهامات بالتالي عادل إمام الذي أصبح في نظر بعض المثقفين "فنان السلطة"، وبرغم تواصل الاتهامات، تواصل نجاح وحيد حامد وعادل إمام وشريف عرفة، وربما لذلك لم يجد الكاتب الكبير وحيد حامد حرجاً في مواجهته بهذه الاتهامات.

قلت لوحيد حامد: أنت متهم بمغازلة السلطة وتحقيق مكاسب شخصية لنفسك على حساب حقائق الواقع، وذلك من خلال مجموعة الأفلام التي صنعتها مع عادل إمام وشريف عرفة، كيف ترى هذا الاتهام؟

أجاب وحيد حامد بهدوء سرعان ما فارقه: 
أنا مؤمن بأن الفنان لا بد أن يكون بعيدا عن السلطة، ولا بد أن يكون انتماؤه للناس، وليس للحاكم حتى لو كان الحاكم عادلا، الكاتب ينتمي للناس، هذه قاعدة كسرها ينزع من الكاتب أهم صفة فيه ويحوله إلى طبال أو زمّار، والسلطان له فترة زمنية، أما الناس فهي هي، باقية دائماً.

بعض النقاد وللأسف اجتهدوا واتهموني بما ليس فيّ، أنا بضمير الكاتب كتبت ما أنا مقتنع به، ولا يعني إني طلّعت في فيلم لي ضابط مباحث مثالي إنني أغازل السلطة، ضباط المباحث جزء من الشعب وبيعانوا زي المواطن بالضبط، مين قال إن الضابط ليس من طبقات الشعب، ضباط المباحث ليسوا هم السلطة. أنا أظهرت ضابط المباحث في أسوأ صورة في (ملف في الآداب) مع عاطف الطيب، وكما تتحدث عن السيء، لازم تتحدث عن الجيد. أحيانا تجد من يقول لك جهاز الشرطة قمعي، والسؤال إيه هو جهاز الشرطة؟ هل هو عساكر الأمن المركزي اللي بيضربوا المتظاهرين في مظاهرة، مين دول؟ ومن الذي أعطاهم الأمر، هذا هو الأهم، ولعلك تذكر تعبيري عن هذه الأزمة في فيلم (البريء) مع عاطف الطيب بشكل أعتقد أنه لم يسبق أن قدمه أحد.

جميع السيناريوهات بتروح الداخلية حتى قصص الحب، عشان تحصل على تصريح التصوير في الشوارع، ووزارة الداخلية في كل الأفلام بتدي عساكر وتاخد مقابل تبرع عشان صندوق المعاشات والشهداء

مع الأسف أحيانا البعض يصدّر تصورات خاطئة للاستهلاك الإعلامي، ولصنع سحابات غبار، وأنا لا أهتم بكل هذا، كل من غازل السلطة حصل على مكاسب بشكل ما، اسألني أنا ما هي المكاسب التي حصلت عليها، أنا رغيفي من قلمي، أنحاز للناس في حالة إيجابية الناس، وأنحاز للحكومة في حالة إيجابية الحكومة، وأستنكر أن يكون الإنسان معارضا لمجرد المعارضة، يجب أن تتحدث عن العيوب وعن المحاسن أيضا.

ـ لكن دعنا نكون أكثر تحديدا يا أستاذ وحيد، الذين وجهوا إليك هذا الاتهام استشهدوا بفيلمك (اللعب مع الكبار) وإظهارك لصورة ضابط أمن الدولة بشكل مثالي وجميل؟

رد بقوة: والله اللي عاوز يتفلسف لازم يعرف القاعدة الأساسية للفلسفة وهي عدم إغفال المنطق، في (اللعب مع الكبار) قلت إن مصر تواجه قوة ظالمة مدمرة من الفساد والإرهاب، وللقضاء عليها نحتاج إلى جهود التيار الشعبي ممثلا في بطل الفيلم حسن بهنسي بهلول، ودعم حكومي من المنوط بهم أمن الناس ممثلا في شخصية ضابط أمن الدولة. أريد أن أعرف هل إذا تقدم ضابط شرطة لإطفاء حريق أقول له: لا، انت سلطة. هل لو تقدم ضابط للتبرع بدمه لإنقاذ مصاب أقول له: أنت سلطة. بعض الناس عندنا لا تفكر وما تختشيش أنها لا تفكر. الكاتب والناقد لا بد أن يكون محايدا. أذكر هنا أن الأديب الناقد محمد الرفاعي كتب عن فيلم (اللعب مع الكبار) مقالا بعنوان اللعب مع السلطة وهو أول من اتهمني بذلك، ومرت أربع سنوات، وبافتح مجلة (صباح الخير) لقيت الرافعي كتب مقالا يوجه فيه تحية إلى ضابط شرطة تطوع لإنقاذ الرفاعي وأسرته، طيب ليه ما قالش إن ده سلطة، أنا شخصيا باعتبر ضابط الشرطة مواطن وباحاسبه على دوره.

في (طيور الظلام) ادوني بعض العساكر في مشهد القبض على المحامي، وتعاونا منهم ما خدوش فلوس اللي هيّ 5 آلاف جنيه، وياريتني دفعتهم. (يضحك)

ـ أيضا في فيلم (النوم في العسل) انتقدوا أنك جعلت ضابط الشرطة هو الذي يقود الشعب في مواجهته الأخيرة في نهاية الفيلم؟

في (النوم في العسل) امسك الشخصية منذ بدايتها تحس إن هذا الضابط ينتمي للناس وللحقيقة، وفي النهاية هذا الضابط لما وجد أن القيادات العليا تحاول عمدا طمس الحقيقة استقال وعاد إلى دوره كمواطن عادي. أريد أن أعرف من هم هؤلاء الحمقى الذين يتجاوزون حدودهم وينزعون صفة المواطنة عن أي شخص حتى لو كان ضابط. على سبيل المثال الصحفي ينفذ أوامر رئيس تحريره، ولو كانت ضد فكره وفي حالة عدم قناعته يترك العمل، وكذلك كل فئات الشعب، هل تعتقد باستثناء الحالات المَرَضية أن السجان يستمتع بتعذيب السجين أم أنه ينفذ أوامر. عشماوي الذي ينفذ أحكام الإعدام هل هو قاتل محترف مثلا؟

ـ لكن هذه الاتهامات يا أستاذ وحيد ارتبطت بمجموعة مقالاتك التي ساندت سياسة الإعلام الأمني التي رفعتها وزارة الداخلية في عهد الوزير السابق حسن الألفي؟

المقالات التي كتبتها في مجلة (روز اليوسف) كانت تأييدا لمواجهة الحكومة للإرهاب، هل مواجهة الإرهاب معركة الحكومة أم معركة الناس؟ الحكومة كان لها في فترة ما اتفاقات تمت في الظل مع الإرهابيين، مثلما تمت اتصالات مع الإخوان في فترة السادات، فلما تيجي تواجه الإرهاب أنت تخوض معركتك كمثقف وكاتب، ولا تخوض معركة الحكومة، لكن لما تيجي السلطة وتحارب الإرهاب وتبني مستشفى وتمنح مزيدا من الحريات للناس أكون معها في هذا.

ـ حتى لو كانت فاسدة؟

شوف، فيه مبدأ عام هو أن تتعامل مع الحكومة كما تتعامل مع أشجار التين الشوكي، حاول انتزاع الثمرة لكن لا تنسى أنها في حقل الأشواك، لكن ما تقدرش تقول مش هاكل التين الشوكي، لا أحد سيئا على طول الخط ولا أحد جيدا على طول الخط في الكون كله، أنا أؤمن أن مواجهة الإرهاب قضية الناس وليست قضية إعلام أمني، ويجب أن أؤكد أن الصحافة ورجال التنوير في الدين والدراما كان لهم دور كبير جدا في توعية الناس ضد الإرهاب. في فترة ما كان الاتجاه الشعبي مع الجماعات الإرهابية لغاية الحقائق ما تكشفت.

بالمناسبة أنا لي رأي خاص جدا في حادث الأقصر الإرهابي، هو أنه إذا كانت خسائر مصر بالمليارات فحادث الأقصر هو الطلقة الحقيقية التي توجهت إلى صدر الإرهاب، أعود لأقول إن فيه ناس بتنسى إني كتبت مسلسل (العائلة) سنة 1990 وكان مرفوض في التلفزيون وكتبته دون تكليف من أحد، وعندما اشتدت حركة الإرهاب قالوا هات المسلسل نشوفه. عندك فيلم (طيور الظلام) ويُسأل في هذا عادل وشريف، كتبته من نفسي، ولم تصنع وزارة الداخلية لي شيئا.

جميع السيناريوهات بتروح الداخلية حتى قصص الحب، عشان تحصل على تصريح التصوير في الشوارع، ووزارة الداخلية في كل الأفلام بتدي عساكر وتاخد مقابل تبرع عشان صندوق المعاشات والشهداء، في (طيور الظلام) ادوني بعض العساكر في مشهد القبض على المحامي، وتعاونا منهم ما خدوش فلوس اللي هيّ 5 آلاف جنيه، وياريتني دفعتهم. (يضحك).

...

نكمل غداً بإذن الله.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.