حكاية "خود عني جيتك" (5)
دخل الأشقاء الذين نتحدث عنهم من أسرة "القندريسي" مرحلة خطيرة جداً من حياتهم.. فبعد حادثة إطلاق النار من قبل فؤاد القندريسي المتهم بالجنون ويحمل "لقب خود عني جيتك"، ذهب شقيقُه الأكبر أبو هنداوي إلى مكتب مدير الناحية، وأخبره أن شقيقه فؤاد، المطلوب للشرطة، مختبئ في الكرم الشمالي الواقع على طريق (معرتمصرين- مَرْتحوان)، وهو مبسوط ومكيّف، وقد سمعه الجيران وهو يغني (يا بياع السمسمية، والسمسمية بمية). مدير الناحية أرسل دورية شرطة إلى المكان المقصود، والدورية ألقت القبض على فؤاد، وأحضرته إلى مكتب مدير الناحية مخفوراً.
قال راوي السيرة أبو الجود: لما مدير الناحية أبو عمر التقى فؤاد، أدرك حالاً إنه شاب عاقل، لأن هيئته ما فيها أي شي بيدل ع الجنون. ومن وقت ما دخل طَلَّع المسدس من جيبه، وكان لافُّه بخرقة بيضا، وحطه قدام مدير الناحية ع الطاولة.
طلب أبو عمر من دورية الشرطة إنها تترك فؤاد وتروح ع المخفر. وطلب من فؤاد يقعد. قعد، وسأله: شو بتشرب؟
فؤاد: ما بتفرق. اللي بتشرب منه حضرتك أنا بشرب منه.
أبو عمر: (للحاجب) جيب تنين قهوة وسط يا ابني. (ولفؤاد) هاد هو الفرد اللي قوصت فيه؟
فؤاد: أي نعم. وأنا والله بعدما قوصت تندمت، أشو ذنب هالمَرَا المسكينة لحتى تتصاوب؟ عم أفكر ليل نهار شلون لازم أروح على بيت زوجها وأقوم بواجبي تجاهها.. بعدين لما عرفت إنها بخير انبسطت..
أبو عمر (ممازحاً): انبسطت وصرت تغني "يا بياع السمسمية والسمسمية بمية"؟
فؤاد (مبتسماً): أجا لعندك أبو هنداوي وخبرك؟
أبو عمر: نعم، وقال لي إني الفرد إلُه، وإنك سرقته من داره وهوي نايم.
أبو عمر: إذا بتعمل هيك شي مرة تانية أنا ما بساعدك. مو حلوة هالأساليب يا أخ فؤاد. واضح أنك شاب رايق ومحترم
فؤاد: صحيح. بس هاي الشغلة ما فينا نسميها سرقة.. أبو هنداوي سرق رزقة قيمتها ما بتقل عن خمسمية ألف ليرة، مني ومن إخوتي الشباب والبنات، الفرد كله على بعضه قيمته تلات آلاف ليرة. بعدين أنا ما سرقته حتى آخده بالمرة، بس حبيت إني أبو هنداوي يتضايق، ويعصّب، ويدور عالفرد وما يلاقيه. لازم ينحرق دمه متلما عم يحرق دمنا. على كل حال أنا غلطت بشغلة وحدة.
أبو عمر: اللي هيي؟
فؤاد: اللي هيي إني قوصت بالفرد. لولا إني قوصت والمرا تصاوبت كان أبو هنداوي راح يجن ليعرف مين سرق له الفرد. مع إنه ما بيشك غير فيني.
أبو عمر: طيب أنا عندي سؤال.. الشخص اللي قوصت بالفرد منشانُه، قصدي نبهان البرغوثي من قرية البلاطة، إنت بتعرفه؟
فؤاد: لا والله، ما بعرفه، بس عجبني جو الرقص والغني والدبكة اللي صار قدام المحكمة، وأنا رجال مقهور كتير، دقني الحماس، وما شفت حالي غير عم أقوص.
أبو عمر: دقك الحماس وقوصت من دون ما تحسب النتائج، هلق بعدما نشرب القهوة راح ياخدوك الشرطة على نظارة التوقيف. والصبح راح تنحال ع القضاء. وممكن تنحبس.
فؤاد: والله بستاهل. الحق لابسني من راسي لرجلي.
أبو عمر: أي بس الظاهر إنه حظك كويس، لأن المَرَا اللي انصابت كانت إصابتها خفيفة، وما ادّعت عليك. وأنا بعدما تنحال إنت ع القضاء فيني إحكي مع القاضي الأستاذ أيمن منشانك. بس مو هادا المهم. المهم أنت شو مفكر تعمل؟
فؤاد: الظلم صعب يا سيادة الرائد. بصراحة ما راح أترك أخوي أبو هنداوي يتهنى بحياته، لحتى ناخد حقنا أنا وإخوتي.
أبو عمر (ضاحكاً): بدك تفلت عليه عقارب؟
فؤاد: لأ، هالمرة ممكن أفلت عليه أفاعي!
أبو عمر: إذا بتعمل هيك شي مرة تانية أنا ما بساعدك. مو حلوة هالأساليب يا أخ فؤاد. واضح أنك شاب رايق ومحترم.
تابع أبو الجود سرد الحكاية، فقال: اللي صار إنه أبو عمر أخد وعد من فؤاد إنه يتصرف اعتباراً من هاللحظة بالعقل، لأنه الجنون بيعقّد الأمور وما بيجيب نتيجة. في السهرة أجا بكار والقاضي سهروا عند مدير الناحية، وحكى لهم القصة متلما سمعها من فؤاد، وبكار متل العادة تحمس لمساعدة فؤاد، وقرر يوكّل له محامي من حسابه، وبالفعل، القاضي أيمن، بعدما اطلع عَ الإضبارة، أمر بإخلاء سبيل فؤاد، وقرر بكار إنه يعمل عزيمة على شرفه في داره الجديدة بمعرتمصرين. وبهداك اليوم، إجوا المدعوين، اللي هني مدير الناحية والقاضي أيمن وفؤاد القندريسي، وسهروا متل سهراتنا تبع "الإمتاع والمؤانسة، وتعشوا، وشربوا شاي، وبعد شي ساعة اندق الباب، طلع بكار فتح، لقى قدامه شاب عمره شي 15 سنة، قال: مرحبا عمو، أنا سليمان ابن عماد القندريسي، إذا ممكن تبعت لي عمي فؤاد، لأن أبوي وعمي نهاد انشغل بالهم عليه، وبدهن يشوفوه.
واللي صار إنه بكار دخل لجوه، وبعد شوي طلع فؤاد، وقرب ع الشاب الواقف في العتم، وقال له: وينك سليمان؟ وفجأة طلع له أربع أو خمس رجال ملتمين، سحبوه لبعيد، وبلشوا يهددوه، إنه إذا بتحكي أو بتعمل حركات ما تلوم غير حالك، وبعد شوي لقى حاله في الدار اللي اشتراها أخوه أبو هنداوي في معرتمصرين.
أبو محمد: يخرب بيته، هادا أبو هنداوي شغل عصابات؟
أبو الجود: نعم. بس هالشي ما كان لمصلحة أبو هنداوي. لأن فؤاد تصرف بشكل كتير ذكي، وانتقل بسرعة من موقع الدفاع لموقع الهجوم. قال: تطمن خاي أبو هنداوي، أنا ما راح إشتكي عليك وأقول إنك خطفتني وجبتني ع دارك لحتى تذلني ويمكن تقتلني، بس لازم أنبهك إن مشكلة إطلاق النار والمرا اللي تصاوبت وقعت في راسك!
أبو هنداوي: أنت كذاب.
فؤاد: أنا مو كذاب، والقاضي أطلق سراحي بعدما أجت الست أم عبدو هيي وزوجها وادعوا عليك، بالعلامة زوجها عنده محل مواد تمديدات صحية، وفي تنين شهود قالوا إنه اللي أطلق النار هو مراد القندريسي، والفرد فردُه.. وأنا لما شفت هيك شهدت معهم. قلت لحالي الشغلة صايرة وصايرة؛ خليك تجرب الظلم، طول عمرك ظالم، جرب شعور المظلوم شي مرة. ع كل حال أنا فيني ساعدك. هادا القاضي الأستاذ أيمن رجل سكرة. كنت سهران معه قبلما تبعت البلطجية تبعك وتجيبني. أي صحيح، على فكرة، بدي أسألك. أنا وأنت وعماد ونهاد، مو كلياتنا ولاد هنداوي القندريسي؟
أبو هنداوي: أي نعم.
فؤاد: أبوك ونحن التلاتة كتير أوادم، أنت لمين طالع ندل؟!
(للقصة تتمة)..