تجربتي في "المنتدى السنوي لفلسطين 2023"

17 فبراير 2023
+ الخط -

شاءت الأقدار أن أحضر مؤتمر "المنتدى السنوي لفلسطين" في الدوحة، بدعوة من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وأكاد أجزم أنه من أوائل المؤتمرات التي تنعقد بهذه الخصوصية لجهة العدد الكبير من الأكاديميين والمثقفين والناشطين والإعلاميين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين المعنيين بالشأن الفلسطيني.

كان لا بد لي أن أسجل تجربتي في هذا المنتدى، وإن كانت متأخرة بعض الشيء، إلا أنني حرصت على كتابة هذه الكلمات فور وصولي إلى بيروت، وخصوصاً أنه ترك أثراً كبيراً في نفسي.

ليس من السهل أن يجتمع هذا العدد من الفلسطينيين من فلسطين وبلاد اللجوء العربية، وبلاد الاغتراب الأجنبية، في مكان واحد، لنتحدث بلهجة عربية فلسطينية بموضوع واحد، هو فلسطين، بكلّ أبعادها التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهمومها وشجونها وآلامها من الاحتلال، وعلى كافة الصعد. لم يكن هذا المنتدى محفلاً سياسياً تجتمع فيه الفصائل الفلسطينية والتيارات السياسية، ليقتصر دوره على إيجاد الخيارات والبدائل السياسية الممكنة، والتي أصبحت مستهلكة ومأزومة في ظلّ حالة التشظي والانقسام الفلسطيني، بل كان تجمعاً لأبناء الأرض من أكاديميين في الجامعات، وصولاً إلى ناشطين في فلسطين والشتات والغرب، فلسطينيين وغير فلسطينيين، عرباً وأجانب، كلّ يقدم تجربته باختصاصه، لتتلاقح هذه الأفكار لعلها تخرج بجديد.

لا بد من توجيه الشكر لقطر، وللمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، على هذه التجربة الفريدة، خصوصاً أني، كلاجىء فلسطيني في لبنان، حظيت بفرصة أن ألتقي مع أبناء بلدي من القدس، ورام الله، ومن الداخل الفلسطيني المحتل، (مناطق الـ48)، لن أذكر الأسماء، فهي معروفة لمن قرأ برنامج المنتدى، لكني علمت من خلال لقاءاتي وحواراتي معهم ما يعيشه أبناء شعبنا من معاناة يومية، حتى إنّ العديد منهم يتعرضون للمضايقة من الاحتلال جرّاء مواقفهم، ذلك أنّ الظهور الإعلامي يمكن أن يكلفهم المنع من السفر والسجن.

تجارب شبابية حديثة، واعدة في ظلّ أفق فلسطيني سياسي مسدود

لم يكن الهدف من عقد هذا المؤتمر هو تشكيل إطار سياسي، بل هو، كما عبّر مدير المركز العربي الدكتور عزمي بشارة في كلمته الافتتاحية "إطلاق صيرورة عنوانها مدّ الجسور بين الباحثين الفلسطينيين من أماكن وجودهم كافة، وبينهم وبين باحثين وناشطين عرب وأجانب، بما يتجاوز وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر المعرفة والجهل، وتستوي فيها الحقيقة مع الشائعة المغرضة، إلى الحوار العقلاني المنتظم والمسؤول، وهذه ديناماكية لا يمكن إلا أن تكون إيجابية بالوضع الراهن".

كان من اللافت جداً أنّ هذا المؤتمر لا يقتصر حضوره على طبقة الأكاديميين من أساتذة الجامعات، ولا من المثقفين فحسب، بل على ناشطين من جيل الشباب، سواء في فلسطين أو خارجها، فلقد استمعت إلى تجربة هؤلاء في فلسطين ولبنان وأوروبا وأميركا، وهي تجربة جديرة بالمتابعة والدراسة، خصوصاً أنها تجارب شبابية حديثة واعدة في ظلّ أفق فلسطيني سياسي مسدود، تعمل في دولّ متعدّدة في ظلّ تحديات كبيرة يختل فيها ميزان القوى لصالح اللوبي الإسرائيلي، وبجهود تطوعية، جماعية وفردية، وهي ليست حركة تمثل فورة شبابية، بل هي عمل منظم ومؤطر يستهدف إحداث تغيير في الرأي العام العربي والغربي، وكلّ له تجربته الفريدة، وعوائقه الخاصة بكلّ بلد، ونجاحاته وفشله.

أما على المستوى الغربي، فلقد اهتممت بما قدمه الناشطون من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية لكيفية تناول الإعلام الغربي الأحداث الفلسطينية، حيث ما زالت السردية الإسرائيلية هي السائدة، بالرغم من جرائم الاحتلال الواضحة بحق الشعب الفسطيني، ذلك أنّ الإعلام الغربي، وبوقاحة، ما زال مصراً على تزييف الحقائق، وتصوير الإسرائيلي ضحيةً، والفلسطيني قاتلاً، وإن كانت نظرة الرأي العام الغربي بدأت تتغيّر تجاه "إسرائيل"، إلا أنّ معركة الوعي في الغرب على أشدها، وخصوصاً في الإعلام الغربي الواقع تحت سطوة ونفوذ اللوبيات الإسرائيلية، وبالتالي ما زالت معركة الناشطين الغربيين المتضامنين مع فلسطين مستمرة.

الأمل أن يستمر هذا المنتدى السنوي في قطر، ليشكل خرقاً أو رافعة ثقافية تعمل للتأثير على الرأي العام العربي والغربي، بشقيه الأكاديمي في الجامعات، والشبابي في المجتمعات. كان من الجميل أن نسمع لغة الضاد الفلسطينية عربياً وغربياً، في منتدى ثقافي غير سياسي بحت، وإن كان لم يخلُ من السياسة لدى البعض، عبر التأكيد على عدالة قضية فلسطين، وعدم تخلّي أبنائها عنها، فالإصرار على أحقية الشعب الفلسطيني بأرضه، والثبات على مبادئه بالعودة، ومحاربة السردية الإسرائيلية المزيفة التي تحاول أن تنفذ إلى شعوبنا عبر اتفاقيات التطبيع، هي أقوى رسالة سياسية لمن يريد أن يسمع صوت الشعب الفلسطيني.