جلسة نساء وفنجان قهوة

25 اغسطس 2021
+ الخط -

امرأة أربعينية ممشوقة القوام، تهتم بصحتها النفسية قبل البدنية، تذهب للمسبح والصالة الرياضية كل يوم، ترتدي نظارتها السوداء وتركب سيارتها في أناقة سيدة مدللة، الدنيا تفتح لها ذراعيها، لا يعرف بلاءها إلا من يجالسها، مبادرة بنشر الضحكات والنكات، تبحث عن جلسات السمر والداعية لها، عملت لسنوات ممرضة في مشفى بالعراق، أجادت اللغة التركية كأهل البلد، تعمل في تجارة العقارات لصالحها، هذا وصف مختزل لبطلة جلسة اليوم.

في بداية دخول الليل أصدر الهاتف إشعارا صوتيا لوصول رسالة نصية على المجموعة الخاصة بسيدات المجمع السكني من صديقتنا ه.د "يا بنات أنا تحت جالسة على المقاعد مقابل النافورة، من حابب ينزل؟"، الإشعارات الصوتية تتالت "أنا نازلة" "جايه" "وينكم" "أحضر القهوة معي".

وصلت وجلست بعد السلامات والتحيات، أخرجت ه.د سيجارتها بحثت عن القداحة، واشعلتها، وأخذت نفسا عميقا منها، ورفعت رأسها إلى أعلى، واخرجت الدخان، وتنهدت من أعماق صدرها، قاطعتها س.ا "اش فيكي؟".

ردت عليها مؤيد وزوجته يطبقان على نفسي أصبحت لا اطيق المنزل بوجودهما، وآية كثير مقهورة عليها وهي أيضا لا تساعد نفسها لينتهي حزنها.

تنتقل من الشكوى من مؤيد إلى حال ابنتها آية، قلبي أنا أيضاً ينفطر حزناً عليها ضحية أعراف، ومجتمعات جاهلة، الأب والعم هما سيّدا المنزل لا كلمة تعلو فوق كلمتهما

مؤيد

شاب يبلغ من العمر 18 عاما تحرك مع عائلته من ثماني سنوات إلى إسطنبول قادما من العراق، بسبب ثأر فرّ منه والده. لم يحب أن يكمل دراسته وظل متنقلا بين العراق وإسطنبول يذهب للعراق ويهرب من أسرته ولا يريد العودة لإسطنبول مرة أخرى. حاول العمل مع والده في عمل خاص، كره ضغط الأب وتحكمه.

ظل مؤيد شريدا وسط العائلة، تحاول أمه لملمة طيشه، وثورته الدائمة، وغضبه، يظل طوال الوقت منادياً برغبته في العودة للعراق، يحب أبناء عمومته، يرغب بالعيش معهم.

تخاف أمه من الثأر، تخاف من أصدقاء السوء، فهو لا يدرس ولا يعمل، كيف يقضي وقته في العراق. يعود ثانية لإسطنبول يبدأ في الانتظام في الدراسة، تفرح أمه أخيرا عاد ابني للطريق الصحيح، بعد شهر من الدوام لا يذهب للمدرسة ويطالب بالعودة للعراق، وتتبدد آمال عودة مؤيد.

يريد مؤيد أن يتزوج فتاة بعينها، يقول أحبها، عمر الفتاة 16 عاما، الأم ترفض، الأب يوافق ليرتبط الابن بمكان العائلة.

الزفاف عبارة عن اتفاق بين الآباء وورقات غير موثقة، السن غير قانوني للعروسين، لا منزل للزوجية، تزوج مؤيد في غرفته، حضرت العروس لغرفة الزوجية خلال أيام بعد الاتفاق.

تروي ه.د "لن تدوم هذه الزيجة، فهما طفلان، لا مسؤولية، لا تعليم، لا عمل، حتى أبسط الأمور لا يتحملان مسؤوليتها".

تنتقل من الشكوى من مؤيد إلى حال ابنتها آية، قلبي أنا أيضا ينفطر حزنا عليها ضحية أعراف، ومجتمعات جاهلة، الأب والعم هما سيّدا المنزل لا كلمة تعلو فوق كلمتهما.

حكاية آية

بعد صراع دام خمس سنوات بين الأب والعم، ذاب الخلاف، وذهب العم لمنزل الأب لحضور غداء الصلح. حاولت الأم إخفاء ابنتها وسط التجمع، فقد بلغت الثالثة عشرة، تغير قوام الفتاة، الأنوثة سيطرت عليها، وتعلم أعراف عشيرتهم، قد يرغب أحد بالزواج منها والأم تريد لابنتها أن تنهي دراستها، سأل العم عنها، حضرت، دخلت قلبه، طلبها عروسا لابنه لتتويج الصلح، وافق الأب في نفس الجلسة.

ملأ العم يد العروس بالذهب، جعل كلمتها فوق الجميع، طلباتها مجابه، ذهبت لبيت العم، مدللة، بعد شهور من إتمام الزواج توفي العم، العروس حامل، تبكي لوالدها الذي غادر العراق، خذني زوجي يضربني، ذهبت بعد شهور لإسطنبول، وضعت ابنها وهي في الخامسة عشرة من عمرها، يدعى الطفل الجديد " بيشو"، ينادي الجدة بـ "ماما" والجد "بابا"، الطفل الصغير يبلغ الآن ثماني سنوات، وآية تجلس بجواره، لا تعليم، ولا وظيفة، ولا زواج ولا مستقبل توقفت حياتها بجوار الطفل دون أمل في أي مستقبل.
نواسيها بكلمات نعلم جميعا أنها غير كافية.

تمسك ه.د حبات البذر وفنجان قهوة عربي وتبدأ بطرح النكات لتعلو الضحكات، ونعود لسماع شكوى أم أخرى من الحاضرات.

يتبع..

دلالات