حكاية إنسان شهم
ليلاً، والأنوار الصفراء الهزيلة الصادرة عن مصابيح صغيرة معلقة فوق الأعمدة الخشبية تسقط على أرض الزقاق المبلط على نحو غير منتظم. يُسمع صوت حوافر حمار يقترب. بعد قليل يظهر الحمار ذو اللون الرمادي وهو يجر عربة خشبية عليها كمية كبيرة من الأعدال المملوءة بالقمح.
العربنجي أبو وليد يشد الرسن ويقول للحمار: هيش.
يتوقف الحمار. ينزل رجل ستيني ملثم، يحمل عدلاً ثقيلاً بكلتا يديه. يُنزله إلى الأرض. يُسنده إلى جانب باب منزل فقير. يقرع الباب. يأتي من الداخل صوت رجل يصيح: مين؟
لا يرد الرجل الستيني. يصعد بسرعة إلى العربة، يقول للعربنجي. روح روح.
تمشي العربة، وأما الرجل الستيني فيقف في عدوة الزقاق، ينتظر حتى يخرج الرجل الفقير، يرى العدل، يجره إلى الداخل، ويغلق الباب. الستيني يشعر بالفرح، يلحق بالعربة مهرولاً.
تتكرر عملية توزيع أكياس القمح على بيوت الفقراء بهذه الطريقة السرية حتى وقت متأخر من الليل.
يعود الرجل الستيني إلى البيت منهوك القوى. تسأله زوجته: أين كنت؟
يقول لها: كنت سهران مع رفاقي في المقهى.
هي تعلم أنه لا يذهب إلى المقهى، ولكنها لا تريد أن تزيد في تعبه الجسدي تعباً نفسياً فتتوقف عن طرح الأسئلة. يتخلى عن جاكيته الخارجي المتسخ. تسأله الزوجة: هل تريد أن تستحم؟
يرد عليها: مو هلق. الصبح.
ولا يجد فائضاً من النشاط يساعده على الذهاب إلى السرير في غرفة النوم. يدنو من أقرب بساط عليه مخدة صغيرة، يضع رأسه عليه وينام بسرعة البرق. تجلس الزوجة مفكرة في السر الغامض الذي يعيشه زوجها. هي تعرف أنه رجل مستقيم، لا يغش في بيعه وشرائه، ذو ذمة نظيفة لم يسبق له أن ماطل في تسديد دين، وبيتوتي.. في كل يوم، بعد أن يتناول العشاء، يصلي وينام، ليستيقظ باكراً ويذهب إلى دكانه. ومع هذا فهو يسهر ليلتين أو ثلاثاً كل شهر خارج البيت حتى مطلع الفجر. يخطر لها أنه يعمل في السياسة، ويعقد مع رفاقه اجتماعات سرية، أو لعله يذهب إلى (كاكو) المرأة ذات السمعة السيئة التي تفتح بابها للرجال في الليل، ويؤكد لها هذا الخاطر أنه يبتعد عنها خلال هذه الفترة، ومرة تشك أنه يشتغل في السياسة..
تظل تفكر حتى يتعب عقلها، ويغلبها النعاس، فتقول: لا بد أن يأتي يوم أعرف فيه السر.
وتنام.