حصار مضاد

05 يناير 2025
+ الخط -

 

من الأخبار اللافتة في الأسابيع الأخيرة، المعلومات عن استدعاء الجيش الإسرائيلي، لبعض جنوده الذين كانوا يقضون عطلة سياحية في بعض البلدان، للعودة بسرعة إلى إسرائيل خشية وقوعهم في قبضة القضاء المحلي وتعرضهم للتحقيق وربما الإدانة وذلك لمشاركتهم في حرب الإبادة بغزة. وقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن جيش الاحتلال رصد نحو 30 حالة تم فيها تقديم شكاوى وبدء إجراءات جنائية ضد ضباط وجنود في الجيش شاركوا بالقتال في قطاع غزة، وكانوا يخططون للسفر إلى الخارج، وتم تحذيرهم لتجنّب ذلك خوفًا من الاعتقال أو الاستجواب في الدول التي كانوا ينوون زيارتها، وبينهم ثمانية على الأقل سافروا بالفعل في رحلات إلى الخارج، من قبيل قبرص، وسلوفينيا، وهولندا، ووُجهت إليهم رسائل (من الأجهزة الإسرائيلية) لمغادرة تلك الدول فورًا بسبب خطر التعرض للاعتقال.

يعترف الجيش بوجود 30 حالة متابعة إلى حد الآن وهو رقم ليس هينًا خاصة أن المسار ما زال في بدايته بعد طلب المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو ووزير دفاعه. ويعكس رد فعل الجيش واستنفاره لحماية جنوده، حالة الخوف من الاعتقال لأي جندي وهو ما لا تقبله السلطات الإسرائيلية بحجة الدفاع عن مواطنيها حتى وإن كانوا مجرمين، وأيضًا لتداعيات أي اعتقال وعمليات تحقيق مع جنود وضباط قد تقود إلى تأكيد جرائم الحرب الإسرائيلية وإيجاد شهود على ذلك من داخل المؤسسة العسكرية وهو ما سيكون له تأثير كبير في إدانة القيادات وجر آخرين إلى المحاكمة.

قد يبدو الخبر بسيطًا وبلا تأثير فيما يجري، لكنه في تقديري إشارة مهمة وذات دلالة في سياق المتابعة القضائية لكل من أمر واشترك في حرب غزة. أعتقد أنه يمكن البناء على ما وقع ليكون واحدًا من سلسلة أعمال المتابعة القضائية لمرتكبي الإبادة. هنا، وفي غياب فاعلية المؤسسات الرسمية في العالم العربي والعالم عمومًا، يأتي دور الأفراد والمنظمات الأهلية في جمع المعلومات والمعطيات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في كل البلدان وضد كل الأشخاص الذين شاركوا في حرب غزة، وهذه المعطيات تبدأ من التأكد من مشاركة هؤلاء الأفراد في الحرب وجمع الحجج لذلك، من تصريحات وصور وغيرها، إلى معطيات عن حركة هؤلاء الأفراد في العالم للسياحة أو للعمل وغيرها.

هذه المعطيات مداخل مهمة لتحديد شكل الإجراءات القانونية في كل بلد لمتابعة المشكوك فيهم لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا ولو جزئيًا. إن عملية منظمة ومنسقة بين المنظمات والجمعيات الحقوقية المهتمة بالموضوع من شأنها أن تساهم في محاصرة جنود الجيش داخل إسرائيل ومنعهم من الخروج منها إلى الكثير من البلدان ووضعهم تحت حالة خوف دائمة تشل حركتهم للسياحة أو للعمل، خاصة أن جزءًا مهمًا من الجنود هم من جنود الاحتياط الذين هم في الأصل عمال وموظفون في شركات محلية أو دولية. وكلما اتسعت دائرة المتابَعين فإنها ستكون مؤثرة عليهم وعلى المحيطين بهم وتعمق، لدى جزء من المجتمع الصهيوني، الإحساس بالحصار والمتابعة حد الإحساس بالنبذ إلى أن يتحقق شيء من العدالة بعد كل المجازر ضد الإنسانية التي وقعت وما زالت متواصلة في غزة. وضع كهذا سيكون له، حتمًا، تأثير في موقف الكثير من الدول تجاه إسرائيل وهو ما يجعلها أكثر عزلة ومحل إدانة أوسع.