حكاية الآغا المفلس وزوجته الفهيمة

10 سبتمبر 2020
+ الخط -

تَسَلَّمَ أبو الجود زمام الحديث خلال سهرات الإمتاع والمؤانسة الأخيرة. في سهرة سابقة روى حكايته القديمة مع المرحوم والده عندما طلب منه ليرة سورية واحدة لأجل المصروف الشخصي (الخرجية)، فاندهش أبوه، وصَفَّر بفمه حتى طارت فراخ الحَمَام مذعورة، وتبين أن في حوزته عشرة قروش (فرنكين) فقط، ومع ذلك لم يعطه العشرة قروش بل أعادها إلى جيب السروال! وعلق أبو الجود بقوله إن الفقر بحد ذاته ليس عيباً، ولكن العيب أن يكون الفقير مغروراً، كالمرحوم أبيه الذي كان يقول متباهياً (نحن بيت عبد المجيد على سن الرمح).. وكانت أمه تبربر قائلة: ليت الرمح يدخل فيكم يا بيت عبد المجيد متل سيخ الشاورما. فقر وتعتير ونحس، وفوقها غرور وشوفة حال!

قال أبو الجود: كانت أمي تخاف من أبوي كتير. لما كانت تغلط بحقه كان يضربها بالكف الأيمن على خدها الأيسر، ويطلب منها تدير الخد التاني ويضربها بالكف الأيسر على خدها الأيمن ويقول لها: عم إضربك من الطرفين حتى ما تنجقمي! ولما نكون نحن ولادهن موجودين كان يكتفي بالمسخرة عليها. فإذا بلشت بالحكي كان يقول لنا: هس، اسكتوا، اسمعوا أمكم أيش عم تقول وركزوا منيح، لأنه كلامها جواهر. ولما بتعطيكم نصيحة نفذوها لأنها مَرَا صاحبة تجربة وبتفهم!

وبصراحة نحن كنا نحب أمي أكتر من أبوي، لأنه كان عدواني وظالم وأمي قلبها طيب كتير. بس مو هادا المهم هلق.

قالت حنان: أيواااه. مو هادا المهم. أكيد ورا هالمقدمة حكاية ظريفة.

أبو الجود: ما بعرف. أنا بحكيها وإنتوا احكموا عليها إذا ظريفة أو لأ. بتذكر من مدة قصيرة حكيت لكم عن عزو آغا الإقطاعي اللي وقع بين إيدين الحرس القومي التابع لحزب البعث، وكيف اعتقلوه، على أساس أنه واحد مشبوه، وقالوا له: راح نعفي عنك بشرط إنك ما تلعب بدنبك.

ضحك الحاضرون وقال أبو محمد: كتير عجبني هالآغا لما حاول يفرجي عناصر الحرس القومي إنه ما إله دنب!

بعدما عزو آغا سَلَّم سندات تمليك الأراضي تبعه للرفيق أمين الفرع، رجع ع البيت وصار يقول: الحمد لله، ألف الحمد لله. يا خيو ناس بيفهموا. مو بس بيفهموا، هدول ولاد ناس أوادم وأكابر. أي نعم

أبو الجود: قبل التأميم كان عزو آغا مشهور في منطقتنا إنه صاحب نكتة، ومع أنه إقطاعي وآغا كانوا يجوا الفلاحين يسهروا عنده في المضافة، وهوي كان يطلب من بعض الفلاحين الموجودين يحكوا قصص مسلية. ويقول للكل (اللي عنده قصة معتة، فيها قهر ونكد وزعل بعدما يروح من هون خليه يحكيها لمرته، نحن أشو ذنبنا حتى نسمع هيك قصص)؟

أبو المراديس: يعني مجلسه بيشبه مجلس "الإمتاع والمؤانسة" الخاص فينا هون.

أبو الجود: أي نعم. وفي مرة من المرات كان أبو قدور الطبنجي عم يحكي على سَفْرة برغش لحارم، والكل منسجمين وعم يضحكوا..

حنان: لحظة. مين هادا برغش؟ وأيش قصته؟

أبو الجود: هيي القصة معروفة بكل منطقتنا، بس الشي الكويس إنه أبو قدور الطبنجي كان عم يحكيها وبنفس الوقت عم يمثّلها تمثيل. كان واقف في نص المضافة وعم يقول لعزو آغا: 
- منفرض إنته يا آغا قاعد هون، في صدر المجلس، والشباب قاعدين جنبك من هون ومن هون، وبرغش قاعد قريب من العتبة. يعني هناك. إنته عم تقول للشباب إنه كتير ضروري بكرة الصبح واحد منكم يروح على حارم. وقبلما توضح للشباب الهدف من الروحة، بيسمع برغش كلامك، وبيزحف باتجاه العتبة زَحْف. هيك. متلما عم إزحف أنا، لحتى يوصل لعند كندرته، بيحطها تحت باطه وبيطلع، وبيلبسها برات المضافة، وبيروح ع البيت، بتسأله مرته ليش رجعت بكير يا برغش؟ بيقول لها والله يا مرا بكرة عندي سفرة ضرورية ع حارم، عزو آغا بعتني. وبيفيق الصبح بكير وبيروح على حارم، وبيرجع دغري ع الضيعة. المسا، في السهرة إنته عم تقول للشباب لازمنا حدا منكم يروح ع حارم، فبيضحك برغش (كه كه كه) وبيقول لك: رحت. إنته بتستغرب وبتسأله: ليش رحت يا برغش؟ بيرد عليك: بناء ع طلبك، مو إنته قلت بدنا حدا يروح ع حارم! ومن يومها كل واحد بيسافر وما بيستفيد من سفره بيقولوا (راح متل روحة برغش عَ حارم)!

أبو محمد: طيب يا أبو الجود. رَجَّعنا بقى لسيرة عزو آغا.

أبو الجود: حاضر. يوميتها السهرانين في مضافة عزو آغا فرطوا من الضحك على طشمنة برغش، وفجأة انفتح الباب ودخل أبو إبراهيم آغا القبلي. سلم ع الحاضرين وقعد، وبعد شوي سألوه: أيش الأخبار يا أبو ابراهيم؟ رد عليهم: والله يا جماعة الأخبار ما بتسرّ. هدول البعثيين الأوباش بدهم يصادروا رزقنا. ولما سألوه عن مصدر الخبر، قال إنه القرار طلع من القيادة القطرية وكلها كم يوم بدهم يجوا ياخدوا منا الرزق ويوزعوه ع الفلاحين.

أبو محمد: أنا بتذكر هديك الأيام، كانت صعبة كتير يا جماعة.

أبو الجود: عزو آغا كان من أغنى الأغنياء، عنده شي خمسة آلاف دونم أرض، وشي خمسين أجير ومرابع، ما عدا الكروم والدور والحواكير.. غني لدرجة ما بتتصدق. وما بيختلف عن عموم الآغوات غير بشغلة وحدة، اللي هيي إنه ما تزوج مرا تانية فوق مرته عزيزة خانم. 
أبو ماهر: وطلع خبر التأميم صحيح؟

أبو الجود: أي والله. والبعثيين في التأميم كانوا مجرمين بشكل غريب. يعني لو قَسَّموا الرزق بينهم وبين عزو آغا بالنص، أو أخدوا تلات أرباع الرزق وتركوا لُه الربع، كانت مقبولة.. أبداً، شَلّحوه كل شي بيملكه، ما عدا دار السكن. الموقف كان قاسي كتير ومع هيك عزو آغا طلع معه فصل بيضحّك.

بعدما عزو آغا سَلَّم سندات تمليك الأراضي تبعه للرفيق أمين الفرع، رجع ع البيت وصار يقول: الحمد لله، ألف الحمد لله. يا خيو ناس بيفهموا. مو بس بيفهموا، هدول ولاد ناس أوادم وأكابر. أي نعم.

سألته زوجته عزيزة: مين هدول اللي بيفهموا حبيبي؟

عزو آغا: البعثيين. يفضح لاشتهم (جثتهم) شقد بيفهموا. تصوري يا عزيزة خانم، مع إني أنا إقطاعي حقير، وكلب، وواطي، ورجعي، لما رحت لعندهم وحكيت معهم في الموضوع وافقوا.
عزيزة خانم: على أيش وافقوا عليه حبيبي؟

عزو آغا: وافقوا إنك تبقي مرتي على سنة الله ورسوله.

ومن كتر ما عزيزة خانم بتحب المزح قالت له: عن جد وافقوا إني إبقى مرتك وتبقى إنته زوجي؟

وصارت تزلغط!

(للقصة بقية)...

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...