ثنائية الفساد والطائفية

15 يوليو 2021
+ الخط -

لست لبنانياً ولم أزر لبنان يوماً في حياتي، كل ما أعرفه عن ذلك البلد غير فترة الحرب الأهلية، هو أنه كان  يوماً ما  عاصمة لحرية الصحافة والإعلام والنشر، وأنه ظُلم كثيراً في الاقتتال الإقليمي والصراع على النفوذ في المنطقة.

صحيح أن مشكلة لبنان تكمن في قادته الذين كان معظمهم قبل ارتداء ربطة العنق قادة لمليشيات مسلحة، وصحيح كذلك أن الطائفية التي تشكل عماد وبنية النظام السياسي والاجتماعي فيه هما العاملان الأساسيان في أزمات لبنان المتراكمة وصولاً للانفجار الأخير، لكن المعطى بالغ الأهمية أن لبنان بلد عربي أصيل، وشعبه يستحق إسناداً عربياً وإسلامياً، وأن لا يعاقبه الجوار والإخوة جراء حسابات انتقامية ضيقة.

وفي تشخيص سريع للمشهد في لبنان فقد اجتمع على ذلك البلد طاعونان:

الأول: طاعون الطائفية ومحاصصاتها البائسة. والثاني: طاعون الفساد وما يتسبب به من أعطاب. فلا يمكن معالجة اقتصاد "بقّالة" وليس بلد يصيبه هذان الطاعونان، وإن التعافي منهما هو مهمة معقدة بتقديري، إلا أن الخطوة الأولى المطلوبة قبل وخلال معالجة معضلات لبنان هي توفير شبكة أمان تجنب المواطنين ويلات الانهيار التام، جنبا إلى جنب مع حوار صريح ومسؤول حول لبنان بين القوى الإقليمية المشتبكة فيه وحوله، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وإيران ينتج عنه تشكيل حكومة قوية وقادرة على القيام بجهود الحوكمة الاقتصادية، والتي لا تمر في لبنان وغيره دون حوكمة سياسية تسبقها.

لا تميز الطائفية والفساد في القدرة التدميرية بين بلد كبير وصغير، أو غني وفقير، فمفاعيلها التدميرية تجهز على كل شيء

وليس بعيداً عن لبنان، يعاني العراق من ذات الطاعون، إذ أن الكهرباء باتت عملة نادرة في ذلك البلد النفطي، فيما تحرق مشافيه بمرضاها جراء الفساد الذي يجتمع هو الآخر مع طائفية مقيتة، تغذيها مطامع إقليمية، فرغم الفارق الكبير في الإمكانات مع لبنان، فإن النتيجة واحدة، وهذه ميزة كل من الفساد والطائفية: أنهما لا يفرقان بين بلد وآخر في الإعطاب.

فلا تميز الطائفية والفساد في القدرة التدميرية بين بلد كبير وصغير، أو غني وفقير، فمفاعيلها التدميرية تجهز على كل شيء.

يرزح العراق تحت حكم قادة ميليشيات، وصل بعضهم الحكم على ظهر دبابة أميركية، والآخر عبر ميليشيات إيرانية، كلهم يتقاتلون ويقاتلون من أجل مصالحهم. وفي لبنان وصل القادة السياسيون على أكوام من الجثث والعمائر المدمرة، وكلهم ما زالوا كرفاقهم في العراق يتقاتلون ويقاتلون من أجل مصالحهم، والنتيجة واحدة في بيروت وبغداد.

أخيراً، وأثناء كتابتي لهذه المقالة، قرأت خبراً مفاده أن هناك قضية تقدّم بها ستة مواطنين لبنانيين أمام القضاء اللبناني لـ"التثبّت من أهلية رئيس الجمهورية ميشال عون لتولي مقاليد الحكم وتعيين لجنة أطباء لمعاينته"، وقد أثارت تلك القضية جدلاً واسعاً في لبنان، وردّ مستشار رئيس الجمهورية أمل أبو زيد على هذا الطلب عبر تغريدة قال فيها: "وصلت السخافة والوقاحة ببعضهم إلى حد التعرّض لكرامة أعلى رمز في الدولة اللبنانية والتشكيك بأهليته".

لم أستغرب حقيقةً ما فعل من رفعوا القضية، فهذا حقهم، وذلك رئيسهم ومن حقهم محاسبته، ولا من رد مستشار عون، وإنما ما يثير الاستغراب أن الرجل لم يقل لنا كم هو حد "السخافة والوقاحة" والفساد الذي وصل له قادة لبنان وأوصلوا جراءه البلاد لما هي عليه اليوم؟! هذا هو السؤال الأهم بتقديري.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.