جولة في مشوار الأستاذ علي عبد الخالق (4)

27 مايو 2021
+ الخط -

ـ طيب لو فتحنا صندوق الذكريات في فترة البدايات، إيه الذكرى الأهم المرتبطة بالنسبة لك بفيلم (أغنية على الممر)؟

أبرز ذكرى هي مرتبطة بقرار إني أعمل الفيلم أصلا، وده كان وراه حاجتين، الأولى لما رحت عملت فيلم (السويس مدينتي) خلال حرب الاستنزاف، وكنت على الجبهة مباشرة، وكان معايا خلال التصوير حد من الجيش بشكل رسمي، وأعتبر إني قضيت فترة تصوير الفيلم كأني في معركة يومية، كان الضابط يقول لنا لما تسمعوا صوت قذيفة الهاون تجروا وتنبطحوا فورا لإن شظاياه كبيرة جدا وقاتلة، ده كان بالنسبة لي طقس يومي، الحاجة التانية هو إني عشت إحساس الناس بالجنود بعد الهزيمة، وأمنيات الناس وتساؤلاتهم إمتى ييجي اليوم اللي نحارب فيه، عايزين نحارب، كان في صورة نزلت بعد 67 في جرنان التايمز البريطاني، صورة عسكري مصري لبسه متقطع من ناحية الظهر وهو بيجري، وكاتبين تعليق إن الجيش المصري فر هارباً من الجيش الإسرائيلي، كانت صورة مستفزة بالنسبة لي لإني كنت عارف إن في بطولات حصلت خلال حرب 67 شارك فيها ضابط وجنود، بس كانت الهزيمة أكبر طبعاً، عشان كده لما ظهرت مسرحية (أغنية على الممر) لعلي سالم وكانت مسرحية من فصل واحد، وجدت فيها ضالتي وقلت أنا هاعمل فيلم عن المرحلة دي.

ـ هل ممكن تكلمنا عن تجاربك مع الممثلين خلال تصوير هذا الفيلم؟

أنا حبيت الشغل مع كل الممثلين في هذا الفيلم، وأزعم إني عرفت أوجههم كويس، التوجيه ده جزء مهم من شغلانة المخرج، لإنه بيخليك تدخل جوه شخصية الممثل وبتحرك جواه المشاعر بشكل سليم ومضبوط، وباقول المشاعر لإنها أهم من الملامح الشكلية، وبالتالي تعاملك مع مشاعر الممثل بيخليه قريب بالنسبة لك وبعد الفيلم بيبقى في نوع من الصداقات العميقة، والحقيقة كل الممثلين في الفيلم كنت باحبهم، لكن كنت باحب بشكل خاص الشخصية اللي عملها صلاح السعدني، وعايز أقول حاجة للتاريخ إن سيارة الإسعاف كانت دايما واقفة على باب سينما ديانا لإنه بيحصل انهيارات بين الجمهور لحظة وفاة شخصية صلاح السعدني، لإن وسط المتفرجين دايما تلاقي زوجات فقدوا أزواجهم خلال الحرب أو أمهات أو أخوات، لا يمكن حفلة إلا وتلاقي فيها أقارب أو أحباب لآلاف الجنود اللي استشهدوا، وكانت سيارة الإسعاف طقس من طقوس الفرجة على الفيلم في سينما ديانا.

ـ ما كررتش تجربتك مع صلاح السعدني إلا بعد فترة طويلة في فيلم (درب الرهبة)؟

صلاح كان صديقي وما زال صديقي، لكن أنا ما عنديش مسألة إن صاحبي يبقى أشغله معايا على طول، لإن وظيفة المخرج إنه يجيب الممثل المناسب في الدور المناسب.

ـ كلمنا أكتر عن علاقتك بالممثلين، إيه المساحة اللي بتسيبها لهم خلال التصوير، هل بتبدأ بشرح اللي انت عايزه بالضبط، ولا بتسيب الممثل يشتغل وبعد كده تتدخل لضبط الأداء؟

لا طبعا أنا باشرح الأول، لكن عايز أقول إن المسألة معقدة ما تتحكيش بشكل محدد، طبعا اجتهاد الممثل مهم وروحه وحضوره، لكن مثلا إمتى الممثل هيبص في وش الممثل اللي قدامه، إمتى يتلعثم قبل ما يكمل، امتى يبص يمين، كل ده في صميم عملي وخيالي كمخرج، أنا باقعد بالليل أعمل تقطيع للمشاهد إلى لقطات، وأرسم الديكوباج اللي هيتم بناء عليه التصوير وفي الوقت نفسه أتخيل شكل الأداء، في ممثلين كتير بابقى من خلال التجربة عارف شكل أداءهم أو متوقعه، ومش بيخيبوا أملي، لكن لما الممثل مش بيوصل للي متخيله باعيد التصوير لحد ما أوصل للي بابقى عايزه، وفي ممثلين بيتفوقوا على خيالي، ودي من اللحظات السعيدة، ودي طبعاً مش كتير بتحصل، أنا باعتبر نفسي فاهم شوية في التمثيل وباهتم بالتمثيل لإنه في رأيي من أهم العناصر.

الحقيقة بعد فيلم (أغنية على الممر) قعدت أحضّر سنة ونص لمشروع لم يتم، أو بمعنى أصح مشروعين لم يتموا، كنت عايز أعمل ثلاثية سينمائية عن الحرب مع إسرائيل

في مخرجين مثلاً يهتموا أكثر بالإضاءة وإن الفيلم يبقى ليه مود معين والممثل بالنسبة لهم زي قطعة الديكور، متساوية مع العناصر الأخرى في الأهمية وبيقولوا ده علناً كنوع من التأكيد على التميز الإخراجي، لكن أنا باهتم بالأداء جداً، وأعتقد إني باعرف أوجه الممثلين، وأي حد هيشوف أفلامي هيلاقي كل الممثلين الصغير قبل الكبير كويسين، حتى لو في ممثل هيطلع مشهد واحد، لإني باهتم بأي ممثل أياً كان حجم دورهم، وياما ممثلين عملوا نجومية من مشاهد واحدة في أفلامي زي فؤاد خليل مثلا في فيلم (الكيف) وده مشهد دقيقة ونص، الناس بعد الفيلم سألت مين عمل المشهد ده واتخلقت نجومية فؤاد خليل، ومن بعد الفيلم ده اشتغل في كل أفلامي، كنت أمسك السيناريو في إيدي كده وأسأل المساعدين: هه فين فؤاد خليل؟ فين دوره؟ هو ممثل باحبه بيمثل كويس جداً وليه طعم خاص.

هاضرب مثل على تعاملي مع الممثلين، باللي عملته مع المطرب الشعبي حسن الأسمر في فيلم (درب الرهبة) اللي عمل فيه دور حلو جداً، خليته يتفرغ لمدة شهر يعتذر فيه عن الأفراح والحفلات، وهو كان كمطرب مطلوب جدا في الفترة دي، وبيكسب جدا من الغناء في الحفلات والأفراح، لكنه وافق يقعد معايا شهر كامل متفرغ أشرح له الدور وهو يقولي أنا عايز أمثل كده إيه رأيك؟ فأقول له ملاحظاتي، بحيث إنه دخل على الكاميرا وهو عارف بيعمل إيه، وكان مميز جداً في الدور وبعد كده عمل أدوار كتير ما ارتقتش لمستوى دوره في فيلم (درب الرهبة) اللي كان سبب إقبال المخرجين عليه في السينما، لإن الفيلم ده قعد كومبليهات ـ كامل العدد في السينما ـ لمدة 3 أسابيع، ولفت الأنظار لحسن كمممثل من المنتجين، وخلي بالك ده مش دور البطولة الأولى ولا الثانية، فده يعكس مدى إيماني بالتمثيل وأهميته، لإن كل ما الممثل كان كويس كل ما الفيلم يعجب الناس، الممثل هو الواجهة في الآخر.

ـ نرجع للبدايات تاني، برغم النجاح الفني والجماهيري اللي حققته في (أغنية على الممر)، لكن فيلمك الثاني (بيت بلا حنان) اتأخر لفترة طويلة، ليه ده حصل وهل كان في مشاريع لم تتم هي سبب التأخير؟

الحقيقة بعد فيلم (أغنية على الممر) قعدت أحضّر سنة ونص لمشروع لم يتم، أو بمعنى أصح مشروعين لم يتموا، كنت عايز أعمل ثلاثية سينمائية عن الحرب مع إسرائيل، كان في قصة كتبها أخويا الله يرحمه، هو كان قارئ كويس ومثقف وبيكتب حلو، عجبتني القصة اللي كتبها وجبنا المنتج مصطفى بركة الله يرحمه، وقدمنا مشروع الفيلم للمؤسسة العامة للسينما ووقتها كان وزير الثقافة الأديب يوسف السباعي وكان مؤمن بإن علي عبد الخالق لازم يشتغل ما ينفعش يقعد في بيته بعد ما عمل فيلم زي (أغنية على الممر)، ده نص كلامه اللي قاله لرئيس المؤسسة العامة للسينما، ووافقت المؤسسة على الفيلم ولإنها كانت بطّلت تنتج بشكل مباشر، وبدأوا نظام المنتج المنفذ، جابوا الفنان صلاح ذو الفقار عشان يكون منتج منفذ لصالح المؤسسة، وكان عمل قبل كده كذا فيلم منهم (شيء من الخوف)، وابتدينا نقعد ونعمل جلسات قراءة وتحضير، ولما خلصنا السيناريو عملوا لجنة للموافقة على الفيلم عشان نبدأ التصوير لكنها اعترضت على الفيلم تماماً من الناحية السياسية.

ـ كان إيه وجه الاعتراض؟

الفيلم كان بيرصد واقع كنت أنا وكل الناس عايشينه في القاهرة، هو إن القاهرة لاهية وعايشة حياتها طبيعي، بينما الناس كلها على الجبهة حماس وتضحيات ونفسهم يحاربوا، فلما ينزلوا كجنود وضباط القاهرة في أجازة بيصدمهم الوضع اللي بيشوفوه في القاهرة، وكان أعضاء اللجنة شايفين إن اللي باعمله في الفيلم فيه إساءة للبلد ولمعنوياتها، لكن الوزير يوسف السباعي وقف جنبي وقالهم علي عبد الخالق وطني ومش هيعمل حاجة تسيئ للبلد، ولازم تعملوا الفيلم وابتدينا نحضّر للتصوير، وقبل التصوير حصل شيء غير متوقع، قامت حرب 73 وحصل العبور وبالتالي أصبح الفيلم لا يصلح لإن الناس كلها كانت في قمة السعادة بالانتصار، وصلاح ذو الفقار قال لي طيب ممكن نصور عادي ونخلي آخر خمس دقائق في الفيلم هي العبور، وأنا أخويا عميد في الجيش وممكن يجيب لي إذن باستخدام المشاهد اللي اتصورت خلال العبور، قلت له مش هينفع نلزق ده في الفيلم، مش هيبقى صادق، يعني طول الفيلم بنتكلم عن سلبيات وعن إن الناس فرحانة ومنفصلة عن المعركة، وبعدين نجيب فرحتهم بالعبور، خلاص الفيلم أصبح خارج المود العام، ممكن بعد 20 سنة نعمله، والحقيقة اللي حصل ده أحبطني جدا، وقلت مش هاعمل أي فيلم مرتبط بظرف سياسي لإن الظروف بتتغير.

ـ عشان كده رحت لفيلم مختلف تماماً اللي هو (بيت بلا حنان)؟

عملت الفيلم مع السيناريست مصطفى محرم مستلهمين رواية للأديب الفرنسي الكبير إميل زولا اللي كان وجهة نظره إن الإنسان تحركه غرائزه الجنسية، دي كانت مدرسته الأدبية والفيلم بني على هذه الفكرة، والحقيقة ما حدش من الجمهور فهم الفيلم، وما صادفهوش نجاح، وبعد الفيلم ده عملت أفلام بتنجح بس ما بتحققش جماهيرية كبيرة وما بتحققش فشل، يعني كانت بتغطي تكلفتها أو تكسب أزيد شوية، لكن ما تكسبش كتير، يعني الست أفلام اللي عملتهم في فترة ما بعد (أغنية على الممر) كنت عامل زي اللي بيرقصوا على السلم يعني، عايز أعمل فيلم جماهيري بمفاهيم ذلك الوقت وفي الوقت نفسه يكون فيلم فني من وجهة نظري، فبقيت زي اللي رقص على السلم، كنت ماسك العصاية من الناص وده ما ينفعش، وكان قليل جدا ما حد يكتب عن أفلامي بشكل كويس، ويمكن ما كانش في مقالة حتى عن فيلم من أفلامي، غير مرة أثنى سمير فريد على (بيت بلا حنان)، واستمر ده لغاية ما قررت لأ أنا هاعمل الفيلم اللي يعجبني، عجب الناس عجبهم، ما عجبهمش يبقى خلاص الشغلانة دي مش بتاعتي وأسافر بقى أي دولة عربية وأشتغل مخرج في أي حاجات من اللي بتتصور هناك، وكانوا وقتها بيطلبوا مخرجين يشتغلوا في الاستديوهات اللي بتتعمل هناك وكان فيها إمكانيات كتيرة وفي مخرجين وفنانين كتير سافروا اشتغلوا هناك.

...

نكمل الأسبوع القادم بإذن الله.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.